بمعركة الكرامة وحدّنا الدم/عباس زكي


إن كان الفاتح من يناير 1965 يمثل لنا شرارة أو صافرة الانطلاق فمعركة الكرامة في 21 مارس 1968 تمثل لنا الميلاد وشاءت الأقدار بفعل معركة الكرامة أن يخسر دايان الجنرال المنتصر نشوة انتصاره في حرب الايام الستة حسب المصطلح الاسرائيلي الذي سيطر فيها على أراضي ثلاث دول عربية وشاءت الأقدار بفعل معركة الكرامة ان تتحول اسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي الى اكذوبة وان يسقط شعار الجيش الذي لا يقهر أمام تكتيك واستراتجيه بين العسكرية الاردنية التي تبحث عن استعادة شرف الجندية والفدائيين الفلسطينين الذين يمثلون وجدان واردة أمة ترفض الهزيمة مهما كان الثمن

وفي الذكرى الرابعة والأربعون ليوم الكرامة الخالد وفي ظل أوضاعنا الغاية في الصعوبة والتعقيد بفعل الغطرسة الإسرائيلية المتجددة نتذكر لنوفر مرتكزات النصر ففي يوم الاثنين الموافق 18 مارس 1968 أرسلت الاستخبارات المصرية التي تعاني من جرح هزيمة حزيران معلومات أفادت قيادتنا بأن إسرائيل تعد لمعركة للقضاء على القاعدة الأمنية لحركة فتح في الأغوار (غور الاردن) وبالمراقبة الدقيقة على الأرض لوحظ حشودات إسرائيلية تتجه نحو اريحا الأمر الذي دفع بالقيادة ويتقدمها الأخ ابو عمار بالتشاور مع قيادة الجيش الاردني ممثل بالجنرال عامر خماش والجيش العراقي ممثلا بالجنرال محمود عريم واللواء حسن النقيب وتطابق المعلومات اثناء اللقاء مع المشاهدات على الارض بأن هناك عدوان واسع بهدف اجتثاث الفدائيين الذين اتخذوا من الأغوار قواعد للإنطلاق نحو أهدافهم في الوطن المحتل كان الرأي الاردني والعراقي بعد استماعهم للاخ ابوعمار رئيس الوفد انها معركة جيش يقابل جيش وانتم كفدائين أمل الامه فلا تكونوا طعام للدبابات والهجمات الصاروخية والطائرات حفاظا على مناضيلكم وضرورة استمراركم والتزاما منكم بقانون حرب العصابات غادروا المنطقة واتركونا نواجه كما ينبغي دون إرباكنا بتواجدكم بين النيران .

في يوم الثلاثاء 19 مارس 1968 ترأس الاخ ابو عمار إجتماع للقيادة في منطقة الكرامة ووضع ووفده المرافق قادة المواقع بكل ما يتعلق بالمعلومات والمواقف وبخاصة نتائج اجتماعهم بجبال السلط مع القيادة العسكرية الأردنية والقوة العراقية الملتزمة بالقرار الأردني .

وثمن الحضور حرص الاشقاء على ارواح الفدائيين ولكن برزت قضية جديرة بالاهتمام وهي ان العدوان يستهدفنا اولا ، وثانيا الكل يبحث عن النصر ورد الاعتبار لأمه فاقدة للنصر بفعل هزيمة حزيران فكيف نقنع انفسنا وكوادرنا بالهرب وخاصة ان قانون حرب العصابات (اذا اقبل العدو اهرب واذا ادبر اضرب )لم يكن واضحا ومقنعا لمن هم على شاكلتنا كرواد يجب ان يقدموا المال والوقت والروح في حينه كأهم عناصر استمرار الثورة الشعبية المسلحة كأقصر الطرق إلى فلسطين من هنا كان قرار الصمود بإعلان الاخ ابو عمار أمام حشد المقاتلين قررنا الصمود أمام معركة كبرى لتشارك في صنع النصر لأمتنا، والنصر ثمنه الدم ، فمن أراد منكم أن ينزف دم ليحرز نصر فليبقى هنا ومن لا يريد فليخرج خارج أرض العمليات وهو حق له وفق قانون حرب العصابات / وفي يوم الاربعاء 20 أذار 1968 وقد استكملت الاستعدادت على كل صعيد تفقد القاده الميدانيون كوادرهم فوجودوا الاصرار على المشاركه بالمعركة او لصنع النصر او الاستشهاد من الجميع ولم يكن العدد لمجموعاتنا في حينه اكثر من اربعماية مقاتل مما اضطر الاخ ابو عمار ان يتحدث في حشد مماثل وسط هدير الدبابات الاسرائيليه التي باتت واضحة للعيان وتجمع رجال الصحافة والاعلام على الجهة الغربية من النهر في انتظار الهجوم الكاسح على قواعد الفدائيين وتعالت تصريحات دايان بأنه بصدد مهمة تطهير اوكار المخربين واحضارهم بالشباك الى الميادين داخل فلسطين المحتله وتصريحه الشهير أن فتح كالبيضه في يدي احتاج الى شيئ من الضغط حتى سحقها وقال للصحفيين ادعوكم غدا الخميس الساعة الثانيه بعد الظهر لمشاهدة قادة الفدائيين مكبليين بالأصفاد. وسط هذا الجو شديد الخطوره

قال ابو عمار ايها الاخوة شكرا لله اذ قررتم الصمود ولكن عليكم ان تتأكدوا أن كل من في السهل منكم سيستشهد او يؤسر لا محالة فمن منكم يوثر الحياة سويعات اكثر فليصعد الى الجبل ليشن طوقا خلفيا عند الاطلاق علينا من العدو تعزيزا للاخوه لحماية ظهرنا وبدأ يتجول على بعض المواقع لتأكد من الجاهزيه حيث كان احد الابطال تحت الاسم الحركي الفسفوري قد حفر خندقه قرب النهر احد الاماكن المتوقع ان تكون على فوهة الجسر الذي ستعبره الدبابات الإسرائيلية الى ضفة النهر الشرقيه فأشار عليه الاخ ابوعمار أن يغير موقع خندقه ولكن الفسفوري رد قائلا يا أخ ابو عمار وقد قررنا الصمود لا أحفر هنا خندقي لأقاتل منه فقط بل حفرت خندقي وقبري معا ليكون قبري متقدما على قبوركم . بهذه الارداة والروح الجهادية والمعنويات العالية شعر الجميع بحتمية النصر قبل خوض المعركة وكأن التاريخ يعيد نفسه بتزاحم الشهداء يوم الثلاثاء الحمراء الذين تسابقوا على حبل المشنقه في عكا عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي، بهذه الإرداة والروح وبهذه الثقة بالجندي العربي والإيمان بالمشاركة في معركة من اجل فلسطين التي تشكل الحلقة المركزيه في النضال العربي كانت معركة الكرامة التي بدأت يوم الخميس 21 اذار 1968 في الساعة الخامسة والربع صباحا قصف مدفعي وغارات جويه وفي السادسة والنصف كان تقدم الدبابات التي واجهت الأهوال بصمود الفدائيين الأبطال الذين خاضوا اشرس المعارك وقدموا مئة وخمس شهداء بما فيها العمليات بالأحزمة الناسفه التي فرضت على الجيش الإسرائيلي وقف التقدم وكان اللافت أن التحام الفدائيين وقطاعات الجيش الاردني المتواجد على خط النار بالعدو اضافة الى استخدام المدفعية السادسة الثقيلة من مرتفعات السلط (عيرا ويرقا) قد سدت الطرق أمام تدفق الجيش الأسرائيلي الى شرق النهر الأمر الذي اربك الجيش المعتدي بضرب مؤخرته ومنع وصول النجدات وبهذا فقد انضباطه وتم أسر عدد من دباباته التي عرضت بالمدرج الروماني في عمان وتكبد العدو خسائر في المعدات والأرواح لم يكن يتوقعها من قبل بفعل الأستبسال وهذا التنسيق والتعاون الاستراتيجي والتكتيكي الذي رد كيد الاسرائيلين في نحورهم ورفع عاليا الهامات الفلسطينية الاردنية تحت شعارا ردده الجميع كلنا فدائيون وكان مسار اعتزاز المغفور له الملك حسين قوله نحن الفدائي الاول ما أحوجنا الى كرامة اؤلئك الابطال الشهداءوالراحلين الكبار رموز انتصار الكرامة التي كرست اللحمة الاردنيه الفلسطينيه والعلاقات الاخوية المتميزه.

وردت الإعتبار الى العسكرية العربيه وفرضت الثورة الفلسطينية الرقم الصعب في معادلة الصراع بالشرق الأوسط وفرضت معركة الكرامة نفسها كقضية بحث ودراسة في الاكاديميات العسكرية وكسرت صلف دايان الذي كان أمام اصعب امتحان حينما سؤل ماذا دهاك وانت القائل نستطيع الوصول الى ما تصل اليه الفانتوم منتصرا حسب تصريحاتك فأجابهم قائلا: ماذا افعل اذا من هم امامي قد قرروا الموت انهم لو فعلوا عكس ذلك لقضي الامر وزاد بالقول ان من يضع يده في بيت الدبابير عليه ان يتحمل لسعها بل ذهب الى ابعد من ذلك بعد العمليات الكبرى التي تبعت معركة الكرامة كالحمة والسعديات والأرض الطيبه وتوربيدات البنقالوم قائلا على الصهاينه ان يسعوا جاهدين لتوسيع قبورهم ومن هنا بدأت المؤامرة على وحدة الجهد الفلسطيني الاردني .التي كادت لولا حكم الكبار ان تنجح في تدمير العلاقة الى الابد
كل ذلك من تداعيات معركة الكرامة التي كان فيها وحدة الدم الفلسطيني الاردني حيث من الصعب تجاهل اي قائد اردني أو فلسطيني كان سببا في هذا الانتصار في الخميس 21 اذار 1968 الذي كان صافيا لا اثر فيه للبرق والرعود ولكنه امطر الانتصار العظيم لأمتنا القائد الراحل الكبير مشهور حديثة الجازي رحمه الله مزهوا بالتلاحم الاردني الفلسطيني وكما علق الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله ان فتح انبل ظاهرة وجدت لتبقى فأضاف ابو عمار رحمة الله لتبقى ولتنتصر وكما ذكر المؤرخ ارنولد تويمبي عجبي أن فتح لا تعرف ما تصنع انها لا ترسم خارطة فلسطين فقط بل تتجاوزها بالتلاحم مع الاخرين لرسم خارطة الشرق الاوسط وبالفعل ما احوجنا الى وقفة جاده وقرأة متأنيه لمعرفة كيف تمت مصادرة انتصاراتنا في وقت يحّول العدو هزائمه الى انتصار كما في الكرامة وحرب اكتوبر وان ندرك ابعاد الصراع ونضع الاولويات وان تثق بحجم قدرات شعبنا واستعداده الدائم للتضحية بالنفس والنفيس شريطة توفر الوعي الجماعي وثقافة المقاومه ونحن مدرسة ثقافة المقاومة .

وما احوجنا الى الحمية الوطنية والى شجاعة الموقف ووضوح الرؤيا لمواجهة جدار الفصل العنصري الذي يلغي فكرة الدوله الفلسطينية ومواجهة تهويد القدس الذي يهدد الهوية والعقيده الاسلامية والمسيحية باعتبارها بوابة الارض الى السماء اولى القبلتين وثالث الحرميين ومسرى سيدنا محمد ( صلعم ) وعروجه الى السماء ودرب الآلام لسيدنا المسيح وصعوده الى السماء ما احوجنا الى مواجهة العدو الذي استخف بالعالم اجمع بفعل تحالفه الاستراتيجي الوحيد مع الولايات المتحدة الامريكية الذي تنظر الى المنطقه بعيون اسرائيلية ولا يهمها الا اسرائيل وأمنها ومصالحها في وقت تتجاهل مصالحها في منطقة حيوية هامة تشكل مخزونا للطاقة شريان الصناعات الحديثة ومتجاهلون اهمية الموقع الجغرافي والوحدة المتجسده باللغة والعقيده والتقاليد من المحيط الى الخليج
لعلنا بصدد كرامة في هذه الحقبه غير قابلة للانتكاس بعد ان انتهى الحال الى ما هو عليه من تهديد واضح وصريح من كل اعداء امتنا بعد سقوط الرهان على وهم التسوية وظهور نتنياهو وكانه الحاكم الفعلي للإدارة الامريكية يوم صفق له الكونغرس طويلا وهو يتناقض مع رؤية بوش للسلام وكذا تصريحات اوباما حول حسم النزاع في الشرق الاوسط الامر الذي أطلق العنان للخيال الاسرائيلي المريض بأنه القوه التي بإمكانها التحكم في مصائر دول وشعوب منطقة الشرق الاوسط بإعتباره يحكم الحزبين الجمهوري والديمقراطي وكأنه السيد المطلق في امريكا اذ لا تنمية ولا صناعة ولا حياة ولا اية مبادرة تتعارض والرؤية الاسرائيلية لدول وشعوب المنطقه.

الأمر الذي يفرض على من يرفضون هذا العدوان السافر وهذا الواقع الفاسد ان يفتشوا على كرامة من نوع جديد وابداع فلسطيني يتجلى في الاوقات الصعبه على شاكلة الكرامة وان اختلفت الظروف وعلى شاكلة اطول اضراب في التاريخ قام به شعبنا ضد الانتداب البريطاني1936 او الانتفاضة الكبرى عام 1987التي اسقطت حاجز الرعب واقتحمت القاموس العصري بمصطلح الانتفاضة وان اختلفت الاساليب خاصة وقد بالغت اسرائيل بجرائمها وتراجعت الى المقاعد الخلفية من اهتمامات العالم الذي يتأكد بأنها عبء على اصدقائها وبأنها سبب عدم الاستقرار واداة التفجير لمصالح العالم في شرقنا الاوسط وقد تصل الى نهاياتها المحزنه اذا ما حدثت صحوة عربية وانتصبت قيم اخلاقية لدى صناع القرار او استحضار مناخات الكرامة . إن الصمود الاسطوري لشعبنا الفلسطيني بكافة اماكن تواجده رغم التنكر لانسانيته احيانا من البعض ومواجهته لالة التدمير والاسلحة الحديثة والمحرمة دوليا المستخدمة من اسرائيل ورغم كل ذلك احتفاظه بمكانته المرموقة دوليا بإعتراف 132 دولة وهو يقف على ابواب الامم المتحده لنيل الاعتراف بعضوية الدولة الكاملة طال الزمان او قصر يتطلب في اجواء ومناخات ذكرى الكرامة الخالدة استراتيجية من طراز جديد تأخذ بعين الاعتبار بسالة شعبنا واستعداده الكامل للتضحية من اجل التخلص من الاستبداد والعبودية والممارسات العنصرية التي فاقت حد الوصف من حكومة التطرف وقطعان المستوطنين وكلابهم وخنازيرهم البرية الأمر الذي يتطلب ترتيب بيتنا الفلسطيني الذي هو سر النهوض والقوه حيث اذا كان في حالة مثالية يمثل مغنطيس جاذب لرفع منسوب التضامن العربي والدولي خاصة في حال استهداف القدس ونحن نعرف مكانتها الروحية لساكني هذا الكوكب وما تمثل من اشعاعات روحية لحملة العقيده على طول وعرض الكرة الارضية ويجدر بنا ونحن اصحاب تجارب ثورية أن نخضع العالم الذي يتحدث عن الحرية والديمقراطية والتنمية والسلام وحقوق الانسان ويدعم الربيع العربي على هذا الاساس أن نسأل اما آن للربيع الفلسطيني الذي بدأ منذ الخمسينات تنظيما ومنتصف الستينات كفاحا مسلح ويتواصل صعودا وهبوطا بأشكال مختلفة وفق سياسة صائبة ودبلوماسية رشيقة

ينتهي بتحقيق الحلم بالدولة والقدس عاصمة وحقنا في تقرير المصير ؟الا يحق لنا ان نسأل الداعين لمكافحة الارهاب اليس الاحتلال الاسرائيلي لارضنا هو اعلى اشكال الارهاب؟؟!! ولماذا السكوت عنه أين المجتمع الدولي من قرارت الشريعية الدولية ومجمل الاتفاقيات التي نكرتها اسرائيل ان الصمت على جرائم اسرائيل يبقي شهيتها مفتوحة على مصادرة الاراضي وزج المناضلين في غياهب السجون وسن ؟القوانين الجائرة وممارسة العقوبات الجماعية بهدم البيوت والاستيطان والجدار وتهويد القدس والترانسفير والوطن البديل وعليه لا بد من وأد حلمها وافقادها شهية مواصلة العدوان عبر استخلاص العبر والاستفادة من دروس معركة الكرامة كتجربة متميزه
المجد والخلود لشهداء الكرامة الذين كرسوا البعد القومي للقضية الفلسطينية
بقلم عباس زكي
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح
مفوض العلاقات العربيه والصين الشعبية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت