اتّهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ما يُسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، التي أعلنت أمس عن إنهاء عملها في نقاط توزيع المساعدات بقطاع غزة، بالتورط المباشر في "الاستدراج المنهجي للمدنيين الجوعى إلى مصائد موت منظمة"، قال إنها خُطِّط لها وأُديرت ضمن "المنظومة الأميركية–الإسرائيلية تحت غطاء العمل الإنساني".
وأشار المكتب الإعلامي الحكومي، في بيان له، إلى أن هذه المؤسسة "كانت شريكًا أصيلاً في صناعة مشاهد القتل الجماعي، ومنفذًا عمليًا لأخطر مخطط استهدف المدنيين عبر أدوات التجويع والإبادة الجماعية في العصر الحديث"، مؤكدًا أن ما جرى "يتجاوز حدود التقصير أو الإهمال، ليصل إلى مستوى الشراكة الفعلية في الجريمة".
وأوضح البيان أن الاحتلال الإسرائيلي حوّل مراكز توزيع المساعدات التابعة لهذه المنظومة إلى "مصائد للموت ومواقع قتل جماعي" استهدفت المدنيين بصورة "متعمدة وممنهجة"، مشيرًا إلى أن 2,615 شهيدًا من ضحايا التجويع وصلوا إلى المستشفيات، إضافة إلى 19,182 إصابة، سواء عند مراكز ما وصفها بـ"مصائد الموت" التابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، أو على مسارات الشاحنات التي استخدمها الاحتلال كأداة للقصف المباشر وإزهاق الأرواح.
وبحسب المعطيات التي نشرها المكتب الإعلامي، فإن من بين هؤلاء الشهداء 1,506 شهداء قُتلوا أثناء انتظارهم الحصول على المساعدات، في مشاهد وصفها بأنها "تجسّد جريمة تجويع وقتل مقصود". كما وثّق استشهاد 1,109 مدنيين داخل المراكز الأميركية–الإسرائيلية ذاتها، نتيجة إطلاق النار والقصف خلال اقتراب المدنيين الجائعين أو دخولهم إليها، بينهم 225 طفلًا، و852 بالغًا، و32 من كبار السن.
وأكد البيان أن هذه الأرقام والمعطيات "تكشف بوضوح أن ما سُمي مراكز إنسانية كان في الحقيقة مواقع استدراج وإعدام ميداني للمدنيين ومصائد للموت، وليست بأي حال من الأحوال نقاط إغاثة أو حماية"، مشددًا على أن ما جرى يمثل "استخدامًا منظمًا للمساعدات كأداة عسكرية ضمن سياسة التجويع والإبادة".
وأوضح المكتب الإعلامي أن ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" بدأت تشغيل أول مركز لها في نهاية أيار/مايو 2025، تحت ادعاء إنشاء "نظام آمن ومنظم لتوزيع المساعدات"، لكن "الوقائع أثبتت منذ اليوم الأول أن الهدف الحقيقي كان هندسة التجويع والتحكم في حركة المدنيين، ودفعهم إلى نقاط مكشوفة يسهل استهدافهم وقتلهم، وليس تخفيف الأزمة الإنسانية"، معتبرًا أن هذه الآلية "نموذج أميركي–إسرائيلي قائم على إحكام السيطرة وإدامة المجاعة، وليس تقديم الإغاثة".
وعدّد البيان المراكز التي أعلنت عنها المؤسسة، مؤكّدًا أن الوقائع بيّنت أنها "كانت مراكز قتل لا مراكز مساعدات"، وتشمل:
-
مركز تل السلطان في رفح، الذي تحوّل لاحقًا – بحسب البيان – إلى أحد أبرز مواقع القتل الجماعي.
-
ممر موراغ جنوب قطاع غزة، وُصف بأنه "مركز في منطقة مكشوفة شديدة الخطورة".
-
مركز ثالث في رفح أُعلن عنه لاحقًا.
-
مركز رابع في شمال مخيم البريج وسط القطاع.
وقال المكتب الإعلامي إن "كل هذه النقاط أصبحت فعليًا مصائد موت، وتعرّض فيها المدنيون الجوعى لإطلاق النار المباشر، وحرمانهم من الغذاء، وإجبارهم على التحرك ضمن مسارات يتحكم بها الاحتلال لخدمة أهدافه العسكرية خلال الحرب".
وشدّد البيان على أن هذه الانتهاكات تشكل "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، وجزءًا من "سياسة الإبادة الجماعية عبر التجويع"، محمّلًا سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والمسؤولين عن "مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)"، والجهات الأميركية الراعية لها "المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، والتي ستخضع للملاحقة القانونية على المستويات كافة".
وختم المكتب الإعلامي الحكومي بالتأكيد على "تجديد تحميل الاحتلال ومنظومته وشركائه، وفي مقدمتهم مؤسسة GHF، المسؤولية الكاملة عن كل ما وقع من جرائم"، معلنًا المضي في توثيق هذه الانتهاكات وتقديم ملفات متكاملة للمحاسبة الدولية، "بما يضمن عدم إفلات أي جهة متورطة من العقاب".
GHF تعلن انتهاء مهمتها… وتقول إن "النموذج" سيتوسع عبر مركز أميركي جديد
في المقابل، أعلنت "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، الاثنين، إنهاء عمليات توزيع المساعدات في قطاع غزة بعد شهور من الانتقادات الحادة، على خلفية مقتل مئات الفلسطينيين خلال محاولتهم الوصول إلى مراكز التوزيع التابعة لها، بحسب تقديرات أممية وتقارير صحفية.
وقال المدير التنفيذي للمؤسسة، جون أكري، في بيان، إن إنشاء "مركز التنسيق المدني العسكري" المتعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة في جنوب إسرائيل – والذي يشرف على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة ومتابعة اتفاق وقف إطلاق النار – يعني أن الوقت قد حان لإنهاء عمليات المؤسسة، مضيفًا أن هذا المركز "سيعتمد ويوسع النموذج" الذي قادته GHF في توزيع المساعدات.
وأوضح أكري أن المؤسسة أجرت منذ أسابيع محادثات مع مركز التنسيق المدني العسكري ومنظمات دولية "حول المرحلة المقبلة"، معتبرًا أن GHF "نجحت في مهمتها المتمثلة في إظهار وجود طريقة أفضل لإيصال المساعدات إلى سكان غزة"، على حدّ تعبيره.
وأكدت المؤسسة أنها أُنشئت منذ البداية كمبادرة "طوارئ مؤقتة"، بهدف سدّ فجوة المساعدات بعد نحو ثلاثة أشهر من الحظر الإسرائيلي الكامل على دخول السلع إلى قطاع غزة، حين كانت المجاعة تُقرع أبواب أجزاء واسعة من القطاع.
دعوات للمحاسبة الدولية وإغلاق باب الإفلات من العقاب
في ظل هذا السجال، تتزايد الدعوات من جهات فلسطينية وحقوقية دولية لمحاسبة كل الأطراف المتورطة في إدارة مراكز GHF وما رافقها من سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
الناطق باسم حركة "حماس"، حازم قاسم، دعا المؤسسات الحقوقية الدولية إلى "ملاحقة هذه المؤسسة وعدم السماح لها بالإفلات من المحاسبة"، في حين شدد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة على أن إنهاء عمل المؤسسة لا يُسقط مسؤوليتها عن "مصائد الموت" التي أُديرت تحت غطاء إنساني، وأن الملفات ستبقى مفتوحة أمام المحاكم والهيئات الدولية.
