نحو تعليم قانوني فلسطيني أكثر حداثة و أعمق أثراً ...

بقلم: إبراهــيم أبو شـــمالة

التقدم المهول الحاصل فى مجال التعليم القانوني فى أنحاء المعمورة يستدعى منا نظرة جادة و معمقة للوقوف علي التحديات التي تواجه التعليم القانوني فى كليات القانون الفلسطينية والرؤي المستقبلية للتطوير و الإستفادة من الخبرات والتجارب الإنسانية ومواكبة العولمة في المجال التعليمي أسوة بالمجالات الاخرى. فمن غير الخافي أن الوضع الراهن للتعليم القانوني في فلسطين و المنطقة العربية و على الرغم من توفر الكوادر الأكاديمية المؤهلة تأهيلا عالياً و الكليات ذات السمعة الطيبة لا زال يراوح مكانه و يعانى من خلل بنيوى إنعكس على مستوى جودة الممارسة المهنية خلال العقدين الأخيرين، خصوصا ان طرائق التدريس المتبعة لا زالت تعتمد أسلوب التلقين و الذي لم يعدد مجدياً البتة في الوقت الراهن ولا يقدم كوادر مؤهلة للتعامل مع مقتضيات العمل القانوني.

فلا مناص إذاً من المكاشفة و إعادة النظر فى البرامج الأكاديمية المتاحة حاليا و إستلهام أحدث الاساليب في تعليم القانون وإجراء استكشاف شامل للتعرف علي نقاط القوة والضعف ، نخلصُ من خلالها إلى وضع استراتيجية شاملة لتطوير التعليم القانوني وبحث توفير التأهيل اللازم للتحول الي الاسلوب الجديد واعداد الرؤية الشاملة لعناصر الاداء التدريسي الامثل في مجال القانون والمصادر التي استندت اليها مع إبراز عناصر التطوير في الرؤية الشاملة للاداء بما يستلزم طرح رؤية التطوير علي أعضاء هيئات التدريس و توفيرالعوامل اللازمة لتنفيذ هذه الرؤية بما يكفل نجاحها فى التطبيق.

و لابد لفكرة التطوير أن تنبع من ايمان لدى جمهورالأكاديميين بوجوب المبادرة لتحديث البرامج و الخطط الأكاديمية لتدريس للقانون بصفة دائمة ، بحيث يكون مواكبا لأحدث البرامج في الجامعات حول العالم، و من هذا المنطلق فلابد لإدارات الكليات من الاطلاع علي البرامج المماثلة في الجامعات الأخرى فى العالم من خلال برامج التبادل الأكاديمي، للتعرف علي كيفية تغلبها علي الصعوبات التي قد تكون مرت بها، و كيفية تناول هذه الجامعات للمستجدات الجديدة والحديثة للنظر في مدي إمكانية تطبيقها في كليات القانون لدينا بما في ذلك التعليم التفاعلي و نظام المحاكم الصورية والعيادات القانونية كما يتوجب منح الفرصة لأعضاء هيئات التدريس للاطلاع علي خبرات أساتذة آخرين من جامعات دولية وعربية بما سينعكس علي أداءهم.

تجربة كليات القانون الفلسطينية في تنمية المهارات العملية والتدريب لدي الطلبة و إن كانت فى مراحلها الأولي إلا أنها جديرة بالإهتمام لجهة قابليتها للتطور و البناء على ما تحقق و لكن تحتاج لمزيد من المثابرة و الإستدامة، فعلى الرغم من اهمية الدراسات النظرية في تكوين الطلبة تكويناً علمياً وتزويدهم بالمعرفة والمعلومات القانونية الا ان النقص يظل ماثلاً في كيفية تحويل هذه النظريات والقواعد العامة الي مجال التطبيق ولذلك سعت الكليات و بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الي العمل علي التركيز علي ربط الإطار النظري للدراسات القانونية بالتطبيق العملي الإكلينيكي واعطاء الطلبة الفرصة المؤاتية لتنمية مهاراتهم العملية بطريقة تؤدي الي تخريج جيل من الطلبة القادرين علي التحليل واستخدام القدرات الذهنية فى التطبيق على الواقع لدى التحاقهم بسوق العمل و ممارسة مهنة المحاماة.

و لكن التحدى لا يزال جاثماً و المشوار طويل لذلك لابد لنا و نحن نضع النجاح نصب أعيننا أن نضع كافة الحقائق على الطاولة و نناقشها بعقل مفتوح، و أول هذه التحديات هو حقيقة أن التدريس في كليات القانون المحلية يتم باللغة العربية وبالتالي يجد الطالب الذي يرغب متابعة دراسته فى احدى الجامعات الأجنبية صعوبة بالغة بل عجز شديد فى التقدم للمنح الدراسية لاكمال تعليمه العالى و حتى لو وفق فى ذلك فإنه يجد صعوبة بالغة في التحصيل العلمي مقارنة مع أقرانه من الدول الأخرى، كما أن عدم المام طلابنا للغة الانجليزية او الفرنسية يحول دون إطلاعهم علي المراجع الحديثة و مواكبة التقدم العلمي المستمر.

و لا بد من الإشارة الى أزمة البحث العلمي القانوني فى كلياتنا سواء من ناحية المنهجية المتبعة أو المراجع المتاحة أو معايير الجودة الأكاديمية أوحتى امتلاك الطلاب لناصية الكتابة الأكاديمية و البحث القانوني لذلك لابد من تبني بعض المعايير التي يمكن تطبيقها لمساعدة الطلاب علي تخطي هذه المشكلة الشائعة ومنها ضرورة تشجيع الطلاب على قضاء وقت أطول فى المكتبات و استغلال أوقاتهم فى الإستزادة و القراءة الحديثة في شتي المواد و العمل على تقوية لغتهم الانجليزية بالدرجة الاولي ومن ثم تقوية لغتهم القانونية وذلك عن طريق التعود علي كتابة الابحاث القانونية واتباع المنهج العلمي الصحيح والتحقق من صحة التدقيق و الإقتباسات لما لها من أهمية بالغة في كتابة الابحاث القانونية على نحو علمي رصين.

و لعل أهم الإضافات التى نحتاجها فى اطار الإصلاح لبرامج التعليم القانوني هو تكثيف تدريس السوابق القضائية و احكام المحاكم نظراً للاهمية البالغة التى ينطوي عليها تدريس السوابق القضائية وتحليلها حيث ان الطالب يعيش حالة إغتراب فيما بينه وبين المحاكم وهذا يعتبر بحد ذاته فجوة كبيرة في تدريس علم القانون ولابد من معالجتها من خلال تضمين أحكام المحاكم والمصادر والكتب القانونية وتحليلها وشرحها الي جانب النص التشريعي وليس فقط الاكتفاء بالاشارة الي رقم وتاريخ ذلك الحكم في الهوامش ، كما أن الأمر يتطلب ضرورة إيجاد آليات تعاون مستدام ما بين كليات القانون الفلسطينية و مؤسسات العدالة و سيادة القانون لخلق الحراك اللازم لدفع عملية الإصلاح و خلق التكاملية فى الأداء.

كما أن إدخال نظام للمعلومات القانونية يحتوي علي أحكام المحاكم و السوابق القضائية ووجود هذا النظام الالكتروني سيسهل علي الطالب البحث في الاحكام القضائية وسيسهل علي الاستاذ تقرير أحكام قضائية و تطبيقات قضائية مختارة كجزء من المنهاج الأكاديمي.

ومن نافل القول أن برامج البكالوريوس في القانون و التى تتضمن المقررات الاساسية التي يحتاجها الطالب لبناء ملكته القانونية يجب أن تحوى مزيج من المعرفة والادراك القانوني من جانب و الممارسة واكتسا ب المهارات التطبيقية من جانب آخر، علاوة على إيلاء الأولوية لاضافة العديد من المقررات الحد يثة والعالمية مثل التحكيم والملكية الفكرية والاستثمار الاجنبي وتشريعات النقل والعمل والبيئة والقانون الجنائي الدولي وقانون التجارة الدولية مما يكسبهم المهارات و الكفايات المناسبة بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل ويتيح المجال امام الخريجين لممارسة العمل علي مستوي محلي ودولي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت