إسرائيل في ظل التحولات والمخاطر الإستراتيجية/هيثم محمد أبو الغزلان

التحولات الحاصلة على صعيد المنطقة تُقلق الكيان الإسرائيلي بشكل كبير، خصوصاً في ظل وصول الإسلاميين إلى مراكز متقدمة على صعيد الانتخابات في عدد من الدول منها مصر وتونس... ويرى الصحفي الإسرائيلي أري شبيط في الثورات العربية عمليتين على قدر كبير من الأهمية: أن ما كان قائماً فعلاً لن يستمر في الفعل بعد أن أخذ النظام الشرق الأوسطي في التفكك.


وأن تسريع انحسار الغرب، نتيجة صعود دول أخرى بات في طور التشكل.. (مشيراً إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا عندما دفنوا نظام مبارك فإنهم أيضاً يدفنون الدول العظمى نفسها في ميدان التحرير في القاهرة، وعليه فعصر الهيمنة الغربية يذوب).


ويعتبر أحد الخبراء الإستراتيجيين أن التحديات الأساسية أمام إسرائيل بعد الثورات العربية، توضع ضمن مستويين:


 


الأول يتعلق بمصر مباشرة، والثاني يتعلق بالنتائج العامة على مستوى الشرق الأوسط، ويقول: (إذا قام في مصر نظام ديمقراطي معتدل، فإن الوضع الجديد يضع إسرائيل في مواجهة مشاكل صعبة، وأن أبسط طريقة للتعبير عن ذلك هو استبدال اليقين بالشك أو بعدم اليقين). وأبرز معضلة تواجه النظام الجديد حفاظه على معاهدة السلام، فماذا إن جاء الأسوأ: (إذا اخترقت مصر المعاهدة فسوف يكون من الصعب على إسرائيل أن تقنع أمريكا بالتدخل، فكيف يمكن لإسرائيل أن ترد دون التسبب في صدام؟). ولكن يبدو أن سياقات الأمور متجهة إلى إبقاء الأمور على ما هي عليه على الأقل في الفترة القليلة المقبلة؛ فالحزب الإسلامي الذي شكله الإخوان وفاز في الانتخابات البرلمانية قد أشار إلى احترامه الاتفاقات الدولية.


 


وبالنسبة للمستوى الثاني، يرى الباحث أن الانتفاضات سوف تقوض الاستقرار في الدول التي لا تعادي إسرائيل أكثر من دول أخرى، مثل الأردن والسلطة الفلسطينية، ويقدم نظرة متشائمة لا ترى بصيصاً من الأمل، يقول: (انهيار حكم مبارك وضع إسرائيل في ضائقة إستراتيجية بعد أن صارت بدون أصدقاء في الشرق الأوسط، فقد انهار التحالف مع تركيا في العام 2010، والآن ستجد إسرائيل صعوبة في الاعتماد على مصر، فالعزلة المتعاظمة في المنطقة، وضعف أمريكا الظاهر، سيجبران إسرائيل على البحث عن حلفاء جدد)(1).


 


ويُوصّف المستشرق الصهيوني "يوسي فيرتر" الحراك الجاري بالمنطقة على أنه "تسونامي" عربي يضع الدولة في بيئة غير مستقرة، ويدعو لمراقبة الوضع بأعين واعية، ولتجهيز القوات والترتيبات الأمنية تحسباً لخرق المعاهدات، أو لحدوث تغيير في السلطة في الجانب العربي.


 


ويؤكد الباحث الدبلوماسي الصهيوني "إيتمار لافين" أن التحولات الجارية تتطلب من الدولة العبرية قدراً كبيراً من "التأهب التكتيكي والاستراتيجي" على صعد مختلفة. بينما يرى البروفسوران الصهيونيان "افرايم ياعر وتمار هيرمان" أنّه مع صعود القوى الإسلامية للحكم في مصر، سيبقى اتفاق السلام قائماً، ولن يلغى رسمياً، لكن العلاقات سوف تُضَعضع، وينشأ وضع "اللاسلم واللاحرب".


 


وفي المحصلة هنالك شبه إجماع صهيوني على أن الربيع العربي هو نقطة تحول إستراتيجية تتطلب تغييراً في العقيدة الأمنية للدولة الصهيونية. ويتحدث طيف واسع من الأمنيين والاستراتيجيين الإسرائيليين على أن ما يسمونه بالاضطرابات الإقليمية سيكون لها انعكاس بالغ على عمليات بناء القوة في الجيش الإسرائيلي، وبالتالي يتطلب من الجيش أن يكون أكثر مرونة، وجاهزية لمواجهة كافة الاحتمالات، ابتداء من الحرب الكلاسيكية مروراً بالمواجهات مع المقاومة وحرب العصابات، وانتهاء بمواجهة ما يطلقون عليه بزعزعة شرعية وجود الدولة العبرية عبر التظاهرات على الحدود(2).


 


ويُعبّر رئيس هيئة الأركان السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي غابي أشكنازي "عن تخوف المؤسسة الإسرائيلية من انتقال القوة إلى يد الجماهير في العالم العربي، وتحدث عن تعاظم الجبهة المتطرفة في مصر ولبنان، وأكد على أهمية إظهار إسرائيل أمام الولايات المتحدة وأوروبا على أنها مكسب وليست عبئاً، وأكد أيضاً على ضرورة استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب على أكثر من جبهة، مؤكداً أن قوس التهديدات في المنطقة قد زاد، لذلك على الجيش ـ الإسرائيلي ـ الإجابة عن كل التهديدات عليه وأن يستعد أولاً".


 


مخاطر عديد محدقة


وتوجد العديد من المخاطر المحدقة بالكيان كما تؤكد المحافل الصهيونية الأمنية ومراكز البحث والدراسات ومنها: الخطر النووي الإيراني الذي بات الإسرائيليون ينظرون إليه على أنه تهديد استراتيجي يمس كيانهم. وهناك تصور إسرائيلي أن إيران استغلت ما يسمى بالخيار النووي قبل إكمال دورة تخصيب اليورانيوم. وخلُص مؤتمر هرتسليا الحادي عشر الذي عُقد تحت عنوان "ميزان المناعة والأمن القومي" في الفترة ما بين 6-9 شباط/2011، إلى أن هناك خلافاً حول وضع إيران حيال العقوبات الاقتصادية، فهناك اعتقاد سائد (والمؤسسة الإسرائيلية ترى أنه خاطئ) أن العقوبات وحدها تكفي لتكون رافعة لردع الإيرانيين ودفعهم لإيقاف برنامجهم النووي، لذلك المؤسسة الإسرائيلية ترى أن هناك ضرورة للتهديد بالخيار العسكري والعمل على زعزعة النظام في إيران (وجر المجتمع الدولي لمواجهة إيران وعدم ترك إسرائيل في الساحة لوحدها مقابل إيران)...


كما تعتبر المحافل العسكرية الإسرائيلية المقاومة في لبنان وغزة بأنها تهديد إستراتيجي، لا يوجد عامل رادع له حتى اللحظة. فمحور الممانعة يتبنى إستراتيجية عدوانية ـ بحسب المحافل الإسرائيلية ـ تقوم على أساس إلحاق الضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية والإضرار بالمجتمع الإسرائيلي. وتحدث اشكنازي عن أهمية تهيئة الجبهة الإسرائيلية الداخلية للصمود أمام هجوم صاروخي لفترة زمنية طويلة، وأن الجيش الإسرائيلي يتمتع بقدرة نارية هائلة، ولكن على هذا الجيش الذي يملك قوة نارية هائلة أن تكون له القدرة على السيطرة على المناطق التي يستهدفها من خلال قوات يابسة مميّزة، ونوه إلى الحاجة لتقوية الاستخبارات العسكرية". وأعلن ما وزير "حماية الجبهة الداخلية" الجنرال ماتان فلنائي (4-1-2012) أن مفاعل "ديمونا" النووي بات عرضة للصواريخ التي يُمكن أن تنطلق من غزة ومن لبنان، فيما قدّر نائب رئيس أركان الجيش الجنرال يائير نافيه أن الجيش يتحدث عن أنه في أي حرب سيسقط على "إسرائيل" ما لا يقل عن 15 ألف صاروخ. وقال فلنائي إن "مدى الصواريخ التي بحوزة المنظمات الفلسطينية في غزة وحزب الله في لبنان قد يطال أيضاً مواقع حساسة"، محذراً من أن" المفاعل النووي "الإسرائيلي" في ديمونا يقع في دائرة الخطر الصاروخي". واعترف فلنائي بأن "الصواريخ من غزة تستطيع اليوم الوصول إلى مناطق أبعد بكثير مما سبق ووصلت إليه".


 


وقال ضابط كبير في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (5-1-2012)، إن عدد الصواريخ التي بحوزة حركة الجهاد أكبر من الصواريخ التي بحوزة حماس، وأن مدى هذه الصواريخ أطول، وتقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية تشير إلى أنه بحوزة الجهاد صواريخ يصل مداها إلى 74 كلم، أي أنه بإمكانها أن تصل إلى مدينة تل أبيب وحتى أبعد من ذلك. وقال الضابط للقناة العاشرة الإسرائيلية، إنه بموجب التقديرات التي تم إجراؤها في شعبة الاستخبارات العسكرية، فإن حركة الجهاد الإسلامي تمكنت خلال الشهور الأخيرة من تهريب أسلحة متنوعة، وذلك عبر المعابر والأنفاق بين القطاع ومصر، حسب قوله.


كما أعربت مصادر عسكرية إسرائيلية عن قلقها البالغ من واقع اتساع هامش وحرية الحركة لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس، في شبه جزيرة سيناء المصرية، بعد سقوط نظام حسني مبارك. ونقلت صحيفة "يديعوت احرونوت" (13-1-2012) عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها، إنه "على الرغم من تقييمات الجيش بأن حركة حماس غير معنية بخوض مواجهة واسعة النطاق في هذه المرحلة (مع إسرائيل)، إلا أنها تواصل تسلحها واستعدادها العسكري لاحتمال تفجر الأوضاع الأمنية في أي لحظة"، مشيرة إلى انه "طرأت زيادة تصل إلى 20% على كميات الأسلحة التي يجري تهريبها إلى قطاع غزة خلال العام الماضي، مقارنة بالعام 2010، ويعود ذلك إلى الثورات العربية في مصر وليبيا"، وبحسب المصادر فإن هذه الأسلحة تضم تشكيلة واسعة من الوسائل القتالية، وتحديداً صواريخ متطورة مضادة للدروع، روسية الصنع مثل الكورنيت الموجهة بالليزر، وأيضاً صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات، كانت قد اختفت من مستودعات موجودة في الأراضي الليبية"، بحسب زعم الصحيفة.


 


وعلى نقيض من توقعات الأشهر الماضية لجهة تقليص الميزانية الأمنية لمصلحة القطاعات الاجتماعية، قررت تل أبيب، (10-1-2012)، زيادة ميزانيتها الأمنية بنحو ثلاثة مليارات شيكل (أي ما يوازي 700 مليون دولار)، انطلاقاً من الإجماع الإسرائيلي المتبلور، في أعقاب تغيير البيئة الإستراتيجية للدولة العبرية، وما تحمله من تهديدات لم تكن ملحوظة في السابق. وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعد التصديق على الزيادة، إنه "بالنظر إلى التحديات الكثيرة والتهديدات المحيطة بنا، فإنه سيكون من الخطأ، بل وخطأ كبير، أن نقلص ميزانية الدفاع"، لافتاً إلى أن بعض الأموال سيتم توفيرها من خلال ضبط نفقات حكومية أخرى. أما وزير الحرب الإسرائيلي، أيهود باراك، فأشار إلى أن "الميزانية تقلصت بشكل حاد وروتيني على مر السنين"، موضحاً أنه "في عام 1986 كانت ميزانية الدفاع تمثل 17% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن النسبة للعام الماضي بلغت نحو 6% فقط". وأضاف إن "من شأن تقليص الإنفاق المالي الأمني أن يشكل خطراً على الجيش في كل ما يتعلق بالقدرات والتدريب والاستعداد العسكري، لمواجهة التحديات الماثلة أمامنا".


وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، (10-1) إلى أن "السبب يرجع إلى ما أجمع عليه رئيس الوزراء وجميع وزرائه، فضلاً عن أعضاء الكنيست، وجزء بارز من الجهات الأكاديمية وكبار رجال الاقتصاد بأن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل تدهور في السنة الماضية، سواء لجهة تزايد تهديد الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية من سوريا ولبنان وغزة من الناحيتين الكمية والنوعية، أو التزود بمئات الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات المتطورة في القطاعين". وبحسب "يديعوت"، فإن "الانتفاضات الشعبية في العالم العربي حوّلت الإسلام الراديكالي إلى عنصر مهيمن في الشرق الأوسط. وهو ما يدفع القيادة الإسرائيلية إلى الاستعداد للسيناريوهات الأسوأ في المدى الزمني القريب".


 


لنزع الشرعية


كما يُشكل تعثر عملية "التسوية" عاملاً محفِّزاً لنزع الشرعية عن الكيان في الفضاء الغربي في حال استمرار حالة "الثوران" في المنطقة والذي قد يكون عاملاً مساعداً في تزايد حالة العزلة على الكيان. ولعل محاولات  الكيان الدفع باتجاه استئناف عملية "التسوية" في العاصمة الأردنية عمان هو أحد الخيارات المطروحة للالتفاف أو التخفيف من الآثار السلبية والتداعيات العديدة على الكيان... وتخشى المؤسسة الإسرائيلية أن يُنظر إليها على أنها عامل مزعزع للاستقرار في المنطقة بسبب عدم التوصل إلى "تسوية" مع السلطة الفلسطينية، وهذا ما عبّرت عنه تسيبي ليفني من خلال كلمة ألقتها في مؤتمر هرتسليا العام 2011. وبغياب عملية التسوية تزيد بشكل ملحوظ حدة "الحرب الناعمة" ضد المؤسسة الإسرائيلية في الساحة الدولية، من أجل نزع الشرعية عن السياسة العسكرية والدبلوماسية الإسرائيلية وما يسمى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ووجودها!!.


 


وأظهرت نتائج استطلاع في الجامعات الأمريكية انحساراً في التأييد الشامل لإسرائيل. وقالت صحيفة "معاريف" إن 33% من الطلاب في الجامعات الأمريكية باتوا يرون في إسرائيل عبئاً على الأمريكيين. بل إن ربع الطلاب الأمريكيين يرون في إسرائيل دولة "أبرتهايد" (تمييز عنصري). وقالت "معاريف" إن هذه المعطيات تظهر في استطلاع واسع ومعمق أجرته منظمة "AICE The Israel Project" بهدف التعرف على صورة إسرائيل في الجامعات الأمريكية. صحيح أن التأييد لإسرائيل بقي في مكان مرتفع في معظم المعايير، لكن يبدو الانحسار المتزايد أكثر من أي وقت مضى. وقالت إن العزاء الوحيد هو أن التأييد للفلسطينيين ظل محدوداً.


 


وأشار الاستطلاع إلى وجود "وضع فراغ في كل ما يتعلق بالمعلومات عن إسرائيل". وخلافاً للنظرة في إسرائيل وفي المنظمات الأمريكية المناصرة للدولة العبرية فإن عناصر النفوذ على الطلاب في الموضوع الإسرائيلي ليست فاعلة، فالطلاب يعلمون عن إسرائيل فقط عبر قنوات التلفزيون الإخبارية وعبر مواقع الإنترنت، وليس عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعية.


 


وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن 43% من الطلاب يعتبرون إسرائيل ذخراً استراتيجياً للولايات المتحدة إلا أن 33% منهم يعتبرونها عبئاً. وإسرائيل هي الدولة التي تتلقى أكبر قدر من المساعدات الأمريكية، ولكن 27% من الطلاب لا يرون فيها حليفاً و43% يعتبرون أنها تؤثر أكثر من اللازم على السياسة الخارجية الأمريكية(3).


 


أزمات وجودية وبنيوية


وفوق أزماتها الوجودية والأمنية والتاريخية تعيش إسرائيل هذه الأيام أزمة بنيوية تتصل بكونها امتداداً للنظام الرأسمالي الذي يواجه منذ سنوات ولا يزال أزمة بنيوية تتصل بعجز آليات السوق والسياسات العامة عن تأمين الاستقرار لعملية الإنتاج والتسويق، وما يتبع ذلك من اختلالات في السياسات المالية.


 


غير أنه من الخطأ، أيضاً، مقارنة الأزمة في إسرائيل بما تمر به الأنظمة الرأسمالية، فأزمة إسرائيل أكثر شمولية وعمقاً، إذ يواجه النظام السياسي الإسرائيلي حالة من التدهور نحو العنصرية والأبارتهايد فضلاً عن جملة التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها إسرائيل في إطار صراعها مع الفلسطينيين والعرب.


 


إسرائيل تعيش فوق أزمتها الداخلية أزمة خارجية، حيث تلاقي سياساتها المزيد من الانتقادات والإدانات والاحتجاجات الدولية على خلفية موقفها وسياستها إزاء عملية "السلام" التي يرغب المجتمع الدولي في تحقيقها، وهي المتهمة بإفشالها.


 


..في إسرائيل هناك مجتمعات غير متماثلة وليس هناك مجتمع واحد، فبالإضافة إلى الفوارق بين اليهود من سكان فلسطين المحتلة العام 1948، والفلسطينيين العرب على الرقعة الجغرافية نفسها، هناك فارق بين هؤلاء ومجتمع المستوطنين الذي يناهز النصف مليون مستوطن وينعمون بامتيازات لا يحصل عليها اليهود في إسرائيل. والمشهد ينطوي، أيضاً، على عمليات تمييز أكثر تفصيلاً بين يهود غربيين ويهود شرقيين، وبين علمانيين ومتدينين، وحتى بين يهود شرقيين، وآخرين شرقيين.


 


اللوحة إذاً معقدة، والأزمة بنيوية معقدة من طبيعة تاريخية وسيكون على ائتلاف نتنياهو إما أن يتخلى عن السلطة وما يتبع ذلك من اضطرابات سياسية وعدم استقرار، وإما أن يحذو نتنياهو حذو زعماء سابقين، بادروا إلى شن حروب إقليمية هرباً من أزمات داخلية ولتجاوزها(4).


 


وماذا بعد؟!


وهكذا وفي ظل التحولات الكبيرة والبيئة غير المريحة التي وجدت إسرائيل نفسها فيها، تحاول أن ترسم لنفسها مستقبلاً غير قاتم، ولكن يبدو أن مسار الأمور يتجه وبشكل فاعل نحو نهاية محتومة لدولة احتلال وفصل عنصري. وهي النهاية الطبيعية لكل احتلال سابق وقائم ولاحق... ويثير الكاتبان الإسرائيليان: أوليفيا بوركوفيتش، وريشار لاوف في كتابهما المشترك (الشكوك المحيطة بمستقبل "إسرائيل")، تغير "جيو-استراتيجي" في الصورة الإقليمية والمشهد العالمي، لم يكن حين قامت دولة إسرائيل قبل أكثر من 63 عاماً. وذلك في استبعاد واضح منهما، قد يجلب عليهما انتقادات صهيونية ويهودية عديدة، تتعلق بالشعارات الدينية الخاصة بأرض الميعاد، وهما بذلك يجريان مسحاً ميدانياً عملياتياً للتطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط منذ عدة سنوات، وكلها ذات صلة مباشرة بمدى قدرة إسرائيل على البقاء فيها، بل إنهما يطرحان فرضية غياب إسرائيل، واختفائها عن خارطة المنطقة، كسيناريو بات قابلاً للتطبيق، وربما أقرب من أي وقت مضى!(5).


ويحاول الكتاب الإجابة عن حلّ للمعضلة القائمة على التناقض بين قوة آلة إسرائيل العسكرية من جهة، والمخاوف على مستقبلها من جهة أخرى، فيقول: في حين أن الآلة العسكرية نفسها أقوى من أي وقت مضى، فإن بين الإسرائيليين نفسيات أكثر عرضة للسقوط من أي وقت مضى منذ الخمسينيات، وباتت قدرة إسرائيل النووية عديمة الفائدة ضدّ الدول المجاورة لها.


 


ويحاول مؤلفا الكتاب أن يفصِّلا في بعض مظاهر مستقبل إسرائيل الغامض في المنطقة العربية، من خلال تعرض الكتل السكانية اليهودية في أنحاء العالم لهجمات "كارثية" متواصلة، مما سيقلص الكتلة الديموغرافية اليهودية في العالم، وتدهور فظيع يتعلق بمسألة الهوية اليهودية، وانخفاض أعداد الأطفال الحاصلين على تعليم ديني يهودي، وتعاظم التعاون المتوقع بين الدول الإسلامية المعادية التي تمتلك قدرات تكنولوجية، مما سيؤدي لامتلاك ثلاث دول منها على الأقل لقنبلة نووية، بشكل يزيد من خطر القضاء تماماً على كتل سكانية يهودية بكاملها، فضلاً عن تراجع تأثير الطوائف اليهودية على مستوى العالم، لا سيما في الولايات المتحدة(6).


 


ويحاول المؤلفان من خلال الكتاب، أن يضعا جملة من المعايير السياسية التي تسمح بالتنبؤ بتحقق الفرضية المرعبة الخاصة بزوال إسرائيل على المدى البعيد، ووضع تساؤلات حول مستقبلها على المدى القريب، ومنها: قوة الاتجاهات العلمانية داخلها، وعمليات الهجرة المضادة خارجها، واختلال الكمّ السكاني لصالح العرب، والانحلال الاجتماعي، والأوضاع الاقتصادية، وكل ذلك على المستوى الداخلي.


 


أما على المستوى الإقليمي، فقد أشار المؤلفان إلى مجموعة من المتغيرات: كافتقاد إسرائيل لمساندة بعض الدول كتركيا، وإيران، وتغيّر بعض القيادات العربية، وتنامي مشاعر العداء ضدّ السلوك الإسرائيلي، والتغيرات في الساحة العربية، والتكتلات السياسية والاقتصادية التي تجسّد الاتجاه نحو التجانس الإقليمي(7).


على كلٍّ.. جملة التطورات في المنطقة مع صمود "محور" المقاومة واستطاعته تحقيق العديد من نقاط القوة يُعتبر تطوراً سلبياً ينقل إسرائيل إلى وضع إستراتيجي أصعب لا بد من العمل على مراكمته مع إفشال كافة محاولات الأعداء للالتفاف على المنجزات العربية التي تحققت وقطع الطريق عليهم لتحقيق أي من أهدافهم في قطف ثمار ما حصل من تطورات ومنجزات ينبغي حمايتها والبناء عليها...


 


هوامش:


(1) الموقف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي من التحولات السياسية في المنطقة العربية، موقع الجزيرة نت، (23/11/2011).


(2) "إسرائيل" والربيع العربي: التقديرات والمواقف، عبد الرحمن فرحانة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، (28/12/2011).


(3) صحيفة السفير، حلمي موسى، (14-1-2012).


(4) صحيفة الأيام، إسرائيل المأزومة، والمخاطر المحتملة.. طلال عوكل - (15/8/2011).


(5) الشكوك المحيطة بمستقبل "إسرائيل"، تأليف: أوليفيا بوركوفيتش، وريشار لاوف، مراجعة: عدنان أبو عامر، موقع مركز الزيتونة، 2011.


(6) المصدر: السابق.


(7) المصدر: السابق.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت