– تحوّل المنخفض الجوي الذي يضرب قطاع غزة إلى مشهد إنساني بالغ القسوة، مع غرق الشوارع وتحوّل مئات الخيام إلى برك موحلة، وتطاير خيام أخرى بفعل الرياح العاتية، في وقت يعيش فيه أكثر من مليون ونصف المليون نازح في ملاجئ بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية من المطر والبرد. وبينما تتصاعد نداءات الاستغاثة، حذّرت جهات رسمية وإنسانية من أن استمرار الأحوال الجوية القاسية قد يدفع القطاع نحو «كارثة» في ظل انهيار المنظومة الخدمية ونقص المعدات والوقود.
«الشاطئ» نموذج للمأساة: خيام تغرق وأخرى تُقتلع
في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وصف نازحون الأمطار الغزيرة بأنها «كابوس حقيقي»، إذ غمرت المياه طرقات المخيم وأحاطت بالخيام من كل جانب، بينما تحولت مساحات واسعة إلى طين كثيف يصعب معه التحرك أو إنقاذ الممتلكات القليلة. وتحت ضغط الرياح، تضررت خيام كثيرة وتطاير بعضها، ما أجبر عائلات على قضاء ساعات طويلة في العراء أو داخل خيام ممزقة لا تقي من البرد القارس.
بلديات غزة: «مخاطر جسيمة» وانهيار مبانٍ يهدد المدنيين
رئيس اتحاد بلديات غزة، يحيى السراج، وصف المشهد بأنه ينطوي على «مخاطر جسيمة مع دخول المنخفض الجوي»، محذرًا من احتمال انهيار مبانٍ متضررة سابقًا تؤوي نازحين قسرًا، خصوصًا في المناطق المنخفضة والمكتظة. وقال إن القطاع لم يتعاف بعد من آثار العدوان، وإن المنخفض الحالي يضاعف المخاطر في ظل غياب المأوى الآمن ووسائل التدفئة، ما يجعل النازحين عرضة مباشرة للغرق والبرد والانهيارات.
الدفاع المدني: قدرة الاستجابة «محدودة للغاية»… واستغاثة عاجلة
جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة حذّر بدوره من تداعيات خطيرة مع تأثر القطاع بالمنخفض الحالي، مؤكدًا أن تدمير الاحتلال لجزء كبير من آلياته ومعداته، إلى جانب نقص المعدات الثقيلة والمضخات والوقود، جعل القدرة على الاستجابة لأي طارئ «محدودة للغاية».
المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل قال إن الأوضاع الميدانية لا تحتمل أي تصعيد في الأحوال الجوية، وإن المنخفض قد يؤدي إلى خسائر بشرية واسعة، لافتًا إلى أن الرياح القوية والأمطار الغزيرة تهدد الخيام الهشة والمباني المتضررة بالانهيار «في أي لحظة»، وأن آلاف العائلات تقيم في مناطق منخفضة ومفتوحة دون وسائل حماية. وناشد الجهاز المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية التحرك الفوري لتوفير الإيواء الآمن ووسائل الحماية، معتبرًا أن «سياسة الخيام لم تعد صالحة للحياة» في ظل الظروف الحالية.
الوقود يُشلّ محطات الضخ والآليات… والطوارئ تعمل بأدنى الإمكانات
على الأرض، تعمل فرق الطوارئ والدفاع المدني بإمكانات محدودة جدًا، فيما يشكل النقص الحاد في الوقود عائقًا رئيسيًا أمام تشغيل الآليات ومحطات ضخ المياه. هذا النقص يفاقم خطر تراكم المياه في الشوارع ومحيط مراكز الإيواء، ويقلّص قدرة البلديات على فتح مسارات تصريف أو سحب المياه من المناطق المنخفضة.
حصيلة أولية: وفيات بسبب البرد وانهيارات… وأرقام متباينة
منذ الأسبوع الماضي، تسببت المنخفضات الجوية المتتالية بغرق وانهيار عشرات آلاف الخيام وانهيار عدد من المباني، وسط تقارير عن استشهاد 14 مواطنًا بينهم أطفال توفوا بسبب البرد.
وفي إفادة أخرى، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إن المنخفضات تحولت إلى «عامل تهديد مباشر لحياة المدنيين»، مشيرًا إلى أن 12 شخصًا لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال العاصفة الأخيرة، وأن 13 مبنى انهار بالكامل، فيما غمرت المياه 27 ألف خيمة للنازحين.
انهيار منزل «أبو القمصان» وإصابات في «تل الهوى»
ميدانيًا، شهد حي الشيخ رضوان بمدينة غزة مساء الإثنين انهيار منزل يعود لعائلة «أبو القمصان»، كان قد تضرر بفعل القصف سابقًا، قبل أن تزيد الأمطار من هشاشة أساساته. وفي حي تل الهوى جنوب غربي المدينة، أُصيب عدد من النازحين إثر سقوط جدار على إحدى الخيام نتيجة شدة الرياح المصاحبة للمنخفض.
«الشفاء» تحت المياه: تعطّل شبه كامل لقسم الطوارئ
التداعيات لم تتوقف عند المخيمات. فجر الثلاثاء، غمرت مياه الأمطار أجزاء واسعة من مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، بعدما تسللت السيول إلى أقسام عدة، أبرزها قسم الاستقبال والطوارئ، ما أدى إلى تعطّل العمل فيه «بشكل شبه كامل». وقال شهود عيان إن المياه تدفقت إلى الممرات وغرف الفحص، بينما حاول الطاقم الطبي نقل المرضى إلى أماكن أكثر أمانًا داخل المستشفى، وسط انقطاع للكهرباء ونقص حاد في الإمكانات اللازمة للتعامل مع الطارئ. ويأتي ذلك في ظل انهيار واسع للبنية التحتية، ما يجعل المرافق الصحية أكثر عرضة للغرق والانهيار مع كل منخفض جديد.
الصليب الأحمر: «الاحتياجات هائلة» وخطر أمراض بسبب تلوث المياه
اللجنة الدولية للصليب الأحمر حذّرت، عبر مسؤولة الإعلام أماني الناعوق، من تفاقم خطير في الأوضاع الإنسانية، مؤكدة أن الاحتياجات باتت «هائلة وواسعة النطاق» وتشمل الغذاء والدواء ومستلزمات الإيواء وغيرها من الضروريات الأساسية، مع حاجة ملحة إلى حلول طويلة الأمد لتحسين ظروف المعيشة.
وأشارت إلى أن الفيضانات الأخيرة فاقمت معاناة السكان، خصوصًا المقيمين في خيام مهترئة وملاجئ مؤقتة «للشتاء الثالث على التوالي»، حيث لم تعد الخيام قادرة على الصمود أمام الأمطار والرياح، ما يعرّض آلاف العائلات لخطر الغرق والبرد القارس واضطر كثيرون لقضاء ليالٍ بلا نوم. كما نبهت إلى أن شبكات الصرف الصحي تعاني أعطالًا كبيرة، محذّرة من انتشار الأمراض نتيجة تلوث مصادر المياه واختلاطها بمياه الصرف الصحي والنفايات، في وقت يفتقر فيه القطاع إلى نظام صحي فعّال بعد تدمير البنية التحتية الصحية والنزوح الواسع.
معابر مغلقة… ومواد الإيواء ممنوعة
وسط هذا الواقع، يتواصل حديث محلي عن أن استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال الخيام والبيوت المتنقلة والكرفانات يفاقم هشاشة مراكز الإيواء، ويُبقي مئات آلاف النازحين تحت رحمة الطقس، دون بدائل تمنح حدًا أدنى من الدفء والاستقرار.
توقعات: أمطار جديدة ليل الثلاثاء–الأربعاء وتحذير من السيول
بحسب المعطيات الواردة، من المتوقع هطول أمطار جديدة ليلة الثلاثاء–الأربعاء، ما يعني تجدد معاناة المخيمات والمناطق المنخفضة. كما تتوقع دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية استمرار تأثير المنخفض خلال اليومين المقبلين مع انخفاض إضافي في درجات الحرارة، وزخات متفرقة قد تكون مصحوبة بعواصف رعدية وحبات برد، مع تحذيرات من تشكل السيول والفيضانات في المناطق المنخفضة وتدني مدى الرؤية الأفقية.
