لتشاؤم في وثيقة معهد أبحاث الأمن "الإسرائيلي"/علي بدوان


قبيل أيام من زيارة بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة ولقائه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، صدرت في تل أبيب، وثيقة بالغة الأهمية عن "معهد الأمن القومي الاسرائيلي" كانت بمثابة تقريره القومي السنوي، وقد اعتبرت في استخلاصاتها النهائية أن الدولة الصهيونية تعيش حالة من القلق المزمن، نتيجة تداخل الصراعات في المنطقة، واستمرار العداء الشعبي لها في عموم المنطقة بالرغم من خفوت وهبوط الصوت الرسمي العربي المعادي تجاهها.

وثيقة "معهد الأمن القومي الاسرائيلي" المشار اليها، تعتبر أهم وثيقة بحث استراتيجية تنشر خارج أجهزة وأذرع الأمن "الاسرائيلية" المعروفة. فهي وثيقة مصاغة من قبل عتاولة الجنرالات ورجالات السياسة والأمن في الدولة العبرية الصهيونية، وفيها عصارة رؤيتهم المستندة للتجربة الميدانية التي عاشها كل واحد منهم في حياة "اسرائيل" وسياساتها.

الوثيقة المشار اليها والمنشورة للعام الجديد 2012 هي الأكثر قتامة وسوداوية في رؤيتها وفي لغتها وتقديراتها، منذ بدأ المعهد المذكور ينشر تقديراته وتقريره العام 1983. وهي تشتمل على مئات الصفحات، وتتحدث في جميع الشؤون التي تعني مستقبل الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. فالوثيقة (التقرير) صدرت باشراف الدكتور عوديد عيران الذي كان في الماضي سفير "اسرائيل" في الاتحاد الاوروبي والأردن، وحررها الدكتورة عنات كورتس والعميد (احتياط) شلومو بروم الآتي من مدرسة الجيش والمخابرات.

الوثيقة المنشورة في استخلاصاتها على صفحات بعض المطبوعات باللغة العبرية داخل "اسرائيل" ركزت على حدوث تدهور ملحوظ في السنة الأخيرة لما أسمته وضع "إسرائيل" الاستراتيجي، مقابل فقدان موقع القرار في تل ابيب للبدائل التي تجيب على الأسئلة الاستراتيجية في ظل التحولات التي تعتمل اليوم في العالم العربي، وفي ظل اصرار ايران على الاستمرار في مشروعها المعلن لتطوير قدراتها في استخدام الطاقة النووية بالرغم من كل سياسات العقوبات المقرة من الغرب والولايات المحدة بحقها منذ سنوات.

التقرير أو الوثيقة، تشير في جانب هام منها، الى عجز الحكومة "الاسرائيلية" عن بلورة استراتيجية عمل سياسية ناجعة لتبريد مراكز التوتر، حيث زادت جداً التحديات التي تواجهها اسرائيل على حد لغة التقرير/الوثيقة. فيما نشطت الدبلوماسية الفلسطينية وسجلت أهداف جيدة في مرمى الانجاز السياسي على صعيد الميدان الدبلوماسي في العالم خصوصاً في المنظمات الدولية كمنظمة اليونسكو. فالسلطة الفلسطينية استطاعت وبزخم الجهود الدبلوماسية أن تعمل اكثر فأكثر على عزلة "إسرائيل" الدولية بحدود معينة دون مبالغات (من عندنا دون مبالغات).

الوثيقة/التقرير يتوقع نشوء فراغ في الشرق الاوسط كنتاج ثلاث ظواهر هي : الربيع العربي، انهيار مسيرة "السلام الإسرائيلية" العربية (الأدق مسيرة التسوية)، وضعف الولايات المتحدة المتتالي وتراجع سطوتها الدولية وفي المنطقة على وجه الخصوص (بشكل نسبي).

فالوثيقة/التقرير تشير لوجود قاسم مشترك بين الأنظمة الجديدة والأنظمة القديمة التي اجتازت موجة الثورات فيما يسمى بـ "الربيع العربي"، حيث مازالت العلاقات بين "اسرائيل" ومحيطها في الحضيض، وقد زادت الشعوب العربية المنتفضة من موقفها الواضح من "اسرائيل".

ومن جانب آخر، فان الوثيقة/التقرير يشدد بأن ضعف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط شكّل عنصراً رئيسياً في تدهور مكانة "اسرائيل" وتراجع صورتها الردعية. فضعف سطوة وقدرات الولايات المتحدة في تقرير مصائر الأمور في المنطقة قياساً للعقدين الماضيين قلل من امكانية وجود مواجهة فاعلة وردع للمشروع النووي الإيراني، الذي يزداد خطورة (حسب التقرير اياه) يوماً بعد يوم.

توصي الاستخلاصات الواردة في الوثيقة بضرورة قيام الحكومة "الاسرائيلية" الحالية وأذرعها التنفيذية بالبت "بين الانتظار وعدم الحسم وعدم المبادرة وبين السعي الى تأثير في محيطها الاستراتيجي" مع الاشارة بأن ان مبادرة "إسرائيل" الى مصالحة لن تحل بالضرورة كل مصادر
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والإسرائيلي العربي، لكن إجراء محددا نحو تسوية قد يُفتر من شدة هذه التحديات ويحسن مكانة "اسرائيل" التي أخذت تضعف".

والوثيقة كلها في واقع الامر دعوة للحكومة "الاسرائيلية" الحالية أو القادمة والطلب منها ان تفعل فعلاً بدلاً من الركون، وأن تأخذ المبادرة بيديها وألا تدع الأحداث تجرها وتجرفها وتجرف معها مصير الدولة العبرية الصهيونية.

الوثيقة وان كانت غير رسمية بالمعنى الحرفي، الا أنها تعبر بالفعل عن حالة القلق والغليان التي تسري في دولة تتمتع بتفوق عسكري وبدعم خارجي غير محدود. حالة القلق التي تسري في عروق المجتمع الصهيوني وصفوف الأنتلجنسيا "الاسرائيلية" التي بدأت منذ سنوات تتوجس على مصير كيان مازال وسيبقى غير مرغوب به في منطقة تعج بالتحولات السياسية على الأرض، وفي وقت مازالت فيه الشعوب العربية حية ونابضة في موقفها الحازم الى جانب الشعب العربي الفلسطيني في كفاحه العادل بعيداً عن التهتك في الموقف الرسمي للنظام العربي.

صحيفة الوطن العمانية
تاريخ الخميس 15/3/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت