انتقد محمد اشتيه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والخبير الاقتصادي اللهجة لسياسة رئيس الوزراء ووزير المالية د. سلام فياض، داعيا إياه للتراجع عنها لما تنطوي عليه من مخاطر على أجواء الاستثمار في الأراضي الفلسطينية.
وقال اشتية في بيان صحفي إن "الإصلاحات المالية لا تكون بجلد المواطن والمزارع ورجل الأعمال، ولا بإزاحة آلاف الموظفين تحت مسميات التقاعد المبكر، الذي سيكون له مردود اجتماعي وسياسي كبير"، مطالبا بمراجعة هذه الإجراءات ووقفها، وحذر من أن وزير المالية "يدخل في مغامرة اقتصادية غير محسوبة النتائج إذا استمر في تبني مثل هذا البرنامج.
وطالب اشتية رئيس الوزراء بالتراجع عن قرار زيادة الضرائب ووقف التقشف وكافة الاقتطاعات قبل الدخول في حوار وطني شامل يضم كافة المفاصل الاقتصادية والسياسية في الأراضي الفلسطينية.
وقال اشتية لا أحد ينكر وجود أزمة، لكن المشكلة تكمن في آليات الحل المقترحة، ومعرفة كيف خلقت الأزمة, مضيفا بانه وفي الوقت الذي تجمد فيه التوظيف في القطاع العام فإن القطاع الخاص هو المحرك لدعم الاقتصاد الوطني وتعزيز صمود الناس على أرضهم، ولذلك من المهم تعزيز مقدرات القطاع الخاص، والضرائب المفروضة اليوم لا تتناسب مع المداخيل لأن السلطة ورثت هذه الضرائب وهي تنسجم مع حجم الاقتصاد الاسرائيلي ودخل الفرد هناك.
وأوضح اشتية إلى أن السلطة تغط في أزمة مالية خانقة: "أنا لا أعتقد أن السلطة قادرة على الاستمرار هذا النهج، حيث إن نسبة النمو في الأراضي الفلسطينية تراجعت من 9% عام 2010 إلى 3% عام 2011، هذا عدا النمو السلبي في قطاع غزة، أضف إلى ذلك أن هناك ارتباكا واضحا في إدارة الملف المالي والاقتصادي بسبب سياسات المانحين والإجراءات الإسرائيلية على الأرض وبعض السياسات التي تحتاج إلى مراجعة".
وأضاف "ما يهمنا أن نقوله هو أن هذه الأزمة ليست حديثة بل هي نتيجة سياسات متواصلة طيلة السنوات الأخيرة، لأنه وبالرغم من أن الحكومة الحالية اعتمدت سياسة مالية لخفض العجز إلا أن الخوف هو أن المساعدات الدولية هي التي انخفضت وليس شيء آخر."
وأكد اشتية على أن أموال المانحين هي أموال سياسية وعندما ينحسر المسار السياسي فإن المال يصبح أداة ضغط، موضحا أن هذا العجز التراكمي جاء نتيجة سياسة معينة لا بد من مراجعتها والتوقف عندها، ففي نهاية الأمر، المواطن لا يريد أن يسمع فقط في الوقت الذي لا يستطيع فيه توفير الحاجات الأساسية لعائلته، أو يكون عاجزاً عن تشغيل هذه المشاريع: "نحن ما زلنا في مرحلة تحرر وطني وهذا يعني أن علينا تعزيز صمود المواطنين بكل الأشكال."
ورأى اشتية أن الأمر لا يكون بجلد المواطن والمزارع ورجل الأعمال، ولا بإزاحة آلاف الموظفين تحت مسميات التقاعد المبكر، الأمر متعلق بالسلطة ذاتها، ودورهاـ سياسة التقاعد سيكون لها مردود اجتماعي وسياسي كبيرين لذلك لا بد من مراجعة هذه الإجراءات ووقفها: "اعتقد أن وزير المالية يدخل في مغامرة اقتصادية غير محسوبة النتائج اذا استمر في تبني مثل هذا البرنامج."حسب قوله
وأضاف: "كما أنه وفي الوقت الذي تجمد فيه التوظيف في القطاع العام فإن القطاع الخاص هو المساعد لدعم الاقتصاد الوطني، لأن المطلوب هو تعزيز صمود الناس، خاصة وأن برنامج التحرر الوطني لم ينجز بعد ولا نستطيع التصرف كدولة بعد، لذلك لا يمكننا تطبيق سياسات واجراءات عادية في ظروف غير عادية. عندما ينجز الاستقلال يمكن أن نتصرف كدولة لكننا الآن سلطة تابعة لا تملك مقومات العيش لأن إسرائيل تسيطر على مقدراتنا ومعابرنا ومائنا وأرضنا وكل ما نملك."
وأوضح اشتية أن الغضب الشعبي، وحالة الإحباط التي يعاني منها الشعب مبررة: "فعلى سبيل المثال، سعر كيلو غرام السكر في تل أبيب يعادل سعره في رام الله، وسعر ليتر البنزين يعادل أسعار تل أبيب بل أكثر. ولكن معدل دخل الفرد في إسرائيل يقدر بـ 30000 دولار في حين لا يتعدى دخل الفرد الفلسطيني 800 دولار في غزة و1300 دولار في الضفة الغربية."
وبيّن أن أي زيادة في الضرائب يجب أن يرافقها تعزيز مالي لشبكة الأمان الاجتماعي، وهكذا فإن النتيجة قد لا تكون مجدية من ناحية خفض العجز: "إذاً، الأسعار لا تتماشى مع دخل المواطن وهي محملة بالضرائب أصلا، هذا فضلاً عن أن زيادة الضرائب قد ينتج عنها تهرب من الضرائب وبالتالي لا تتحقق النتيجة المرجوة من قانون كهذا."
وأشار اشتية إلى الكيفية التي يتم من خلالها التهرب من الضرائب موضحا أن هناك بعض المستوردين الفلسطينيين يتعاونون مع بعض الموردين الإسرائيليين بالتستر على البضائع المستوردة للأراضي الفلسطينية كما أن بضائع المستوطنات تباع في الأراضي الفلسطينية دونما سيطرة تامة من الطرف الفلسطيني على تدفق هذه البضائع في السوق الفلسطيني وهي تدخل بدون ضرائب استيراد.
من ناحية أخرى، تقوم إسرائيل باقتطاع الأموال من العائدات الضريبية دونما استشارة للجانب الفلسطيني سواءً كان ذلك فواتير إدخال مستشفيات أو بترول أو كهرباء أو غيره.
وأضاف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والخبير الاقتصادي اشتية: "هذه القضايا جميعها تؤدي إلى خفض العائدات الضريبية، ولذلك لا بد من تعزيز وزارة المالية وقدرتها والاحتكام للمجتمع الدولي حول هذه القضايا مع ضبط جمركي وضرائبي صارم للبضائع المباعة في السوق الفلسطيني. يمكن لوزارة المالية استخدام طوابع ضريبية على البضائع جميعها لضبط عملية التسرب."
وتابع اشتية أن الأزمة تفجرت بسبب عدة مركبات أهمها موضوع الضرائب لكنه ليس السبب الوحيد فهناك بطالة ما زالت مرتفعة خاصة بين خريجي الجامعات، وهناك قطاع زراعي مهمش وموسم زيتون غير مدرّ لكن الأهم هو أن قدرة وزارة المالية على الاقتراض لم تعد ممكنة من البنوك التجارية بسبب استدانة أكثر من مليار دولار من البنوك، ولم تعد البنوك قادرة على الإقراض لأن الاقتراض وصل سقف المسموح به. هناك تراكم مستحقات للقطاع الخاص من مزودين وموردين ومقاولين وغيره، وأيضا لا نغفل زيادة الأسعار.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن الحديث عن اقتصاد الضفة الغربية وكأنه اقتصاد سنغافورة لم يكن صحيحا أيضاً لأن النمو الاقتصادي في الأعوام السابقة كان نتيجة المساعدات الدولية وليس بسبب القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني.
وأكد على أنه لا يمكن لسلطة تحت الاحتلال أن تتصرف مالياً وضرائبياً على أنها دولة مستقلة، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية فاقدة للسيادة، وأن أحد أهم عوامل زيادة العائدات هو الاستثمار الخارجي غير الممكن الآن بسبب الاحتلال.
وحول ما يمكن فعله لمواجهة الأزمة الحالية، أشار اشتية إلى أن الخطوة الأولى في طريق رفع الإيرادات هي بمواجهة التسرب الضريبي الذي يكلف خزينة السلطة سنوياً أكثر من 250 مليون دولار، وليس بفرض ضرائب جديدة على المواطنين والمستثمرين وتساءل بالقول "فكيف تكون الضرائب المستحقة على البنوك 44 % في حين أن الضرائب على القطاع البنكي في الأردن 30% فقط؟ نحن نعلم أن على السلطة الوطنية تشجيع المستثمر وتمكين القطاع الخاص من أجل دفعه إلى الاستثمار والقيام بدوره في دفع عجلة الاقتصاد الوطني ليعمل بوتيرة أفضل. وهذه الإجراءات من شأنها أن تحد من الاستثمارات الخارجية في البلد، وما يمكن أن يترتب على ذلك من ارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض نسبة النمو إلى درجات أسوأ مما هو عليه الحال الآن."
وقدّر اشتية أن الأزمة ستزداد في عام 2012 وأن الحكومة ستجد نفسها عاجزة عن أي حل جذري، خاصة وأن الديون المستحقة على السلطة هي أعلى من السقف المسموح به، داعياً إلى تركيز الجهد على المجتمع الدولي الذي تعهد بالتمويل في الفترة الانتقالية، أي التي تسبق إنشاء الدولة، خاصة وأن الشعب الفلسطيني ما يزال تحت الاحتلال، وقال إن "هناك تعهدا دوليا بالاستمرار في تمويل السلطة طالما لم تنجز الاستقلال ولذلك العالم مطالب بمساعدتنا مالياً وسياسياً، وإنهاء الاحتلال هي مسؤولية شعبنا بالدرجة الأولى ولكنها أيضا مسؤولية دولية."
أشار اشتية إلى أن إسرائيل تسيطر على 62% من مساحة الضفة الغربية في المناطق المسماة (ج). وتحرم السلطة من عائدات السياحة في القدس، في حين أن السلطة محاصرة من منطقة (أ) وهي مساحة المدن والقرى والمخيمات، مؤكدا على أن الإمكانيات الاستثمارية موجودة في منطقة (ج)، وكذلك المياه والزراعة والصناعة وغيره، متسائلا عن المناطق الصناعية التي تم الحديث عنها: "أين هذه المناطق الآن؟