تولوز والشماعة الفلسطينية -1- /رشيد شاهين

منذ قامت دولة الكيان الغاصب استنادا إلى وعد بلفور، وليس وعد الله كما يدعي غلاة الصهاينة ومن والاهُمْ، ومنذ تشريد الشعب الفلسطيني، شُنٌتْ هجمات كبيرة وقاسية، جرائم فظيعة وغير مبررة حدثت، ودماء غزيرة سالت في كثير من بلدان العالم، كلها كانت ترتكب تحت شعارات ورايات مختلفة باسم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

فالانقلابات العسكرية التي كانت تقع في هذا البلد العربي أو ذاك، كلها كانت تقوم من اجل تحرير فلسطين من العصابات الصهيونية، ووقف التنمية والتطوير في تلك البلدان، كان أيضا يتم تحت شعار عسكرة الاقتصاد استعدادا للمواجهة وتحرير فلسطين، ونهب البلاد والفساد المالي والإداري، يجري تحت شعار الأمن القومي المهدد من دولة الاغتصاب في فلسطين، وقمع الحريات وزج الأحرار والتقدميين والوطنيين في غياهب السجون، والإعدامات وعمليات القتل والسحل والمطاردة والنفي من الأوطان، والمنع من العمل والتجويع والإذلال، كلها كانت تجري أيضا باسم فلسطين وتحريرها من البحر إلى النهر.

التيارات الإسلامية المختلفة، وقفت تاريخيا ضد ما هو تقدمي وثوري ووطني، واصطفت في العادة إلى جانب الأنظمة القمعية، وتآمرت معها على قوى الشعوب التحررية، وارتبطت بعلاقات مشبوهة مع دول الاستعمار الأجنبي.

نشطت تلك التيارات خلال ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن، وخاصة خلال ما قيل في حينه عن حرب ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وهي في تلك الحرب كما كان واضحا، كانت تتآمر على القضية الفلسطينية، ويعلم الجميع كيف كانت تقوم بتجييش الشباب العربي "الذي تملأه الرغبة في القتال ضد إسرائيل"، من اجل حرف مساره والدفع به إلى أفغانستان، من اجل ما تقول إنه محاربة " الإلحاد والكفر"، وكأن إسرائيل دولة الإيمان والتوحيد، وكانت النتيجة التي يعرفها الجميع عن دولة أفغانستان التي صارت من أكثر الدول تخلفا وجهلا، كما المصدر الأول للأفيون والحشيش، في ظل عصابات متنازعة متصارعة تدعي جميعها الإسلام وتتبناه.
خلال العقدين الماضيين، تبنت التيارات "الإسلامية" ممثلة بالقاعدة ومن لف لفها، العديد من العمليات الإرهابية في الشرق وفي الغرب وفي كل مكان في الدنيا، راح ضحيتها آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، وكانت الذروة في تلك العمليات "غزوة مانهاتن" التي سقط فيها برجي مركز التجارة العالمي، وهذا ما أدى إلى احتلال أفغانستان والعراق، وقتلت التنظيمات "الإسلامية" في العراق تحديدا، أضعاف أضعاف ما قتل في العالم اجمع.

مهووس بالقتل في تولوز
كما تمت الإشارة، أعمال كثيرة كانت ولازالت تتم باسم فلسطين، وآخر تلك الأفعال، ما قام به مهووس فرنسي من أصل جزائري، حيث قتل ثلاثة أطفال ومدرس من اليهود الفرنسيين، وقال انه فعل ذلك انتقاما لأطفال غزة. هذا الادعاء غير صحيح وليس فيه أي قدر من الدقة، فهو وخلال الحوارات التي كانت تجري معه من قبل الشرطة الفرنسية، وبحسب مراسل قناة العربية، قال بأنه "كان يخطط لقتل ضابط من خلال قنصه، كما كان يخطط لقتل شرطيين آخرين، بنفس الطريقة، وانه كان سيستمر بالقتل دون توقف"، ومن المعلوم انه قام بقتل ثلاثة جنود فرنسيين من أصول افريقية ومسلمين لما قال انه انتقاما لتدخل فرنسا في أفغانستان.

إسرائيل ترد بشكل هستيري
إسرائيل التي استغلت الحادثة إلى ابعد مدى، حيث صالت وجالت في كل الميادين، منددة بالعداء الذي يواجهه اليهود، كما نددت بشكل هستيري بالتصريحات التي صدرت عن مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، رافضة الربط أو المقارنة بين ما حدث في تولوز وبين ما يجري في غزة، هذا الموقف المتشدد من قبل إسرائيل جاء على خلفية العقلية العنصرية التي "تعشعش" في الذهنية الصهيونية التي تنظر إلى اليهودي على انه أفضل من الآخر، وان الرب اختاره "الشعب المختار"، وان جميع البشر "غوييم"، أغيار،غرباء، وهم ليسوا سوى مخلوقات لخدمة اليهود ليس إلا.

ردة الفعل "المجنونة" جاءت، لان آشتون بفعلتها وتصريحها، إنما ذكرت العالم بالجرائم الصهيونية ضد أبناء فلسطين، وخاصة الأطفال منهم في قطاع غزة، بغض النظر فيما إذا كانت لديها النية القيام بذلك أم لا، إلا انها كانت النتيجة الطبيعية لتصريحاتها، وهذا ما أثار حفيظة القيادات الصهيونية التي تنبهت إلى ذلك.

تراجع آشتون والاتحاد الأوروبي أمام الهجمة الإسرائيلية
لم تتوان آشتون عن الإعلان وتوضيح المسالة وانها لم تقصد بحال من الأحوال انها أرادات المقارنة بين ما جرى في تولوز وبين ما يجري في غزة، وكأنها تريد التأكيد إن الدم اليهودي مختلف، لقد أرادت أن تقول انه دم نقي أكثر من نقاء الدم الألماني كما أراد أن يقول هتلر، ولم يقتصر الأمر على آشتون نفسها، لا بل سارع الاتحاد الأوروبي إلى إصدار بيان يوضح فيه الأمر، ويؤكد على سوء النية لوكالة الأخبار التي نقلت الموضوع، وانها "أي الوكالة" شوهت التصريح "الآشتوني"، وان الاتحاد يعلم الفرق بين ما جرى في تولوز وبين ما يجري في قطاع غزة، وانه لا يمكن المقارنة، لان هذا دم يهودي، مختلف ومميز، دم له علاقة بشعب الله المختار، وهذا له علاقة بدم شعب آخر "غوييم" غرباء، عليهم فقط خدمة اليهود وتقديم فروض الولاء والطاعة والعرفان بالجميل.
ما جرى في تولوز، لا علاقة له بقضية فلسطين لا من قريب ولا من بعيد، ومن ارتكب جريمة القتل في تولوز لا يمثل الشعب الفلسطيني، وهي عمل فيه من الإساءة إلى القضية الفلسطينية أكثر مما يمكن أن تستجلبه من خير، خاصة في الوقت الذي تقف فيه دولة الاحتلال مع حليفتها أمريكا في مواجهة العالم منذ العدوان على غزة قبل ثلاثة أعوام، حين شاهد الحرب "حية على الهواء" والجرائم التي ترتكب بحق أبناء فلسطين.

في الواقع العملي، إسرائيل كانت ولا تزال بحاجة إلى المزيد من العمليات التي تشبه عملية تولوز، من اجل إعادة الحملات التي تمارسها لابتزاز الغرب في قضايا تتعلق بالعداء للسامية، واستجلاب المزيد من العطف على دولة العدوان.

فلسطين التي كانت وما زالت عنوانا للكثير من المهووسين، والمزايدين عليها، وشعارا تتم المتاجرة به، ليست بحاجة إلى مثل هذه الأعمال، وهي ليست بحاجة إلى أي من الخطب الرنانة التي تكرر شعارات محو دولة الصهاينة عن الخارطة، لأننا نعلم كم هي مخادعة وواهية تلك الشعارات وهي غير صادقة، وهي لا تخدم أحدا سوى دولة العدوان، التي تقوم بابتزاز العالم اثر كل تهديد يصدر حاملا مثل هذه المضامين من اجل مزيد من التسليح والتمويل والسيطرة والقوة. و قد دفع أبناء فلسطين وقضيتهم العادلة ثمنا غاليا لكل الشعارات "الرنانة" التي كانت ولا زالت تستخدم باسم فلسطين، ونعتقد بأنه حان الوقت للتوقف عن ذلك والى الأبد.
22-3-2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت