قد يعارضني الكثير في تصوري عن الربيع العربي الذي ما هو إلا تغيير للشخصيات والوجوه مع البقاء على ذات السياسات الممنهجه، التي تسير عليها كافة الأنظمة والحكومات العربية، لكن لا يجب أن ننكر بأن الحركات الاحتجاجية التي قام بها الشباب العربي على الأرض والتي أدت شكلياً بالإطاحة برأس الهرم في كل نظام، هي حركات شعبية ذات أهداف نبيلة تكونت لكي تكون بمثابة العاصفة الهادرة التي ترجع السفينة إلى مسارها الطبيعي.
كم توسم الشعب الفلسطيني في الربيع العربي خيراً وخصوصاً في قطاع غزة الذي لم يختلف الوضع فيه شيئاً قبل الرئيس حسني مبارك وما بعده، وأيضا لم يختلف عليه شيئاً عندما كانت مقاعد مجلس الشعب المصري من الحزب الوطني أو الحرية والعدالة، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن ما يسمى بالربيع العربي ما هو إلا مجرد تبديل للاعبين في نفس اللعبة.
هذه السطور التي أكتبها ليست للحديث عن الربيع العربي رغم أن ما سبق كان كذلك لكن التداعيات التي من المتوقع حدوثها نتيجة لذلك سوف تكون ذات عواقب وخيمة على قطاع غزة، فالتصعيد الأخير خير دليل على أن إسرائيل لا تلتفت لهذه التغيرات الجارية في الدول العربية المحيطة -وخصوصاً مصر- وتضرب بعرض الحائط كما اعتادت كافة الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية، عندما يتعلق الأمر بقطاع غزة.
ولو التفتنا للتصريحات الإعلامية التي يطلقها قادة إسرائيل في الآونة الأخيرة عن أن قطاع غزة أصبح بؤرة إرهابية وأنه يشكل خطرا على الجنوب الإسرائيلي، وأنه أصبح قاعدة إيرانية إرهابية بامتياز، ومن جهة أخرى الخبر الذي تم تداوله عبر وسائل الإعلام عن سقوط ثلاثة صواريخ على ايلات وأن الجهة المسئولة عن ذلك هي حركة حماس، كل هذه الأحداث للأسف لا تبشر بخير أبداً فجميعها كانت مشابهه لما جرى قبيل الحرب الأخيرة على غزة 2008/2009 لكن هذه المرة جاءت أشد وتيرة من سابقتها.
لا أريد الجزم بأن الحرب على غزة باتت قريبة، لكن ما يحكم هذا القرار هو توقيت الضربة الإسرائيلية لإيران، لأن إسرائيل لا تريد بأي حال من الأحوال لن تفتح عدة جبهات في نفس الوقت، الأمر الذي يؤدي إلى تشتت عسكري كبير في صفوف الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً أن الجبهة الشمالية ستكون ساخنة جداً نظراً لحتمية تدخل حزب الله وسوريا في الحرب القادمة على إيران، كونهما حليفين استراتيجيين لها، رغم أن موضوع حزب الله قد يحسم بحرب جديدة على الجنوب اللبناني إلا أن هذا الاحتمال يكاد يكون ضعيفاً.
من يعتقد أن إمكانية شن حرب جديدة على قطاع غزة هو أمر مستبعد، أدعوه للتفكير مجدداً وملياً، والنظر أكثر عمقاً من ذي قبل، والوضع بعين الاعتبار أن كل دولة من دول الربيع العربي منشغلة في وضعها الداخلي ومحاولتها للوصول لحالة من الاستقرار الذي هو بعيد نسبياً من أن تحصل عليه في الوقت الراهن، نظراً للعديد من العوامل والجهات التي من مصلحتها إبقاء الوضع على ما هو عليه، وخصوصاً إسرائيل التي تعتبر القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة هو أمر حتمي، والتوقيت الآن هو الأنسب لقيامها بذلك.
إسرائيل لا تتوانى لحظة عن القيام بحركات استفزازية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وهذه الحركات لا تصب في خانة الهباء أو في خانة تحقيق نجاح لحركة الاستفزاز هذه، وإنما هي بمثانة طريقة لجس نبض المقاومة الفلسطينية ووضعهم في حالة من الغضب والاستفزاز لكي يخرجوا ما في جعبتهم من أسلحة ومعدات جديدة، وبذلك عرفت إسرائيل أكثر عن إمكانيات المقاومة في قطاع غزة، وجعلت منها ذريعة أمام العالم والمجتمع الدولي للتعاطف معها أو على الأقل إعطائها الوقت الكافي للانتهاء من عدوانها على قطاع غزة وتحقيق النتائج المرجوة منه.
المرحلة القادمة لا شك أنها صعبة جداً على قطاع غزة الذي عانى ويعاني الأمرين من ويلات إسرائيل تلك الدولة الإرهابية التي لا تتوانى لحظة في ضربها في كل كبد لها في كل عصب للحياة لها، لكن الإرادة والعزيمة القوية، هي التي تقف عثرة بوجهة هذا الاحتلال، الذي يتمنى في كل لحظة أن يبتلع البحر غزة، التي تسبب له دائما أكبر مصيبة وتحدي لترسانته العسكرية.
بقلم// محمد محي الدين الجرو
كاتب وصحفي فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت