تقرير إسرائيلي يدعو لاستثمار ولاية ترامب لتثبيت مكاسب استراتيجية وتغيير خرائط الإقليم

ترامب نتنياهو.jpg

دعا تقرير صدر، الأربعاء، عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب إلى استثمار فترة تولّي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكم، بوصفه «مؤيدًا متحمّسًا لإسرائيل يقود سياسة خارجية تُعيد تشكيل الشرق الأوسط والساحة الدولية»، من أجل ترسيخ ترتيبات مرحلة ما بعد الحرب في غزة وبلورة تفاهمات أوسع مع واشنطن والإقليم، تحسّبًا لـ«تحوّل محتمل في السياسة الأميركية مستقبلًا» بفعل تغيّرات داخلية متسارعة في المجتمع الأميركي وانعكاساتها على علاقة البلدين.

وصف التقرير، الذي قُدِّم على هيئة «ورقة موقف»، «خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة» بأنها «متلائمة بدرجة كبيرة مع المصلحة الإسرائيلية الواسعة»، لجهة استعادة المخطوفين، وإنهاء الحرب، وإبعاد حركة «حماس» عن الحكم في القطاع ونزع سلاحها، إلى جانب فتح قنوات ارتباط «جيّدة» مع دول المنطقة وكبح جهود عزل إسرائيل دوليًا. ويرى معدّو الورقة أن تبنّي الحكومة الإسرائيلية للخطة «ضروري كي يدفع ترامب مبادرات إضافية لتحصين الأمن القومي الإسرائيلي».

وفي تشخيصه للعلاقة مع واشنطن، يقرّ التقرير بأن توصيف إسرائيل كـ«دولة تابعة» قد يعكس «انطباعًا صحيحًا»، غير أنه يشدّد على ضرورة مواجهة «واقع إشكالي آخذ بالتطوّر» في العلاقات الثنائية، ناجم عن تحوّلات ديمغرافية واجتماعية وسياسية عميقة في الولايات المتحدة. ويذهب إلى أن «الصوت التقدّمي» داخل اليسار الأميركي بات أكثر حضورًا، ويقرأ الصراع بمنطق «القويّ الأبيض في مواجهة الضعيف المقموع»، ما يضع إسرائيل في خانة «المستفيد من الامتيازات» مقابل الفلسطينيين. وبموازاة ذلك، يسجّل التقرير تحوّلات داخل اليمين المحافظ؛ فحركة «MAGA» التي يقودها ترامب تركّز على الداخل وتتحفّظ على الانخراط الخارجي، مع بروز تيارات راديكالية تعتبر إسرائيل «دولة تدفع الولايات المتحدة إلى حروب لا تخدم مصالحها»، إلى جانب أصوات «ذات مضامين معادية للسامية تربطها بإسرائيل».

ويستند التقرير إلى سلسلة استطلاعات رأي أميركية ليدلّل على «تراجع بارز ومثابر» في التأييد الشعبي لإسرائيل: استطلاع «بيو» في مارس/آذار أظهر ارتفاع الآراء السلبية تجاه إسرائيل إلى 53% وتدنّي التماهي معها إلى أدنى مستوى في 25 عامًا؛ واستطلاع «غالوب» سجّل هبوط التأييد العام لإسرائيل إلى 46%، وهو الأدنى منذ ربع قرن؛ فيما أفاد استطلاع لجامعة ميريلاند بأن 41% من الأميركيين يرون أن إسرائيل ترتكب «إبادة جماعية أو جرائم مشابهة» في غزة. كما يلفت التقرير إلى فجوة عمرية داخل الجمهوريين: 13% فقط من الشبان بين 18 و34 عامًا يبدون تأييدًا لإسرائيل مقابل 67% بين من هم فوق 65 عامًا. وحتى لدى الإنجيليين البيض—القاعدة الأكثر دعمًا لإسرائيل—تتراجع الأوزان؛ إذ انخفضت نسبتهم من 23% عام 2016 إلى 14% عام 2020، وتراجعت مستويات دعمهم لإسرائيل من 69% عام 2018 إلى 34% عام 2021، مع استمرار الهبوط خصوصًا بين الشباب.

انطلاقًا من هذه القراءة، يدعو التقرير إلى استغلال «نافذة الفرص» ما دام ترامب في البيت الأبيض عبر مسارين متوازيين: هندسة توازنات إقليمية جديدة وتعزيز عناصر القوة الإسرائيلية. وفي ملف غزة، يوصي—بعد موافقة إسرائيل رسميًا على خطة ترامب—بالمضي خطوة إضافية نحو «ترسيم خطوط سياسية عريضة لانفصال دولة إسرائيل عن كيان فلسطيني مستقل منزوع السلاح وبسيادة محدودة، خاضع لموافقة إسرائيل»، على أن تُشكّل مبادرات ترامب الراهنة وسابقًا (اتفاقات أبراهام في 2020) رافعة لبلوغ تسوية للصراع.

وفي الملف الإيراني، يحذّر التقرير من ترحيل المواجهة إلى الإدارة الأميركية المقبلة، ويدعو إلى إستراتيجية «ضغط اقتصادي وسياسي أقصى» تقودها الولايات المتحدة، مقرونة بـ«تهديد عسكري موثوق» عبر إعادة بناء قدرة هجومية مشتركة أميركية–إسرائيلية، بهدف انتزاع «اتفاق نووي أفضل» ومنع إيران من امتلاك سلاح نووي «إلى الأبد».

أما في الساحة السورية، فيحدّد التقرير «الوضع النهائي المرغوب» بدولة «مستقرة تسيطر على أراضيها ولا تسمح بتطوّر تهديدات ضد إسرائيل، وصولًا إلى علاقات دبلوماسية وربما تطبيع». ويقترح البدء بـ«اتفاق أمني» وعدم دفع «الرئيس السوري أحمد الشرع»—بحسب تسمية الورقة—إلى قرارات متعجّلة قد تُسقطه وتستبدله بقيادة «أكثر تطرّفًا». ويطرح «إنهاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية في الأراضي السورية مقابل اتفاق أمني» بوصفه مسار اختبار لنوايا النظام تجاه إسرائيل، مع التعويل على حاجة دمشق إلى دعم أميركي وخليجي لإعادة الإعمار بما يتيح لواشنطن «إملاء الطريق».

وفي لبنان، يرى التقرير أن من «الممكن» التوصّل إلى تطبيع مع بيروت ونزع سلاح «حزب الله»، معتبرًا أن «العمليات الهجومية الإسرائيلية المتواصلة لمنع إعادة بناء الحزب مهمة للغاية»، وأن «إضعاف» قدراته أتاحت للحكومة اللبنانية المطالبة بنزع سلاحه. لكنه يحذّر من «إغلاق نافذة الفرص» مع سعي إيران لإعادة بناء قوة الحزب، ويدعو إلى «تسريع نزع سلاحه برافعة أميركية»، على أن «يدعم الجيش الأميركي القواتَ المسلحة اللبنانية ويواكب العملية بإشراف لصيق ولدرجة التدخّل المباشر».

وعلى المستوى الاستراتيجي الثنائي، يوصي التقرير بإعداد «مذكرة تفاهم جديدة» تنقل إسرائيل من وضع «الدولة المدعومة» إلى «الشريكة الإستراتيجية»، عبر بناء قوة دفاع مشتركة وإزالة معيقات التصدير والاستيراد وتعميق التصنيع المشترك والاندماج في منظومات البحث والتطوير الأميركية، انسجامًا مع «تشدّد دولي متزايد على الالتزام التجاري أساسًا للعلاقات بين الدول». كما يدعو إلى انضمام إسرائيل لتحالف «العيون الخمس» الاستخباراتي (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، أستراليا، نيوزيلندا) بما «يحسّن قدراتها الاستخباراتية ومكانتها السياسية» ويخدم أهدافها في الشرق الأوسط والساحة الدولية الأوسع.

وفي خلاصته، يؤكد التقرير أن تبنّي تل أبيب العاجل لـ«خطة ترامب» وما يتفرّع عنها من مبادرات في ملفات غزة وإيران وسوريا ولبنان، بالتوازي مع تعميق الشراكة المؤسسية مع واشنطن، قد يخفّف من الاتجاهات السلبية المتصاعدة ضد إسرائيل في الرأي العام الأميركي، ويضمن «مصالح حيوية» لها إذا ما تبدّلت موازين السياسة في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القدس المحتلة