كشفت وثائق داخلية عن مخاوف عميقة داخل الإدارة الأميركية من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي رعاه الرئيس دونالد ترامب ودخل حيّز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في ظل فرص محدودة للانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأميركية. ووفق تقرير لموقع «بوليتيكو»، تُظهر الوثائق التي قُدّمت الشهر الماضي لمسؤولين من وزارتي الخارجية والأمن في إسرائيل غياب خطة تنفيذية واضحة لبنود الاتفاق، وتثير تساؤلات حول إمكانية نشر «قوة الاستقرار الدولية» المفترض أن تتولى حفظ الأمن في غزة.
الوثائق عُرضت خلال ندوة مغلقة لمدّة يومين في كريات غات نظّمها مركز التنسيق المدني العسكري الأميركي (CMCC) المنشأ بموجب الاتفاق، بحضور نحو 400 مسؤول من وزارات الخارجية والدفاع، ومنظمات غير حكومية، وشركات أمنية خاصة. وتشير الشرائح المعروضة (67 شريحة ضمن ستة أقسام) إلى «علامة استفهام كبيرة» بين المرحلتين الأولى والثانية من خطة السلام، في إشارة إلى الضبابية التي تكتنف الانتقال من وقف النار إلى إعادة الإعمار.
قلق من «فراغ أمني» وتناقض بين الخطاب والواقع
تقدّم المواد صورة قاتمة للتحديات أمام تحويل الهدنة إلى «سلام دائم»، وتُظهر تباينًا بين خطاب واشنطن المتفائل والحقائق الميدانية. وبحسب وثيقة صادرة عن معهد توني بلير بعنوان «تقرير الوضع في غزة»، فإن «حماس تعيد فرض سلطتها وتملأ الفراغ الأمني بإجراءات قسرية»، وقد أعادت نشر نحو 7 آلاف عنصر أمني في المناطق غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، حيث يعيش 95% من سكان القطاع.
وفي عرضٍ حكومي أميركي بعنوان «التهديدات ضد العمليات الإنسانية والأمنية في مناطق خالية من حماس»، تُحاجج الوثيقة بأن الحركة «تكسب الوقت لاستعادة السيطرة، وكل تأخير يصبّ في مصلحتها»، مع توقّعات باستخدام الدعاية والهجمات بالوكالة لإعادة ترسيخ النفوذ. وتُشير المواد نفسها إلى أن الجيش الإسرائيلي ما زال يسيطر على نحو 53% من أراضي القطاع، وإلى أن 600 شاحنة مساعدات فقط تصل يوميًا إلى غزة وسط اختناقات كبيرة تعيق التوزيع بالكميات المطلوبة.
خطة ترامب… اختبار التنفيذ على الأرض
على الرغم من التحفّظات، تفيد الوثائق بأن الإدارة ماضية في تنفيذ الخطة التي تتضمن مؤسسات جديدة مثل «مجلس السلام» و**«قوة الاستقرار الدولية»**، ودورًا اقتصاديًا مباشرًا في إدارة مشاريع الإعمار. وقال إيدي فاسكيس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن «القصة تعكس جهلًا تامًا بآلية عمل الجهد في غزة»، مضيفًا: «منذ إعلان الرئيس ترامب خطته ذات النقاط العشرين، تلقّينا سيلًا من المقترحات من عشرات الدول والمنظمات، وسنواصل تنفيذ الخطة والحفاظ على وقف إطلاق النار».
وتحمل الوثائق عنوانًا رئيسيًا: «الخطة ذات العشرين نقطة: المرحلة الثانية – التحديات الأمنية والفرص»، وتعرض بالتفصيل مشكلات الانتقال من الهدنة إلى إعادة بناء المؤسسات المدنية في غزة.
القوة الدولية: شرط التفويض وممانعة إرسال قوات
تؤكد الوثائق أن الولايات المتحدة بدأت توزيع مسودة قرار في مجلس الأمن لتفويض إنشاء «قوة الاستقرار الدولية»، على أن يُعقد مؤتمر دولي للمانحين بعد المصادقة. غير أن العديد من الدول أبلغت واشنطن أنها لن تقدّم قوات أو تمويلًا دون تفويض أممي واضح. ونُقل عن مسؤول في البنتاغون قوله: «ننتظر قرار الأمم المتحدة، وبعدها مؤتمر المانحين، ثم تبدأ الدول بالتعهّد بالقوات». وبحسب «بوليتيكو»، أبدت دول مثل إندونيسيا وأذربيجان وباكستان وتركيا استعدادًا مبدئيًا للمشاركة، فيما أبدت إسرائيل تحفظًا على مشاركة أنقرة. وقال أحد المشاركين في الندوة: «الدول مستعدة لكتابة شيك، لكنها لا تريد إرسال جنود».
من يدير غزة بعد الهدنة؟
تُظهر الوثائق خلافات قائمة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول إدارة القطاع في المرحلة المقبلة؛ إذ ترغب السلطة بالعودة وتولّي المسؤولية إلى جانب القوة المتعددة الجنسيات، بينما ترفض إسرائيل ذلك وتربط أي دور بإصلاحات داخلية وفق خطة ترامب. وبموازاة ذلك، يستمرّ CMCC في بلورة ترتيبات الأمن واللوجستيات، فيما تتسع الفجوة بين التصميم السياسي والقدرة التنفيذية.
رسائل متناقضة… وتقييم تشاؤمي
رغم وصف الرئيس ترامب الاتفاق بأنه «بداية وئام عظيم وسلام دائم»، أقرّ وزير الخارجية ماركو روبيو في مؤتمر صحافي بولاية ماريلاند بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر بأن «الطريق إلى السلام مليء بالتحديات»، مضيفًا: «لو كان هذا سهلًا لتمّ منذ 30 عامًا». ويخلص «بوليتيكو» إلى أن الوثائق المعروضة في إسرائيل تعكس شكوكًا متزايدة داخل الإدارة بشأن قدرة الخطة على الصمود في ظل غياب رؤية تنفيذية واضحة وتباين المواقف بين الجهات الأميركية المشاركة. وقال مشارك في الندوة: «الجميع يتحدث من ارتفاع 40 ألف قدم، ولا أحد يناقش التكتيك أو التنفيذ… كل العمل الحقيقي يبدأ الآن، لكن لا أحد يملك خريطة طريق واضحة».
