عامان من الذل والخوف واستيلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي على سطح بناية مقدسية بحي بطن الهوى أو الحارة الوسطي ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، التي تسكنها سبع عائلات فلسطينية أعلنت تمسكها بأرضها ورفضها سياسية التهجير التي تمارسها إسرائيل بحقهم.
ويحاصر سكان البناية كل ست ساعات يومياً عند تبديل دورية الجنود، ناهيك عن تحكم الجنود بكل صغيرة وكبيرة في حياة السكان، حيث تم إزالة سماعة أذان المسجد المثبة على سطح البناية، لأنه يسبب لهم وللمستوطنين في البؤرة الاستيطانية المجاورة التي تسمي" ببيت العسل"، الإزعاج وفي ذلك إنتهاكاً واضحاً للقوانين وحرية الأديان.
استهزاء بعين نجلها..
وتقول الحاجة سمر أبو مياله"أم عزمي" من سكان البناية لمراسلة وكالة قدس نت للأنباء ديالا جويحان إن " الاعتداءات من قبل جنود الاحتلال الذين استولوا عنوةً قبل عامين على سطح البناية، لا تعد ولا تحصي، فقد أصيب أبنائي الاثنين بحالات اختناق وبرصاص مطاطي، وتم نقلهم لتلقي العلاج في احدى مستشفيات القدس".
وتضيف "أم عزمي" بان آخر اعتداء كان ( الأحد 22-1) :" حيث تعرض نجلها الفتي عزمي 17 عاماً وهو يعاني من وضع حرج في ( العين) لمحالة اعتقال خلال عملية تبديل الجنود عندما طلب أحد الجنود منه أن يدخل باب الشقة،إلا انه رفض الانصياع لأوامره خاصةً وأنه صاحب هذه البناية يدخل ويخرج من البيت متى يشاء، فوجه له الجندي كلام بذئ وقاسيٍ واستهزاء بعينه.."، مضيفة :" الإهانة أثارت غضب نجلي وبدأ بالصراخ بهم، مما استدعى تدخل الجيران من اجل إنقاذه من عملية الاعتقال".
وتتحول البناية لمركز المواجهات بين جنود الاحتلال والشبان المقدسيين مما يشكل خطراً على حياة سكانها فهم يعيشون بالبرد نتيجة لتحطيم جميع نوافذها من إلقاء الحجارة، ناهيك عن حالات الاختناق التي يتسبب بها إشعال الجنود النيران داخل درج البناية بغرض التدفئة.
تدهور حالة السكان...
وتؤكد "أم عزمي" على أن أطفال ونساء وشبان البناية يعانون من حالة نفسية سيئة ناتجة عن تكرار عملية اقتحام الجنود المتواصل للبناية ليل نهار، مما يقلق أصحاب البناية، ويجعل الأطفال لا يخرجون من أبواب بيوتهم خوفا من مشاهدة الجنود وهم يحملون (بحوزتهم السلاح ) يدخلون ويخرجون في أي وقت يريدون، مما أثر سلبا أيضا على المسيرة التعليمية لدى الطلاب أثناء ذهابهم وإيابهم لتلك البناية، وأصبح ملحوظاً التراجع في تعليمهم، علما بان عائلة "أم عزمي" مكونة من تسعة أطفال أكبرهم 18 عاماً وأصغرهم 3 سنوات ونصف.
وتبين السيدة المقدسية أن البناية معرضة للخطر خلال عملية المواجهات بين المواطنين في البلدة وجنود الاحتلال المتمركزين على السطح، حيث تم تحطيم زجاجات الشقة خلال الرشق بالحجارة وقامت بتصليحها بقيمة ( 4 آلاف شيكل).
تعطيل المياه..!
"أم هاني" غيث التي تقطن في الطابق الأول للبناية جميع نوافذ شقتها تحطمت خلال المواجهات المستمرة في المنطقة وتقول:" أصحاب البناية محرومين من التواجد على السطح واستخدامه وفي حال انقطاع المياه نأخذها من الجيران المجاورين للبناية، بسبب عدم فتح باب السطح من قبل الجنود من اجل (تصليح المياه)".
وتشير إلى أن الجنود أحياناً يقومون بتعطيل المياه ضمن الأساليب الاستفزازية المستخدمة بحق سكان البناية من اجل تركها، مؤكدة على أنه رغم كل الأساليب الاستفزازية والتنكيل المتواصل والمتكرر إلا "أننا سنبقي مرابطين من اجل الحفاظ على منازلنا".
يشعلون النيران ...
ويقول مجدي أبو رموز والذي يقطن في الطابق الأخير ولديه ستة أطفال:" تعرضت شقتي مثل باقي الشقق الأخرى الأخرى، لتحطيم النوافذ ولإطلاق (زجاجات حارقة) كادت أن تودي بحياة أفراد عائلي خلال المواجهات بين الشبان والجنود الإسرائيليين".
ويوضح أن ابنته طالبة في الثانوية العامة تعاني من حالة نفسية متدهورة وتراجع في علاماتها بسبب وجود جنود الاحتلال وإزعاجهم ليل نهار خلال فتح بوابة السطح بطرق استفزازية، مما يقلق أفراد العائلة ويجعلهم في حالة خوف دائم، قائلاً:" أصبحت زوجتي لا تعرف طعم النوم ولا الراحة وتعاني من هبوط للضغط".
ويتابع:" أصبح الجنود يستخدمون النيران للتدفئة في ظل الأجواء الباردة والقارصة في فصل الشتاء، عند مدخل سطح البناية حيث يضطر السكان بفتح نوافذ شققهم من شدة رائحة الدخان، وكان يعتقد السكان المجاورين للبناية (بأنها تحترق)، وفي تلك الأجواء الباردة نضطر لفتح النوافذ جميعها من اجل تجديد الهواء واستبداله بهواء نظيف من اجل الحفاظ على أرواح أطفالنا ونسائنا".
ويؤكد أنهم توجهوا لعدة مؤسسات رسمية وغير رسمية من أجل المساعدة والمساندة مادياً ومعنوياً لتوقيف محامي من اجل الدفاع عن سطح البناية بدون فائدة، بالإضافة لتوجههم لمكتب محافظ القدس من اجل المساعدة مالياً لتوكيل محامي للدفاع عن أرواحهم والبقاء والصمود في هذه البناية، وتقدر تكلفة المحامي بقيمة 15 ألف شيكل دون تقديم المساعدة من طرفهم.
تغيير أقفال...
ويعتبر خلدون صلاح احد سكان البناية، أن سطح البناية هو المنفذ الوحيد لسكانها ولا يوجد مكان للعب واللهو للأطفال غيره، موضحاً بان الجنود غيروا أقفال السطح حتى يمنعوا وجود أصحاب البناية عليه إلا بأمر من قسم الشكاوي الإسرائيلية ( ماحش) من اجل السماح لهم بالصعود إلى السطح لتصليح المياه.
ويضيف أن "البناية تضم سبع عائلات مقدسية أي ما يقارب (40 فرد) من بينهم أطفال، وهذه العائلات تضطر لعدم الخروج والدخول وقت تغيير الجنود كل 6 ساعات فترة النهار والليل". وتساءل بالقول:" هل يسمح بان يتواجد الجنود على أسطح المنازل اليهودية في" روميما والنبي يعقوب"..؟
ويقول صلاح الجنود موجودون على سطح منزل عربي حفاظاً على أرواح سكان البؤرة الاستيطانية المسماة" بيت العسل" والتي تعود لسكان مقدسيين وتم الاستيلاء عليها، فمن الذي سيحافظ على الأرواح البشرية في بناية عربية؟.وطالب منظمات حقوق الإنسان بأن ترى عن كثب ما تتعرض له تلك العائلات المقدسية من قبل جنود الاحتلال.
محامي البناية...
ويقول المحامي محمد محمود الموكل من سكان البناية للدفاع عن قضيتهم لمراسلتنا،"قدمت أمر منع ضد الجنود في محكمة الصلح في القدس بتاريخ 7-2-2010، وبعد يومين من الأمر تم إصدار بـتاريخ 9-2-2010 أمر احترازي للسيطرة الكاملة على السطح".
ويوضح بانه قبل إصدار القرار بعام كامل كان الجنود يستخدمون السطح دون الموافقة القانونية، حيث قدم اعتراض بعد 14 يوم من الأمر الاحترازي لمحكمة الصلح في تل أبيب، وخلال الجلسة حضر شهود من كلا الطرفين ضباط الجيش في المنطقة واحد سكان البناية.
وإستعرض المحامي محمود خلال الجلسة بعد سماع القاضية للشهود، المعاناة اليومية الذي يتعرض لها الأطفال والنساء والرجال والشيوخ، وتحويل سطح البناية لمكب للنفايات من قبل الجنود، بالإضافة لقضاء حاجتهم بزاوية (بيت الدرج) مما ينتج عنه رائحة كريهة، واستخدام بيت الدرج مكان للتدفئة في فصل الشتاء مما يؤثر سلبيا على حياة السكان، وحرمان السكان من استخدام السطح لإغراضهم الخاصة، وقال :"لا يمكن الحياة بوجود جنود وجيش على سطح بناية يقطنها سكان".
واقترح محامي سكان البناية خلال الجلسة، بان يتم إغلاق السطح نهائيا بشريط حديدي، ونتيجة لهذه الاقتراحات والاعتراض عليها من قبل المحكمة بزعم المصلحة العامة( حسب ادعاء المحكمة) قررت القاضية الإسرائيلية بان تعاين مكان الحدث والتأثيرات التي يتعرض لها سكان البناية.
ويبين المحامي محمود أمام القاضية، بان وجود الجنود على سطح داخل بناية تعود لسكان فلسطينيين لحماية المستوطنين المجاورين في المنطقة أدى إلى تدمير حياة سبع عائلات مقدسية على حساب حياة الآخرين، من إحراق النيران، ورمي النفايات، واستخدام السطح لقضاء حاجتهم ونشر الرائحة الكريهة، عدى عن رائحة النيران.
يفرشون الأرض ...
ونفذت مجموعة من قضاة الاحتلال الإسرائيلي، أمس (الاثنين) ، زيارة "للنقطة العسكرية" الموجودة فوق سطح البناية المقدسية بحي بطن الهوى، برفقة قوة معززة من جنود وشرطة الاحتلال، وأعلن القضاة أن "سبب زيارتهم هذه هي النظر في أسباب وحاجة وجود هذه النقطة وسط الحي الفلسطيني".
وقالت مراسلتنا خلال رصدها لزيارة القضاة إن "القاضية الإسرائيلية رفضت بان يتم التقاط صور أو إجراء مقابلة معها حول الزيارة، مضيفة أن سكان المنطقة فرشوا الأرض للقاضية ومن يرافقها من موظفين وجنود الاحتلال بقنابل الغاز المسيلة للدموع وقنابل الصوت الفارغة التي عاني منها الأطفال والنساء والشيوخ من سكان المنطقة والبناية، دون الاكتراث لذلك.
وأعرب السكان عن استيائهم الشديد من هذه الزيارة ووصفوها بالاستفزازية، وأكدوا على أنه لا أمل يرجى من القضاء الإسرائيلي، الذي يعتبر أداة تشريع الاحتلال في القدس.
تحسين وجه ...
وقال فخري أبو دياب رئيس لجنة الدفاع عن أراضي سلوان، إن" زيارة القاضية لا يمكن أن ينتج عنها شيء، لأن القضاء الإسرائيلي هو جزء من المنظومة الاحتلالية ووجودهم اليوم هو من اجل (تحسين وجه القضاء الإسرائيلي بأنه عادل).
ويضيف:" خلال الفترة الماضية تم مقاضاة ومحاولة إخراج قوات الاحتلال من هذا السطح، وكان لدى القضاء الإسرائيلي جميع تفاصيل الموضوع، إلا أن المؤسسة الاحتلالية استولت واستحلت سطح البناية الذي يعود لعائلات مقدسية فلسطينية ومن ثم حرمتها من استعماله".
بإخراج هؤلاء ..
ويقول أبو دياب:" من الأجدر أن تأمر هذه القاضية الإسرائيلية بإخراج هؤلاء -قوات الاحتلال- ولكن أرادت أن تزور المنطقة، ولكنها لم ترى كيفية معاملة جنود الاحتلال لأصحاب البناية والإزعاج للمواطنين، هي تريد أن تقول بان القضاء الإسرائيلي نزيه", مضيفا :"فلذلك جاءت من اجل أن ترى بأم عينها على أرض الواقع ما يحصل، وكان الأجدر بها تأمر بإخراج هؤلاء المستوطنين وقوات الاحتلال الذين تسببوا بالإزعاج والاستفزاز للمواطنين في هذه المنطقة".
ويؤكد رئيس لجنة الدفاع عن أراضي سلوان على أن القاضية الإسرائيلية، أمرت في الماضي بدخول المستوطنين إلى بلدة سلوان وأمرت باعتقال كثير من شبان هذه المنطقة، واليوم زيارتها فقط لصالح جنود الاحتلال وليس من اجل إنقاذ سكان البناية من التنكيل المستمر بحقهم والحفاظ على أرواحهم.
ويشدد على أن القضاء الإسرائيلي فقد نزاهته منذ احتلال هذه المدينة عام 1967 وحتى هذا اليوم، دائما ضد الفلسطينيين، والهدف من تلك الزيارة برفقة صحافة غربية لتقول القاضية إن "القضاء الإسرائيلي نزيه ومنصف ولكن على ارض الواقع عكس ذلك".
ويشير المحامي احمد الرويضي مدير عام وحدة القدس بديوان الرئاسة الفلسطينية إلى أن هذه الزيارة متزامنة مع المشروع الاستيطاني الجديد في حي رأس باب العامود ومشروع آخر بين العيسوية وجبل الزيتون لإقامة حديقة "توراتية"هناك، عدا عن المشاريع في الشيخ جراح وفي حي البستان وكافة أحياء البلدة القديمة.
وحمل الرويضي المجتمع الدولي مسؤولية هذا الموضوع وما يتعرض له السكان المقدسيين من انتهاكات، وطالب اللجنة الرباعية التي تحاول أن تعيد المفاوضات (الفلسطينية – الإسرائيلية) بان يكون لها موقف وكلمة تجاه تصرفات المستوطنين وقوات الاحتلال.