عن إفلات «حماس» من المسؤولية والمحاسبة

بقلم: مهند عبد الحميد

قلم

الكاتب: مهند عبد الحميد

ما هو اللغز وراء تناقض موقف حزب الله وحركة حماس الركنين الأساسيين في المقاومة الإسلامية مع ما وافقا عليه من وقف الحرب مقابل نزع السلاح وتفكيك بنية المقاومة والتوقف عن كل عمل مسلح، وإيجاد حلول سياسية للصراع من خلال الدولة اللبنانية التي خرجت من قبضة حزب الله، ومن خلال السلطة الفلسطينية بعد امتثالها لإصلاح مرضٍ - ولا شيء يرضي نتنياهو -، ما يعني أن الطرف المخول بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو هيئة الوصاية الدولية الإقليمية بقيادة أميركا بحسب خطة ترامب.

قيادة حزب الله وقيادة حماس تتجاهلان الاتفاقين وبنودهما الصريحة حول نزع سلاحهما، وتوحيان بأن هناك قراءات أخرى لنصوص الاتفاق، وأن ما جرى التوصل إليه هو محض هدنة يمكن استثمارها في إعادة بناء المقاومة.

القول إن وجود المقاومة والسلاح مشروع طالما بقي احتلال الوطن أو جزء منه وطالما بقيت السيطرة الاستعمارية على الشعب، قول صحيح تماما، ولم يكن الخلاف حول الحق المشروع والمنصوص عليه في القانون الدولي.

كان الخلاف حول شكل المقاومة فيما إذا كانت حرب مواجهة غير متكافئة وخاسرة كأن تبادر إلى الحرب بجيش ضعيف مقابل جيش حديث ومتفوق، أم مقاومة تأخذ في الحسبان الخصائص المتناقضة وعناصر القوة والضعف والأشكال الملائمة في حالة الدفاع والهجوم.

إن موافقة الحزب والحركة على وقف الحرب كان نابعا من الاختلال الفادح في ميزان القوى واضطرارهما للموافقة على شروط تلغي مبرر استمرارهما كتنظيمي لكن ادعاء النصر في حالة حزب الله، وفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في حالة حماس كان الغطاء الذي برر قبول وقف الحرب بشروط لا يوجد لها اسم غير هزيمة الحزب وهزيمة حماس.

لكن حماس تنفرد في سوق أسباب أخرى لانتصارها أو رجحان كفتها في الحرب. كتبني التحول في المواقف الدولية والرأي العام العالمي لمصلحة الشعب الفلسطيني، وتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة، ودعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وصولا إلى فوز عمدة نيويورك زهران ممداني في الانتخابات.  

هذا التبني الذي تقدمه قيادة حماس ويسهب المدافعون اليساريون في شرحه ليس له إلا وظيفة الهروب بخفة من الأخطاء والقرارات والسياسات التي ورطت الشعب الفلسطيني في حرب عرضته للإبادة والتهجير والإذلال والتطهير العرقي وأفضت إلى استسلام ووصاية بالموافقة على خطة ترامب وبنودها العشرين.

وكأن قرار إعلان الحرب الشاملة والمفتوحة ومطالبة السلطة وأجهزتها والشعب الفلسطيني في الضفة ومناطق 48 والأردن الانخراط في هذه الحرب كان صحيحاً. وكأن الهجوم على أهداف مدنية إسرائيلية وأسر أطفال ومسنين وعمال أجانب كان صحيحاً.

وكأن المواقف والسياسات التي سعت إلى توريط الأردن في الحرب، وحملت الدولة المصرية مسؤولية إغلاق معبر رفح، وتشويش العلاقة الفلسطينية معهما كان صحيحاً.

وكأن عدم الاكتراث بالخسائر البشرية والمادية الهائلة وتفكيك المجتمع وبنيته كان موقفاً صحيحاً.

لم يكن أي من القرارات السابقة صحيحاً، لأنها ألحقت بالشعب وبقضيته كارثة، ولحسن الحظ أن السلطة والشعب في الضفة ومناطق 48 لم يلتزموا أو ينفذوا قرارات ودعوات حماس.

من المؤسف أن المحللين ومعظمهم من خارج حماس، لم يشخصوا التحول الدولي تشخيصاً موضوعياً، انتقوا منه ما يخدم رواية حماس.

منذ انطلاقة الثورة كانت القضية الفلسطينية بوصفها القضية الأكثر عدالة محط اهتمام ودعم كل القوى المناهضة للحرب والعنصرية والتوحش والهيمنة، أُدرجت كعنوان للنضال العالمي المشترك منذ عقود. وانعكس ذلك على قرارات الجمعية العامة السنوية وعلى اعتراف 134 دولة بدولة فلسطين وقبولها في سائر الهيئات الدولية.

ازداد الدعم والانحياز لفلسطين بعد إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني بسبب التوحش والفاشية والمجازر والتجويع وموت الأبرياء بآلة الحرب الإسرائيلية. وليس بسبب هجوم 7 أكتوبر الذي أدين من مؤسسات الأمم المتحدة وبخاصة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية وسائر المنظمات الحقوقية - امنستي وهيومان رايتس ووتش ومجلس حقوق الإنسان - وأدرج أسماء بعض قيادات حماس ضمن قائمة المطلوبين لمحكمة الجنايات.

وثيقة نيويورك والقمة العربية الإسلامية وجامعة الدول العربية والاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية أدانت هجوم السابع من أكتوبر وبخاصة انتهاكات حماس التي ارتكبت في الهجوم.

أفضل المواقف تلك التي ربطت بين 7 أكتوبر الذي أدانته، وبين سياسات الاحتلال الاستيطانية وأعمال التطهير العرقي والقتل ونهب الموارد واستباحة الحقوق الفلسطينية المشروعة والحصار الخانق.

أيضاً، لعبت مشاهد المقاتلين الشجعان الذين كانوا يهاجمون دبابات ومواقع الاحتلال داخل قطاع غزة دوراً مهماً في تعزيز التعاطف والدعم العالمي.  

حرب الإبادة جلبت الموت ودمار بنية المجتمع المادية والاجتماعية وحولت قطاع غزة إلى مكان غير قابل للحياة، وأفضت إلى تعميق سيطرة المستوطنين على أكثرية أراضي الضفة الغربية وجلبت استسلام المقاومة – غير المعترف به – المنصوص عليه في بنود خطة ترامب، وجلبت الوصاية وربطت بين إعادة الإعمار وعودة الحياة الطبيعية بنزع السلاح وبخروج حماس من السلطة.

في الوقت الذي نجحت فيه إدارة ترامب في الالتفاف على المبادرة السعودية الفرنسية عندما وضعتها في إطار خطته بدلاً من وضع «وقف الحرب» وهو أهم بند في إطار تلك المبادرة.

وعندما فرض نتنياهو شطب البند رقم 21 الذي ينص على حظر ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها لإسرائيل. واستعيض عن النص بأقوال ترامب الشفوية التي تحذر من الضم.

بهذا المعنى لا يمكن الركون إلى إنجاز سياسي في ظل إفلات إسرائيل من العقاب والضغط وحتى المساءلة.

استجابة النظام والمجتمع الدوليين شيء والفعل الفلسطيني شيء آخر.

ما حدث هو مغامرة عرضت الوجود الفلسطيني لخطر وجودي هو نقيض لتقرير المصير بما في ذلك إقامة الدولة والخلاص من الاحتلال.

لا ينبغي لحركة حماس ومعجبيها الهروب من الجواب، لماذا غامرت – ولنفترض هنا أن تقديرها للرد الإسرائيلي كان خاطئاً. ولكن بعد معرفة طبيعة الرد وخطورته، لماذا لم تنسحب من المواجهة المعروفة النتائج؟

لماذا لم تلتفت للخسائر والكوارث المتصاعدة وبقيت تقدم الخطاب والمطالب ذاتها. هل حقاً كانت حماس تريد إقامة دولة فلسطينية وقد خلت الدولة من خطابها في بيان الطوفان وبيانات الناطق الرسمي وأحاديث سائر قادتها على امتداد سنتي الحرب، فقط طرُح هدف الدولة بعد سلسلة الاعترافات بالدولة الفلسطينية وبعد إطلاق المبادرة الفرنسية السعودية.

وكانت الجبهة الشعبية حليفة حماس قد أزاحت هدف إقامة الدولة الفلسطينية عن الطاولة كما قال نائب الأمين العام جميل مزهر في أوائل العام 2023.

يذكر أن حماس طرحت موافقتها على إقامة دولة فلسطينية في وثيقة 2018، لكن هذا الطرح جاء لاعتبارات تكتيكية خارجية وداخلية أهمها انتزاع السيطرة على القرار وعلى الشرعية الفلسطينية.

لم تقدم الحركة هذا الهدف في خطابها التعبوي السياسي والإعلامي والديني، بالعكس تحدث آخر مؤتمرات «وعد الآخرة» عن كيفية التصرف في مرحلة ما بعد إسرائيل. ثم ساهمت حماس في تقويض حل الدولة الفلسطينية عملياً بانقلابها العسكري في العام 2007 وباستمرار فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وباستقطابها لفصائل من منظمة التحرير تحت شعار المقاومة.. للحديث بقية. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت