مفاوضات عمان..عادت حليمة لعادتها القديمة!!/ياد ابوشاويش

بقلم: زياد أبو شاويش

كعادتها حين لا تجد من يردعها عن المضي في الدوران حول المركز الامبريالي المتقدم في المنطقة تقوم السلطة الفلسطينية بمنح العدو متنفساً وطوق نجاة مما تعانيه حكومته العنصرية من عزلة دولية وإدانة جماعية لممارساتها غير الشرعية والمنتهكة لكل الأعراف والقوانين الدولية دون أن يتحقق أي شرط من شروط الشعب الفلسطيني وممثليه تجاه مسألة العودة لهذه المفاوضات التي باتت عبئاً ثقيلاً على كاهل الفلسطينيين وكابحاً لمقاومتهم بكل أشكالها.


إن ما جرى ويجري في الأردن من محادثات "فلسطينية- إسرائيلية" برعاية أردنية يشير لجملة من الفرضيات التي ستثبت الأيام درجة مصداقيتها من عدمه ومنها:


1 – أن زيارة الملك الأردني لرام الله وطلبه استئناف المفاوضات لا يرتبط فقط بتخوفات أردنية من قصة الوطن البديل التي يلوح بها الصهاينة كلما شعروا باقتراب الطوق من أعناقهم، بل وكذلك من أجل تنفيذ إملاءات أمريكية تتعلق بعملية السلام برمتها في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات غير معروفة النتائج، ورغبة الأمريكيين وحلفائهم في المنطقة بوقف تداعيات التحول الفلسطيني باتجاه الأمم المتحدة وإعادة الأمور والقضية لمكانها الطبيعي.


2 – إن موقف السلطة الفلسطينية المخالف للرأي العام للفلسطينيين في الوطن والشتات جاء نتيجة ضغوط هائلة مورست على القيادة الفلسطينية في رام الله ووعود وإغراءات من الصعب على هذه القيادة أن ترفضها في ظل موازين قوى محلية ليست في صالحها وبعد أن تورطت حماس في موضوع المصالحة على حساب مواقف سابقة تجعلها اليوم أقرب لشريك حقيقي لهذه القيادة في الحصول على مغانم الاقتراب من النعيم الأمريكي.


3 – العودة للمفاوضات كما نشاهدها في عمان وعلى هذا المستوى تعني أن طريق المصالحة الفلسطينية قد تم تفخيخه ونجحت مساعي عرب النفط في إنتاج أسوأ ما يمكن لهذه المصالحة أن تنتجه وهو تكبيل يد حماس وغيرها من فصائل المقاومة الرافضة لمنهج المفاوضات ومنعها من الوصول لاتفاق يعيد الوحدة الوطنية ومن ثم يعيد إنتاج التناقض الرئيسي في المنطقة مع الكيان الصهيوني واستطراداً حالة التوتر والعداء السافر تجاه هذا الكيان في بلدان كمصر والأردن اللتين وقعتا معاهدة"سلام" معه. هذا سيرغم أمريكا على تعظيم دورها في حل أزمة تراها الآن ثانوية بجانب أزمات أخطر وراهنة كالملف الإيراني وتطورات الوضع بمصر...الخ.


4 – إن عودة المفاوضات من جانب القيادة الفلسطينية تشبه إلى حد كبير لجوء هذه القيادة لبيع دورها في قيادة مجلس الجامعة العربية لقطر التي حرصت على توليه للتدخل في الشأن الليبي والسوري بما يفاقم المشكلة في البلدين ويستدعي تدخلاً أجنبياً فيها، ولكن هذه المرة يجيء البيع للولايات المتحدة الأمريكية والأردن لأسباب شبه معروفة في الوقت الحاضر.


5 – إن المفاوضات التي جرت خلال الفترة السابقة تحت يافطة الاتصالات والمشاورات، أو التنسيق من أجل الضغط على العدو لوقف الاستيطان والتهويد كانت تجري بشكل خجول وغير معلن باستثناء ما يتسرب للصحافة، ولو استطاعت السلطة الفلسطينية إخفاء كل هذا عن المواطن الفلسطيني والعربي لفعلت. أما المفاوضات في عمان فتجري بشكل رسمي وعلني دون أي خشية من ردات فعل الفصائل أو الشعب الفلسطيني وهذا يشير لخطورة الهدف الذي أرغم من أجله الأمريكيون هذه القيادة على ذلك.


6 – هذه المفاوضات بما تعنيه من تخفيف حدة الاشتباك على الصعيد السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين تشير إلى أن هناك مشروعاً للتدخل الأمريكي العنيف في الإقليم، ربما يطول إيران أو سورية بعد خروج أمريكا من العراق، وربما البلدين معاً خاصة بعد أن ردت على التصريحات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز (إن طالت العقوبات تصدير النفط الإيراني) بإرسال المزيد من حاملات الطائرات والغواصات إلى المنطقة.


7 – عودة القيادة الفلسطينية للمفاوضات تعني انحيازاً مؤسفاً لأطراف عربية بعينها في ظل ظروف عربية غاية في التعقيد، وفي ظل سعي الولايات المتحدة للتعويض عن هزيمتها في العراق بزعزعة استقرار البلدين الأكثر أهمية وتأثيراً على مجرى الصراع مع المشروع الصهيوني الذي ترعاه أمريكا وهما مصر وسورية، وانخراط الفلسطينيين في اللعبة الأمريكية يمثل خسارة صافية للشعب الفلسطيني ناهيك عن الأمة العربية التي باتت اليوم أمام سايكس- بيكو جديد.


الرفض العام لعودة التفاوض مع الكيان الصهيوني والإجماع من جانب الشعب الفلسطيني وقواه الحية وفصائله الوطنية والإسلامية على إدانة هذه المفاوضات يشير إلى فهم عميق لخطورة هذا الأمر، بل إن كلمة "لا" القاطعة تعني أن الفلسطينيين يرون في هذا السلوك خروجاً عن كافة الأعراف الوطنية والقومية التي قامت عليها وتأسست منظمة التحرير الفلسطينية، وانطلقت من أجلها حركة فتح والثورة الفلسطينية عموماً بميثاقها الوطني الذي اعتبر الفلسطينيين جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية، وفلسطين جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي.


العودة للمفاوضات بعد كل الكلام عن المجابهة السلمية والتخلي عن الكفاح المسلح هو تتويج لحالة فلسطينية نقيضة لواجب الدفاع عن كرامة الشعب الفلسطيني ومقدساته وبرنامجه الوطني، وليس من الوطنية تبرير ما أقدمت عليه قيادة تثبت للمرة الألف أنها غير أهل لما انتدبت له.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت