حذّر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني من أنّ طريق تعافي غزة سيكون «طويلًا وشاقًا»، داعيًا إلى تمكين الأمم المتحدة ووكالاتها من العمل بلا قيود، وإسناد وقف إطلاق النار الهش بقوة استقرار دولية مفوَّضة بحماية البنية التحتية وضمان وصول المساعدات، بما يخلق حيّزًا لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية وإطلاق مسار سياسي قابل للحياة. وقال لازاريني إن المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذات النقاط العشرين وفّرت «قدراً من الهدوء» بعد عامين من الحرب، «لكن الانتهاكات اليومية تقريبًا تختبر التزام الضامنين"، مشددًا على أنّ هدنة تطيل غياب الحرب «من دون مسارٍ نحو سلام» لن تمنع تكرار أخطاء الماضي.
أوضح لازاريني أنّ تحديات المأوى والغذاء والمياه النظيفة ما تزال قائمة، وأنّ الشتاء يقترب سريعًا فيما تتزايد توقعات الناس بالحصول على الرعاية الصحية والتعليم. وأكد أن حجم الصدمة الجسدية والنفسية هائل، وأن الأسابيع المقبلة «ستحسم ما إذا كان هذا المنعطف يقود إلى فجرٍ جديد أم إلى جولة أخرى من اليأس». وفي هذا السياق، شدّد على أن منظومة الأمم المتحدة، بما فيها الأونروا، تمتلك الخبرة والموارد للاستجابة «بفعالية وعلى نطاق واسع»، شريطة السماح بدخول الإمدادات وحرية حركة الموظفين «من دون قيود تعسفية».
ودعا لازاريني إلى إسناد الهدنة بقوة استقرار دولية تتولّى الحفاظ على التهدئة، وحماية البنية التحتية الحيوية، وضمان الوصول الإنساني، معتبرًا أنّ نجاح هذه القوة والانتقال من الطوارئ إلى الاستقرار يرتبطان بتوفير خدمات عامة موثوقة واحترام حقوق الإنسان، ووجود خدمة مدنية قادرة تحظى بثقة المجتمع. وأشار إلى دروس التجربة العراقية عام 2003، حيث أدّى تفكيك الإدارة المدنية إلى فراغٍ في الحكم ولسنوات من عدم الاستقرار، مؤكّدًا أن الحفاظ على المؤسسات العامة القادرة على تقديم الخدمات «درسٌ واضح لا لبس فيه».
وعن دور الأونروا، قال لازاريني إن الوكالة تتمتع بـآلاف الموظفين الفلسطينيين ذوي الكفاءة والخبرة والثقة المجتمعية، القادرين على تقديم الصحة والتعليم وخدمات أساسية لسكانٍ «تعرّضوا للدمار». وذكّر بأن معلمي الأونروا وأطبّاءها ومهندسيها شكّلوا، على مدى عقود، جزءًا حيويًا من منظومة خدمات عامة فعّالة لملايين اللاجئين في غزة والمنطقة. وأضاف أنّ محكمة العدل الدولية أكّدت في رأيها الاستشاري مهنية موظفي الأونروا ودورها الإنساني الذي «لا غنى عنه»، وأن الوكالة تظلّ «جهة فاعلة محايدة». واعتبر أن العودة السريعة للتعليم، بما في ذلك برنامج حقوق الإنسان الذي تُنفّذه الأونروا، «عاملٌ أساس» في منع التطرّف الذي غذّته شدّة الحصار وفظائع العامين الماضيين؛ لافتًا إلى أنّ نحو 700 ألف طفل بسنّ الدراسة يعيشون اليوم «بين الأنقاض»، محرومين من البيت والأحبة ومقعد الدراسة الذي لطالما كان «مصدر أملٍ وفخر».
وأشار لازاريني إلى أنّ استئناف الخدمات العامة لا يكفي وحده، إذ لا بدّ من بيئة ثقة تفتح الباب أمام استثمارات طويلة الأجل. وفي رأيه، يحتاج المانحون والشركات إلى طمأنةٍ بأن السلام سيصمد وأن جهود الإعمار «لن تذهب سدى»، وأنه لن تكون هناك انتكاسة إلى دورة جديدة من التدمير. وقال إن التزام المجتمع الدولي يجب أن يضمن لسكان غزة «حياة طبيعية» مع مساكن دائمة ومستشفيات ومدارس تعمل جيدًا، وإن إعادة الإعمار تعني أيضًا استعادة الحكم الرشيد والعدالة وتعزيز القناعة بأن السلام ما يزال ممكنًا في إطار حل الدولتين.
وحذّر من تحوّل «الخط الأصفر» الوارد في ترتيبات الأمن المؤقتة إلى حدٍّ فاصلٍ جديد داخل غزة أو بين غزة والضفة الغربية، بما يكرّس التجزئة على الأرض. واعتبر أنّ المصالحة يجب أن تبدأ «دون تأخير»، إذ صار الإسرائيليون والفلسطينيون «جيرانًا لا يعرف بعضهم بعضًا» بفعل الحرب، والعزلة، وانعدام الثقة. وشدّد على أنّ إعادة التواصل بين الطرفين تتطلّب تفكيك التجريد من الإنسانية الذي سمح بارتكاب فظائع «لا تُغتفر»، والاعتراف بـالقمع الذي عانى منه الفلسطينيون لعقود وبـالصدمة الجماعية العميقة التي تسببت بها هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 داخل إسرائيل.
وختم لازاريني بأن السلام الدائم يستلزم العمل المتوازي على العدالة والتعافي للفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء: «إذا أردنا أن تكون الهدنة بداية مسارٍ مختلف، فيجب أن نؤمّن الحماية والكرامة والخدمات اليوم، وأن نفتح طريقًا سياسيًا موثوقًا للغد».
