واشنطن تقلّص وجودها العسكري في مركز التنسيق مع إسرائيل تمهيدًا لإخضاعه لـ"مجلس السلام"

قاعدة كريات جات

بدأت الولايات المتحدة الأميركية فعليًا تقليص وجودها العسكري في مركز التنسيق المدني – العسكري المشترك مع إسرائيل في "كريات غات"، إذ غادر جزء من نحو 200 عسكري أميركي كانوا مكلفين بإقامة وإدارة المركز، تمهيدًا لإخضاعه لهيئة جديدة تحمل اسم "مجلس السلام" من المتوقّع إنشاؤها قريبًا.

ونقل موقع صحيفة "هآرتس" عن مصدرين أميركيين رسميين، أن واشنطن تعتزم أن يخضع المركز لـ"مجلس السلام" الذي سيرأسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بوصفه "مكوّنًا أساسيًا في الخطة الأميركية" الخاصة بقطاع غزة. وبحسب المصادر، فإن المجلس سيتولى تنسيق إدخال المساعدات الإنسانية، ودفع مشاريع إعادة الإعمار وتطوير القطاع، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي الذي أُقرّ هذا الأسبوع.

وأشار أحد المصدرين إلى أن "مجلس السلام" سيدعم كذلك لجنة تكنوقراطية فلسطينية تتولى إدارة الخدمات المدنية اليومية في غزة، فيما تعمل السلطة الفلسطينية بالتوازي على تنفيذ برنامج إصلاحات خاص بها.

أولوية أميركية لبناء مجمعات سكنية مؤقتة شرق "الخط الأصفر"

مصادر دبلوماسية مطلعة على عمل مركز التنسيق، وأخرى من داخل المركز نفسه، أوضحت أن تطوير القطاع – أو بالأحرى بناء "مجمعات سكنية بديلة مؤقتة" تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي شرق "الخط الأصفر" – يحظى بأولوية أميركية عالية.

وقال أحد الدبلوماسيين إن للأميركيين هدفين رئيسيين: فتح المزيد من المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية، وبناء المجمعات السكنية المؤقتة، مرجّحًا أن يكون ذلك أيضًا "مصلحة إسرائيلية" لأن هذه المجمعات قد تقسم قطاع غزة فعليًا إلى شطرين.

ويضم مركز التنسيق المدني – العسكري أكثر من 20 دولة، من بينها دول أوروبية وعربية مثل مصر والإمارات. وتطرح هذه الدول على الجانب الأميركي أسئلة قانونية وأخلاقية حول خطة بناء أحياء جديدة في القطاع، من بينها: من سيختار سكان هذه الأحياء؟ ما المعايير؟ هل يمكن للسكان مغادرتها بحرية؟ وما مصير أصحاب الأراضي الأصليين؟

وبحسب أحد الدبلوماسيين، يقوم التوجه الأميركي الحالي على مصادرة الأراضي من أصحابها مقابل تعويضهم، فيما يتقدّم العمل التخطيطي المتعلق بإزالة الأنقاض تمهيدًا لبناء المجمعات المؤقتة "بوتيرة سريعة".

دور محدود للدول المشاركة… والقرار في واشنطن وتل أبيب

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الدول المشاركة في مركز التنسيق لا تُبدي في هذه المرحلة معارضة حادة للخطة الأميركية، بينما تحاول بعض هذه الدول استثمار مشروع الأحياء الجديدة لمنح السلطة الفلسطينية دورًا أوسع في القطاع، بما في ذلك إدارة المدارس والمستشفيات.

مع ذلك، تؤكد عدة مصادر أن الجهة التي تتخذ القرارات الفعلية بشأن بناء الأحياء الجديدة ليست داخل مركز التنسيق، الذي يقتصر دوره على توفير حلول تقنية وهندسية، فيما تُتخذ القرارات في البيت الأبيض أو عبر مشاورات مع المستوى السياسي في إسرائيل.

توتّرات حول المساعدات… وارتفاع عدد الشاحنات

وخلال الأسبوع الماضي، نُقلت صلاحيات منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بتنسيق دخول المساعدات الإنسانية إلى مركز التنسيق، وفقًا لمصدر أميركي رسمي ومصدر آخر من داخل المركز. وذكرت عدة مصادر أن توترات برزت بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي على خلفية القرارات المتعلقة بالمساعدات.

لكن دبلوماسيًا مطلعًا أوضح أن الجانبين ينجحان في التوصل إلى تسويات بشأن عدد الشاحنات وأنواع البضائع المسموح بدخولها، في ظل المخاوف الإسرائيلية من "الاستخدام المزدوج" لبعض المواد. وأضاف دبلوماسي آخر أنه لم يُسجّل "تغيير كبير" في الموقف الإسرائيلي على الأرض فيما يخص إدخال المساعدات.

وبحسب مصدر أميركي، فإن اتفاق وقف إطلاق النار ينص على إدخال 600 شاحنة يوميًا من المساعدات الإنسانية إلى غزة، غير أن العدد ارتفع مؤخرًا إلى نحو 800 شاحنة في المتوسط، وهو ما يعزوه إلى "عمل مركز التنسيق". وأكد المصدر أن وحدة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية "جزء لا يتجزأ" من المركز وتعمل "بتنسيق كامل" مع الأميركيين لضخ أكبر قدر ممكن من المساعدات.

أرقام الأمم المتحدة: أغلبية الشاحنات لأغراض تجارية

مع ذلك، تُظهر معطيات الأمم المتحدة أن نسبة صغيرة فقط من الشاحنات التي دخلت غزة منذ بداية وقف إطلاق النار تتبع للمنظومة الإنسانية (الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة بالتعاون مع المركز). فمنذ بدء سريان وقف إطلاق النار دخلت 4335 شاحنة تابعة للمنظومة الإنسانية، أي ما يعادل كمية أسبوع واحد فقط من المساعدات المطلوبة، بينما يدخل الجزء الأكبر من المواد الغذائية والسلع عبر القطاع الخاص أو من دول تقدّم مساعدات خارج إطار آليات الأمم المتحدة.

وذكر مصدر أممي أن "معظم السلع التي تدخل لأغراض تجارية هي وجبات سريعة وشوكولاتة وسكاكر وما شابه"، مضيفًا: "هذا لا يهمنا كثيرًا، لكننا نرغب في رؤية دخول أغذية مغذية عبر القطاع الخاص أيضًا". وأكد أن منتجات اللحوم والحليب والخضراوات لا تزال نادرة في القطاع رغم مرور شهر ونصف على وقف إطلاق النار، فيما يعتمد معظم السكان على الكربوهيدرات.

إسرائيل: دمج الأميركيين لا يعني نقل الصلاحيات

من جهته، قال منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية إن دمج الأميركيين في آليات التنسيق لإدخال المساعدات قد بدأ بالفعل، ويشمل تبادل المعلومات ونقل غرفة التنسيق المشتركة من مكتب تنسيق غزة إلى مركز "كريات غات".

وشدّد المنسق على أن الأمر "لا يتعلق بنقل صلاحيات أو مسؤوليات من منسق أعمال الحكومة إلى الأميركيين، بل بدمجهم في بلورة وتنفيذ آليات التنسيق والرقابة والإشراف المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، بالتعاون مع الجهات الأمنية الإسرائيلية".

وأضاف أنه "لا يوجد أي تغيير في سياسة فحص المساعدات ومحتواها"، مؤكدًا أن شاحنات المساعدات ستظل تخضع للتدقيق في المعابر من قبل الأجهزة الأمنية والسلطات الإسرائيلية، مع اتخاذ "الخطوات اللازمة للحد من تدخل حركة حماس في المساعدات الإنسانية".

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القدس المحتلة