أعلنت جامعة الدول العربية عن تجميد بعثتها للمراقبين في سورية بذريعة الخشية على حياتهم ولم تقل لنا ممن تخشى الجامعة على حياة هؤلاء.
الحقيقة أن التجميد يأتي تمهيداً لإلغاء المهمة كي يتسنى لحملة التزوير والتضليل أن تستمر، ويستمر التهويل والتحريض من أجل تدخل خارجي يفضي لتدويل الأزمة ووضع سورية في مأزق حرج على حد تصور هؤلاء المخططين الجهلة.
كلنا لاحظنا الفرق الكبير بين إيجابية تقرير لجنة الرقابة المتوازن والمؤتمر الصحفي الواضح والشجاع لرئيسها الفريق الدابي وبين قرار وزراء الخارجية العرب ورئيس لجنة المتابعة العربية القطري السلبي للغاية وتحويل الملف لمجلس الأمن الدولي لتتحكم فيه دول معادية لسورية وللعروبة عموماً.
المحاولات تجري على قدم وساق من أجل خلط الأوراق وتمييع صورة الهجوم الأمريكي المغطى عربياً على المنطقة، وما المشروع الذي تقدمت به فرنسا وقطر والمغرب لمجلس الأمن سوى أحد تجليات هذا الخلط الذي يقصد منه إلباس ثوب الحرية والكرامة الإنسانية وحق الشعب السوري في التعبير عن نفسه ومطالبه لقرار ومواقف تتسم بالعداء الشديد لهذه القيم وتعمل على استدراج سورية للتناقض الأخطر داخلياً عبر حرب أهلية طاحنة تستمر طويلاً ولا ينتصر فيها سوى العدو الأمريكي الصهيوني الرجعي.
إن حق الحرية والاختيار للسوريين كفلته النصوص التي استقر عليها الإصلاحيون ممن كلفوا صياغة الدستور الجديد للبلاد ولن تعود عجلة التاريخ للوراء، كما أن القيادة السورية أعلنت مراراً ولا تزال أنها تتبنى مطالب الجماهير وتعمل على تنفيذها وعلى الجميع أن يمهلها قليلاً لتحقيق ما وعدت به، فلماذا الاستعجال بتجميد البعثة دون أن تشرح لنا الجامعة الأسباب الحقيقية لذلك، وحيث كان الخطر الذي تشير له في مبررات القرار موجوداً منذ بدأت اللجنة عملها في سورية؟
إن سحب المراقبين العرب التابعين لدول الخليج وإتباعهم بسحب المراقبين المغاربة ومن ثم تجميد عمل البعثة ليس تطوراً طبيعياً أو منطقياً في سياق البحث الجدي والصادق عن حل الأزمة السورية، بل هو تطور وتداعي مرسوم وموجه من أجل التخريب على أي جهد صادق ومخلص لحقن دماء السوريين، وسيتحمل كل من ساهم في هذا مسؤوليته أمام الشعب العربي وأمام الله والتاريخ لأن واقع الأمة العربية في هذا الوقت يحتاج للكثير من التمحيص والرؤية الصائبة من أجل الخروج من عنق الزجاجة الذي وضعتنا فيه تدخلات الغرب المتوحش في شؤوننا الداخلية، ومنذ تجلت الخيانة والعمالة عبر دول تسخر كل طاقتها وأموالها ووسائل إعلامها في خدمة العدو تحت أوهام ومنطلقات شوفينية وطائفية هي اخترعت أصلاً لحماية ممالك ومشيخات خارج الزمن والتاريخ.
الأزمة في سورية داخلية وحلها يجب أن يكون كذلك، والتدخل الأجنبي بلبوس عربي أو بغيره لن يفيد في إنجاز الحل ووقف العنف وبات يدرك الجميع الآن أن القتال وتسليح المعارضة كان خطأً فادحاً، ولم يكن من الصواب اللجوء إليه تحت أي مبرر، وكما نناشد الحكومة السوية إعادة النظر في طريقة معالجتها للحراك الداخلي ووقف الحل الأمني واللجوء للحوار وتسريع الإصلاحات التي أعلنتها، نناشد كذلك وبنفس القوة المعارضة بكل أصنافها وخاصة المسلحين الذين يسيطرون على بعض المدن والطرقات أن يتوقفوا عن القتال وأن يكفوا عن ممارسة السلطة على مناطق نفوذهم واللجوء للعلاج السلمي إن كانوا حريصين على بلدهم.