تقرير النجاة والانهيار وإعادة الاصطفاف .. كلمات مفتاحية للعام 2025 في عيون الشرق الأوسط

وقفة احتجاجية أمام منزل عائلة لبد المنهار على سكانه في مدينة غزة للمطالبة بتسريع جهود إعادة الإعمار وتوفير منازل متنقلة بدلاً من الخيام، 24 ديسمبر/كانون الأول 2025. تصوير: عمر أشتوي

في أواخر العام 2025، تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة انتقالية مضطربة، في بعض المناطق، حيث يخيّم غبار إعادة الإعمار على الأجواء، بينما يُسمع في مناطق أخرى دوي الطائرات المسيرة المتواصل، في الوقت نفسه ساد هدوء هش حيثما سادت هدنة السلام، ولكنه سيكون عصبيا ومتوترا وضعيفا.

كان هذا العام قد شهد إنهاء عدة صراعات كبرى، لكن السلام الحقيقي لم يتحقق بعد، وتركت هذه الصراعات آثارا غير مستقرة وغير متكافئة، حيث تُختبر قدرة الأفراد على الصمود في مواجهة تحولات جيوسياسية عميقة.

-- عدم اليقين والصمود

بالنسبة لملايين الأشخاص في المنطقة، يجب تقييم العام 2025 بقواعد النجاة.

وسط بلدة الخيام جنوب شرقي لبنان، تنشط الحفارات في إزالة الركام مع إنطلاق العديد من ورش إعادة ترميم البنية التحية والكثير من المنازل وتعبيد الطرقات. وخلال عمله في عجن وتحضير الطحين داخل فرنه والذي أعاد فتحه بعد ترميمه وسط مبنى مدمر، قال جلال عبد الله لوكالة أنباء ((شينخوا)) "الهدوء أعاد حركة الناس إلى الشوارع، لكن ليس إلى الحياة الطبيعية، البيع محدود وكل شيء الآن مرتبط بالخوف من غدٍ مجهول".

وتابع "لا أحد من تجار وأصحاب المحال التجارية في هذه البلدات الحدودية يخاطر بشراء مخزون كبير، فصوت مسيرة في السماء كفيل بإنعاش ذاكرة القصف".

يستند هذا الخوف إلى حقيقة صارخة: أفادت السلطات اللبنانية بوقوع أكثر من 4500 غارة إسرائيلية على البلاد هذا العام، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 250 شخصا وإصابة 680 آخرين.

إن حالة "النجاة المعلقة"، كما وصف عامه الماضي حسان المصطفى، وهو مقيم لبناني، تتجلى في روتينات صغيرة ومؤثرة. وفي بلدة الخيام، يضع ابن ليلى عبد الله، البالغ عمره 7 أعوام، حقيبته المدرسية بجوار الباب الأمامي كل ليلة، "استعدادا لعودة الأمور إلى طبيعتها مرة أخرى".

في غزة، وصفت ريماس شحادة، البالغة عمرها 18 عاما، العام الماضي بأنه "حياة مريرة وصعبة" كانت تعيش في خيمة دون أدنى مقومات الحياة من ماء وطعام وفي ظل حرارة الصيف وبرد الشتاء، وتزامنت محنتها الشخصية مع حدث كارثي أوسع نطاقا: شنت إسرائيل هجوما مفاجئا في مارس، ما حطم وقف إطلاق النار وأودى بحياة أكثر من 400 فلسطيني في ليلة واحدة.

بالنسبة لعبد المنعم عبد الله، البالغ عمره 52 عاماً، والذي يعيش أيضا في غزة، فإن الجرح الأعمق له هو فقدان ابنه في غارة جوية، والأسئلة التي لا إجابة لها من أحفاده الصغار.

ومع ذلك، يدوم صمود هادئ وعنيد في خضم هذا الواقع المعلق. ففي دمشق، تجرأ صاحب المتجر أحمد الحسن على الجمع بين "عدم اليقين" و"الأمل"، مشيرا إلى الإفراج عن المعتقلين وعودة الأقارب كدليل على انفراجة مؤقتة، على الرغم من أن الاشتباكات في مدينة السويداء الجنوبية قد شردت ما يقرب من 2000 عائلة.

في إيران، حددت المعلمة سارة أميري "الأمل والحب" كمرساة لها خلال صراع متوتر استمر 12 يوما بين إسرائيل وإيران، بينما يرى الناشط اليمني عبد الله عصبان، أنه يمكن تلخيص الوضع في اليمن خلال العام 2025 بـ "الحياة بالأمل"، قائلا "أنا وأغلبية الشعب في اليمن نواجه صعوبة في العيش وتحديات على مستوى العام والشخصي .. البقاء في هذه الدائرة مدمر للنفس والأمل هو الوحيد الذي يعطينا الحافز للاستمرار على إمكانياتنا والقدرة على تكرار المحاولات لتجاوز وتغيير الواقع".

-- الانهيار والتماسك

بعيدا عن القصص الفردية، كشف العام الماضي عن انهيارات عميقة داخل المجتمعات وكذلك عن بحث مضن عن التماسك في ظل ضغوط شديدة.

وقال وارف قميخة، رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث، إن لبنان في 2025 يعكس "توازنا هشا" بين الصمود والضغط، فهو يواجه اعتداءات إسرائيلية متكررة على حدوده البرية والبحرية، إضافة إلى الضغوط الأمريكية المستمرة على السيادة اللبنانية، مع بقاء ملف سلاح حزب الله محور التوازن الداخلي والإقليمي، مشيرا إلى أن المواطنين مثل علي بازي العاطل عن العمل من مدينة بنت جبيل يشعرون بالتخلي عنهم ويواجهون "مستقبلا مجهولا".

وقد شهدت السودان سردية موازية للانهيار، حيث لخص المحلل السياسي الدكتور محمد الأمين عبد الرزاق العام الماضي بـ"عام الانهيار وإعادة الاصطفاف واليقظة"، وأظهرت أرقام الأمم المتحدة أن أكثر من 11.8 مليون شخص نزحوا داخلياً في السودان، وأن 21.2 مليون شخص يواجهون انعداما حادا في الأمن الغذائي.

هربت ثناء تاج السر من مسقط رأسها الفاشر مرورا بالطويلة، ثم إلى الأبيض وصولا إلى أم درمان، ووُجد والدها، الذي كان صحفيا ويبقى في الفاشر، مقتولا داخل منزله، ما يجسد هذه المأساة بكل تفاصيلها، قائلة إن "الفقد ليس فقط موت أبي، الفقد هو المدينة التي تركناها، البيت، الجيران، المدرسة، ذكرياتنا كلها".

ويرى عبد الرزاق أن هذه اللحظات صنعت "وعيا جديدا" داخل المجتمع السوداني، مضيفا بالقول لـ((شينخوا)) إن "الناس باتوا يدركون أن بقاء السودان كدولة يحتاج مشروعا أكبر من الولاءات التقليدية، كما أن الحرب غيّرت شكل المجتمع نفسه، أبرزت أن قيمة التكافل ما تزال أفضل طريقة لمواجهة أهوال النزاع".

في المقابل، حافظت منطقة الخليج على استقرار نسبي، ويُعد "إنجازا بحد ذاته" بحسب عبد الله طالب المري، المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة ((الراية)) القطرية، حتى مع الغارة الجوية الإسرائيلية المفاجئة على الدوحة في سبتمبر والتي أسفرت عن استشهاد ستة أشخاص على الأقل.

وما تزال المنطقة ككل تعاني من حالة عدم الاستقرار، كما أشار المحلل السياسي السوري فراس علاوي إلى أن سوريا تسعى إلى تحقيق "استقرار تدريجي" و"انتقال سياسي"، بينما يتأرجح لبنان المجاور.

أما اليمن، حسبما قاله الخبير اليمني في إدارة النزاعات مروان الشيباني، ما يزال يعيش في "هدنة معلّقة" و"سلام مؤجّل"، وفي وضع "لا حرب" و"لا سلام"، حيث امتد الصراع إلى ممرات الملاحة في البحر الأحمر مع الإبلاغ عن أكثر من 190 هجوما للحوثيين.

-- التفكك وإعادة الاصطفاف

أدى العام المضطرب إلى تسريع عملية إعادة المعايرة الاستراتيجية، وكشف عن رؤى مختلفة لمستقبل الشرق الأوسط.

وصف روي كبريك، رئيس قسم الأبحاث في مركز الأبحاث الإسرائيلي ((ميتفيم))، المنطقة بأنها "منطقة في مرحلة انتقالية" مع "عزلة إسرائيل"، بحجة أن النهج الأحادي القائم على القوة الذي تتبعه حكومتها قد عزلها عن الجهود الدبلوماسية الأوسع التي تركز على إقامة دولة فلسطينية.

وقد تجلى هذا العزل في ضربة الدوحة وتصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية، والذي يتصاعد ضد المبادرات الدبلوماسية مثل إعلان نيويورك المدعوم من الأمم المتحدة والذي تم تبنيه في سبتمبر.

في غضون ذلك، تجري عمليات إعادة اصطفاف أخرى. وقال علاوي إن المرحلة الانتقالية في سوريا تحظى بدعم حذر، وأشار كبريك إلى أن هجوم الدوحة دفع إلى تنسيق إقليمي غير مسبوق لوقف حرب غزة، ولاحظ الشيباني أن الملف اليمني أصبح جزءا من "سلة تفاوض أكبر" وليس ملفا مستقلا بذاته مع تعاظم وزن التفاهمات الإقليمية، خصوصا بين الخليج وإيران.

ويكمن وراء عملية إعادة الاصطفاف هذه فراغ مستمر في الحكم الفعال والعادل، وأشار قميحة وآخرون إلى الحاجة الماسة إلى "الحوكمة العالمية" و"الإطار القانوني الدولي" قوي لحماية السيادة وتوطيد الهدنات الهشة، مضيفا إلى أن الشرق الأوسط بحاجة اليوم ليس فقط للتهدئة، بل لبناء مؤسسات قوية وإصلاح اقتصادي شامل وضبط العلاقات الإقليمية والدولية ضمن إطار قواعد دولية واضحة".

ولكن الوضع، يومياً من غزة إلى السودان، يمثل حلقة مفرغة قد تتوقف فيها الحرب مؤقتا، لكن الاستقرار يبقى بعيد المنال، على سبيل المثال، تشير اليونيسف إلى مقتل طفلين تقريبا يوميا في غزة حتى بعد سريان أحدث اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في أكتوبر الماضي.

وكما توضح قصص العام 2025، فلا يتطلب الطريق قدما وقف إطلاق النار فحسب، بل يتطلب أيضا إعادة تصور جذرية للنظام الإقليمي، أي نظام قادر على تلبية الأمل المتواضع والملحّ لأم لبنانية أو ابنة سودانية أو جدّ من غزة: إعادة البناء والعودة وعيش حياة طبيعية. 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القاهرة - (شينخوا)