هكذا وبعد مرور أسبوع من اغتيال الشيخ أبو إبراهيم القيسي وما تبعه من تصعيد إسرائيلي تجاه قطاع غزة والذي أسفر عن استشهاد حوالي 25 فلسطينياً وفي الجهة المقابلة رد المقاومة على هذا التصعيد وإمطار جنوب فلسطين المحتلة بوابل من صواريخ غراد والقذائف الصاروخية ودخول أكثر من نصف مليون إسرائيلي إلى الملاجئ وتعطلت الدراسة في المدارس الإسرائيلية في القرى المحاذية لقطاع غزة وأغلق مطار بن غوريون لساعات بسبب صواريخ المقاومة.
لكن...! هناك بعض الملاحظات التي سوف نذكرها والتي لمسناها في ذلك الأسبوع الذي يعتبر من أهم الأيام في عام 2012 بالنسبة للقضية الفلسطينية وللأسلوب الجديد من قبل الحكومة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية والتي نوجزها في النقاط الثلاث التالية:-
(1) الدعم الكامل من الحكومة الفلسطينية للمقاومة: هكذا لاحظنا سعي الحكومة الإسرائيلية لإحداث شرخ في العلاقات ما بين حركة (حماس) وحركة (الجهاد الإسلامي) بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير في قطاع غزة.
وتأتي هذه المحاولات بعد أن أخفقت حكومة نتنياهو في جر حركة حماس لإخراج ما لديها من أسلحة ويقول بعض المحللين الإسرائيليين أن حركة (حماس) ستسعى لمنع الفصائل من اطلاق الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية ولكن الحكومة الفلسطينية بقيادة حركة (حماس) دعمت المقاومة ولولا هذا الدعم لما سعت إسرائيل للتوصل إلى تهدئة في تلك الفترة القليلة من التصعيد الإسرائيلي على القطاع وخاصة أن الصواريخ لم تقل حدتها طوال الأيام الأربعة من التصعيد.
ففي السابق كانت الحكومات الفلسطينية المتعاقبة تلاحق المقاومة وتعتقلها واليوم المقاومة مطلقة اليد في الرد على جرائم الاحتلال بل الحكومة شكلت غطاء سياسيا للمقاومة. هذا ما دفع القيادي في حركة (الجهاد الإسلامي) الشيخ/ خالد البطش بالقول (بأن حركة حماس لم تكن بعيدة هن المواجهة مع العدو الإسرائيلي في جولة التصعيد الأخيرة على القطاع بل كانت داعمة للمقاومة).
فلولا الغطاء السياسي واطلاق يد المقاومة وتركها العمل بحرية حسب ما ترتأي لما رأينا هذا التراجع الإسرائيلي عن تصعيده غير المبرر وقبوله بالتهدئة حسب شروط المقاومة بهذه السرعة رغم التصريحات التي كانت تنادي بالقيام بعملية برية محدودة في القطاع والتهديد باغتيال بعض رموز الحكومة الفلسطينية.
(2) دبلوماسية حكومة المقاومة: لقد اتخذت الحكومة الفلسطينية في غزة موقفا حكيما بعدم انجرارها في جولة التصعيد الأخيرة مع العدو الإسرائيلي، كما يكشف امتناع حركة (حماس) عن المشاركة في التصعيد الأخير على القطاع في اطار استراتيجية جديدة تولي الأولوية للعمل السياسي، دون التخلي رسميا عن نهج المقاومة. ولقد سارعت بالاتصال مع
الجامعة العربية ومجلس الشعب المصري والمخابرات المصرية (الوسيط السابق في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة). فمن ناحية تحركت في اتجاه دعم المقاومة وتوفير دعما سياسيا لها، والاتجاه الآخر التحرك الدبلوماسي عن طريق الوسيط المصري الذي ثبت نزاهته بغد ثورة 25 يناير والذي نجح في الضغط على الجانب الإسرائيلي وتوصل لإبرام التهدئة معه في غضون أربعة أيام.
(3) التعامل البراجماتي للحكومة: بعد النجاح الذي حققه دولة رئيس الوزراء الفلسطيني د. إسماعيل هنية خلال زياراته الخارجية المتكررة والدعم الكبير الذي لاقاه هناك والذي استطاع من خلالها أن يحدث اختراق في جدار الحصار العربي والدولي المفروض على الحكومة منذ أكثر من خمسة أعوام.
فها هي الحكومة الفلسطينية تضع أولويات لها بجانب لجم العدو والرد على التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ومن جانب آخر تركت المقاومة ترد بالطرق التي تراها مناسبة وحسب خطة موضوعة بينهما، ومن جانب آخر: إعادة الإعمار وبناء أكثر من (5500 منزل) ما بين هدم كلي وجزئي مجموع ما دمره الاحتلال على مدار 10 سنوات وكذلك حل مشكلة الكهرباء ومشكلة الوقود ورفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر وتفتح الأفق السياسي أمام الحكومة وخاصة بعد الثورات العربية والذي تحاول الاستفادة من الأوضاع الجديدة في المنطقة.
فلم تنسى الحكومة مسألة تهويد القدس وبناء المستوطنات ومحاولة إسرائيل تفريغ القدس من سكانها العرب المقدسيين وبناء الجدار العازل، فهي من جهة تدعم المقاومة وتعطي لها غطاء سياسي ومن جهة أخرى تخترق جدار الحصار العربي والدولي المفروض على فطاع ومن جهة ثالثة تحركت في اتجاه المحافل السياسية للجم العدوان والتصعيد الأخير على القطاع وأربكت حسابات العدو حسب الصحافة الإسرائيلية.
الكاتب والمحلل السياسي
دكتور/ كمال محمد الشاعر
رفح في 16/03/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت