تعيش أسواق قطاع غزة منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار الشهر الماضي على وقع ظاهرة لافتة؛ إذ سُجّل تدفّق غير معتاد لكميات كبيرة من الهواتف الذكية الجديدة، في تناقض صارخ مع القيود المشددة التي كانت مفروضة على دخول الأجهزة الإلكترونية قبل الحرب، ومع استمرار منع الكثير من المواد الأساسية والإغاثية حتى اليوم.
هذا المشهد أثار موجة واسعة من التساؤلات والجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر ناشطون ومغرّدون عن مخاوفهم من احتمال توظيف بعض هذه الأجهزة في أغراض تجسسية أو تخريبية، مستحضرين واقعة انفجار أجهزة النداء (البيجر) في لبنان عام 2024، والتي أدت إلى إصابة مئات المقاتلين والمدنيين، وسط اتهامات لحزب الله حينها لإسرائيل بالمسؤولية عن التفجيرات.
ويرى كثيرون أن تكرار سيناريو مشابه في غزة ليس مستبعداً في ظل الظروف الأمنية الراهنة، متسائلين عن سبب سماح سلطات الاحتلال بإدخال شحنات ضخمة من الهواتف، في الوقت الذي لا تزال فيه تمنع دخول الخيام، ومواد البناء، ومستلزمات الإيواء والإغاثة العاجلة التي يحتاجها السكان بشدة.
واعتبر ناشطون أن هذا التناقض يثير شبهاتٍ حول طبيعة هذه الأجهزة والغرض الحقيقي من تدفّقها المفاجئ، وذهب بعضهم إلى وصف ما يجري بأنه قد يكون «مشروع بيجرات جديد» يهدف إلى مراقبة السكان والتنصت عليهم، وربما تنفيذ عمليات تفجير عن بُعد، مذكّرين بأن الاحتلال – على حد تعبيرهم – «لا يسمح بشيء بلا مقابل».
كما لفت آخرون إلى أن التوقيت وحجم الكميات يطرحان أسئلة تتجاوز البُعد التجاري البحت، مرجّحين وجود أبعاد أمنية وراء إدخال هذه الأجهزة، خاصة في ضوء سوابق موثقة لاستخدام تكنولوجيا مدنية في مهام تجسسية أو تخريبية في ساحات صراع أخرى.
في المقابل، برزت وجهة نظر أخرى على منصات التواصل تعتبر أن ما يحدث طبيعي من زاوية اقتصادية؛ إذ لم تدخل إلى غزة هواتف جديدة تقريباً منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار. وذكر مغرّدون أن بعض الطرازات الحديثة، مثل هواتف من فئة «سامسونغ ألترا»، وصل سعرها في ذروة النقص إلى نحو 22 ألف شيقل (أكثر من 6 آلاف دولار)، بينما لا تزال أسعار الأجهزة الجديدة مرتفعة حتى اليوم، حيث يُباع بعضها بما يقارب 7200 شيقل (أكثر من ألفي دولار).
غير أن كثيراً من الناشطين عادوا ليذكّروا بأن السكان اليوم أحوج إلى الغذاء والدواء ومستلزمات الإيواء منهم إلى الهواتف الذكية، معتبرين أن السماح بدخول الأجهزة الإلكترونية، مقابل استمرار القيود على المواد الأساسية، يفتح الباب أمام سؤال واحد يتردد في النقاشات الرقمية في غزة:
من يمنع الخيام والطحين، ثم يفتح المعابر أمام شحنات الهواتف؟
