تنديد بمنع إسرائيل منظمات إنسانية من دخول غزة

يصطفّ فلسطينيون لتلقّي الطعام من مطبخ خيري في تجمع للنازحين بمخيم النصيرات للاجئين، وسط قطاع غزة. ١٧ ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٥. تصوير: رمزي أبو عامر / (apa)

ندد العديد من المسؤولين في منظمات إنسانية دولية، يوم الخميس 18 ديسمبر/كانون الأول 2025، بسعي إسرائيل إلى فرض “سيطرة سياسية” على أنشطتها في غزة، بعد منع 14 منظمة من دخول القطاع في تطور أكد المخاوف بشأن إجراءات التسجيل الإسرائيلية الجديدة الصارمة.

وسط الكارثة الإنسانية في القطاع الفلسطيني الذي دمرته الحرب، والمحروم من المياه والكهرباء، يخيّم قدر كبير من عدم اليقين على مستقبل نشاط المنظمات الدولية في غزة بعد 31 كانون الأول/ديسمبر، وهو الموعد النهائي للحسم في طلبات التسجيل بموجب القواعد الإسرائيلية الجديدة. 

وقالت وزارة "شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية" التي تدير إجراءات التسجيل الإلزامية الجديدة منذ آذار/مارس، في بيان أرسلته إلى وكالة فرانس برس إنه من بين حوالى مئة طلب تسجيل تم تقديمها في الأشهر الأخيرة “تم رفض 14 طلبا فقط” بحلول نهاية تشرين الثاني/نوفمبر.

وتابعت “لقد تمت الموافقة على الطلبات الأخرى أو هي قيد المراجعة”، مضيفة أن “إسرائيل تشجع العمل الإنساني، لكنها لن تسمح لأي جهة معادية أو أي داعم للإرهاب بالعمل… تحت ستار المساعدات الإنسانية”.

يأتي هذا القرار في وقت لا تزال المساعدات التي تدخل غزة غير كافية إلى حد كبير.

ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 10 تشرين الأول/أكتوبر ينص على دخول 600 شاحنة يوميا، إلا أن عدد الشاحنات التي تعبر الى القطاع حاملة مساعدات إنسانية يراوح بين 100 إلى 300 فقط، وفق منظمات غير حكومية والأمم المتحدة، أما باقي الشاحنات فتحمل في الغالب سلعا تجارية لا يمكن للغالبية العظمى من سكان غزة تحمل تكلفتها.

من بين المنظمات غير الحكومية التي رفضت إسرائيل تسجيلها منظمة “أنقذوا الأطفال”، وهي واحدة من أشهر وأقدم المنظمات حضورا في غزة حيث تساعد 120 ألف طفل، ولجنة خدمة الأصدقاء الأميركية (إيه إف إس سي)، وفق قائمة رسمية أولية نشرت مؤخرا.

يعني رفض التسجيل أن أمام المنظمة 60 يوما لسحب جميع موظفيها الدوليين من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة وإسرائيل، ولن تكون قادرة بعد ذلك على تقديم أي مساعدات مباشرة، ناهيك عن الصعوبات في الوصول إلى النظام المصرفي الإسرائيلي الذي تعتمد عليه لدفع الإيجارات والرواتب.

ونددت وكالات الأمم المتحدة والعديد من المنظمات غير الحكومية في بيان مشترك الخميس بعملية تسجيل “تستند إلى معايير غامضة وتعسفية ومسيسة للغاية”.

وأكدت أن “الأمم المتحدة لن تكون قادرة على التعويض عن انهيار عمليات المنظمات غير الحكومية الدولية” التي تقدم أكثر من مليار دولار من المساعدات سنويا ودعما حاسما للمنظمات غير الحكومية الفلسطينية.

على سبيل المثال، تدير منظمة أطباء بلا حدود حاليا نحو ثلث أسرّة المستشفيات البالغ عددها 2300 سرير في غزة. كما أن المراكز الخمسة لعلاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم مدعومة جميعها من منظمات غير حكومية دولية.

كما أن نحو 70% من نقاط توزيع الوجبات الساخنة “تعتمد بشكل مباشر على المنظمات غير الحكومية الدولية من حيث الموظفون أو الإمدادات أو التشغيل”، وفق البيان. 

– “قبضة بيروقراطية خانقة” –

ترفض إسرائيل تسجيل المنظمات التي تعتبرها “معادية” أو متورطة في “الإرهاب” أو “معاداة السامية”، وكذلك تلك التي تتهمها بالعمل على “نزع الشرعية عن دولة إسرائيل”.

ويؤكد المحامي الإسرائيلي يوتام بن هليل الذي يساعد العديد من المنظمات في إجراءات التسجيل، أن هذه العبارات فضفاضة، مشيرا إلى أنه قدم بالفعل طعونا إلى المحكمة العليا.

ويقول لوكالة فرانس برس “لا نعرف حتى ما معنى +نزع الشرعية+. السلطات لا تقدم أي دليل على ما تدعيه، لذا من الصعب للغاية على المنظمات غير الحكومية الرد على هذه الادعاءات”.

بدوره، يقول رئيس منظمة أطباء العالم جان فرانسوا كورتي “إذا تم اعتبار المنظمات غير الحكومية التي تنقل شهادات السكان، وتقوم بأعمال ميدانية، وتخبر بما يحدث، بأنها ضارة بمصالح إسرائيل وبالتالي ينبغي حظر عملها، فهذا إشكالي للغاية”.

أكدت منظمات غير حكومية تواصلت معها وكالة فرانس برس أنها امتثلت لمعظم متطلبات إسرائيل بتقديم ملف كامل. ومع ذلك، رفض بعضها تجاوز “خط أحمر” بتقديم معلومات حساسة عن موظفيها الفلسطينيين.

ويقول رئيس إحدى المنظمات غير الحكومية “لأننا تحدثنا عن الإبادة الجماعية، ونددنا بالظروف التي شُنّت فيها الحرب، وكذلك القيود المفروضة على دخول المساعدات، فإن جميع تلك الأوصاف تنطبق علينا”، مشيرا إلى أنه يتوقع أن يتم رفض طلب منظمته للحصول على التصريح. 

ويضيف “مرة أخرى، يتم استخدام القبضة البيروقراطية الخانقة لأغراض السيطرة السياسية التي ستكون لها عواقب كارثية”. 

– “البدء من الصفر” –

يعرب جميع هؤلاء الفاعلين في المجال الإنساني في غزة عن مخاوفهم بشأن ما سيحدث في بداية عام 2026، مع خطر الاقتصار على تسجيل منظمات غير حكومية لا تمتلك القدرة أو الخبرة التي تتمتع بها المنظمات الناشطة في القطاع الفلسطيني منذ فترة طويلة.

يقول فرانسوا كورتي “إذا كانت هناك عمليات فحص للمستفيدين، وإذا كانت هناك شروط لتوزيع المساعدات… فهذا أمر مثير للقلق، وخصوصا أن كل ذلك سيديره بالكامل عسكريون”.

وأكد العديد من العاملين في المجال الإنساني لوكالة فرانس برس أنهم “لم يسمعوا قط” ببعض المنظمات غير الحكومية المعتمدة والتي ليس لها حاليا أي وجود في غزة، ولكن يقال إنها مدرجة في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقطاع.

ويشير مصدر دبلوماسي أوروبي يعمل في المنطقة إلى أن “الولايات المتحدة تريد البدء من الصفر (في ما يتعلق بالتنسيق الإنساني)، ومع إجراءات التسجيل الجديدة، ستغادر المنظمات غير الحكومية”، محذّرا من أنهم “قد يستيقظون في الأول من كانون الثاني/يناير ليجدوا أن ليس لديهم بديل”.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - فرانس برس