كنا قد وجهنا أسئلة للأديب للقاص عبدا لله تايه بتاريخ 3 2001 بهدف توثيق
تجربة المرحلة التي عاشها الكاتب وهي من اخطر مراحل الأدب الفلسطيني بعد 1967 وحتى لا تضيع هذه التجربة آثرنا نشرها. وقد وجهنا له بعض الأسئلة وكان رده التالي:
1- ما تأثير القمع السياسي على الكتابة الإبداعية ؟
من إحدى نتائج حرب 1967م واحتلال إسرائيل لباقي أراضي فلسطين ، إن عددا كبيرا من الكتاب والمثقفين لم يتمكنوا من العودة حين اندلعت الحرب وهم خارج البلاد ، وبعضهم غادرها في الشهور الأولى بعد الحرب ،وبذلك خلت الساحة الفلسطينية من معظم الكتاب الذين أسسوا لحركة ثقافية وإبداعية قبل الحرب . وقد فرض الحاكم العسكري الإسرائيلي أوامر وقوانين عسكرية على المناطق الفلسطينية المحتلة ومنها قوانين الصحف والرقابة والنشر والتجمعات وغير ذلك مما له علاقة بالنشاطات الثقافية. فقد توزع معظم كتاب مجلة (الأفق الجديد) التي كانت تصدر في الضفة الغربية ،ويكتب فيها عدد كبير من المبدعين ،وخلت الساحة من الصحف والمجلات والمنتديات ومن معظم الكتاب الذين أسهموا في النشاط الثقافي في سنوات الستينيات . وكانت الفترة من عام 19671975قاسية تكاد تكون قد خلت من الأنشطة الثقافية والنشر الإبداعي وغير الإبداعي . ثم صدرت صحيفة القدس اليومية ومجلة البيادر الأدبي وصحيفة الفجر وملحقها الأدبي ثم صحيفة الشعب وملحقها الأدبي كلها في القدس المحتلة بعد قرار إسرائيل بضم القدس إلى الدولة العبرية وأصبحت تتمتع بشيء من الحرية بخلاف باقي مدن الضفة وغزة . وكانت قوانين الرقابة العسكرية تلزم بعرض المادة المنشورة في الصحف والمطبوعات لموافقة الرقيب العسكري قبل صدورها ،وقد ظهرت في القدس داران للنشر ، دار أبو عرفة للصحافة والنشر،ودار صلاح الدين للطباعة والنشر،وقامتا بإصدار عدد كبير من الكتب الثقافية والسياسية وإعادة طباعة كتب صدرت خارج البلاد . ولم يكن من السهولة الموافقة على إقامة ندوات أو تجمعات أو مراكز ثقافية ولا إصدار مجلات تعنى بالموضوع الإبداعي ، وقد نشرت كثير من الأعمال الإبداعية في الصحف مشوهة بفعل حذف الرقيب لأجزاء منها وأحيانا بكل المادة الإبداعية ،وقد تمت ملاحقة الكتاب ومصادرة الكتب على الجسور ومنع استيراد الكتب بكافة أنواعها ثم حاول بعض الكتاب نشر أعمالهم في مجلات داخل خط 48 مثل الاتحاد والجديد ،ثم قامت دار الأسوار في عكا بنشر أو إعادة نشر الكتب الإبداعية والسياسية الفلسطينية . كما لم يشارك كتابنا في التجمعات الثقافية العربية بسبب منعهم من السفر لان مجمل الممارسات والقوانين وحالة الطوارئ المستخدمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة قللت الكتابة المحلية رغم ذلك استمر بعض الكتاب في الكتابة ،ومنهم من سافر للعمل في الخارج بفعل القمع والظرف الاقتصادي السيئ ،ومنهم من انقطع عن الكتابة ،ومنهم من كتب بأسماء مستعارة لبعض الوقت أو لكل الوقت. ولذا يلاحظ الدارس والمتتبع أن بعض الفترات كان يتزايد فيها القمع والرقابة على الصحافة الأدبية وذلك حينما تشدد الأوضاع السياسية الداخلية والإقليمية فيصمت الكتاب ويتوقف معظمهم عن الكتابة والنشر ،وبعضهم يستمر ولكنه يتوقف عن النشر ،وبعض الكتاب صمت عن الكتابة نهائيا وتفرغ لحياته وعمله وبعضهم تحول للدراسة الأكاديمية ونستطيع تحديد سنوات التأزم والأكثر قمعية من 6775 تقريبا وفي الفترة من 8288 تقريبا ونلاحظ أن عددا من الصحف والمجلات الأدبية في هذه الأوقات قد توقفت . وقد استفاد الكتاب من سنوات تخفيف الحركة القمعية لنشر كتبهم المؤجلة .
2- هل كان هناك هامش من الحرية الاجتماعية للتعبير عن أفكارك . وهل كان هذا معوقا للإبداع؟ .
نعيش في مجتمع محافظ تحكمه قيم وعادات وتقاليد وتحكمه أوضاع سياسية واحتلالية وقوانين قمعية ،وعليه كانت الحريات في المجال الاجتماعي محدودة . إن قراءة أعمال الكتاب المصريين الكبار أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم في بداية توجهي إلى الكتابة الإبداعية ،وكذلك الروايات والقصص المترجمة لكبار الكتاب العالميين قد أثرت في توجهي للكتابة الاجتماعية في بداية كتاباتي ،ولكني فوجئت عند اختلاطي بأوساط الكتاب الذين بدؤوا في الفترة نفسها بأنهم لم تتوجه جهودهم لرصد الواقع الاجتماعي وانتقاء نماذجهم من الواقع الاجتماعي المرير والتعبير عنه ،أنهم يعزفون عن تناول هذه الموضوعات ولم يكن الإنسان في حساباتهم إلا السجين والمناضل والفدائي ولم تكن المرأة إلا زوجة للسجين وحاملة للمنشورات وزائرة للسجن أو المتحسرة على ابنها ، ولم يكن من المقبول تناول الواقع الاجتماعي دون دمجه بالسياسي والمقاوم وبذلك ألقت الرؤية السياسية والإعلامية بظلالها على معظم أعمال الكتاب ،وقد زاد الصراخ السياسي على البناء الإبداعي بقدر أو بآخر ، وكنت أرى أن الكاتب لا ينفصل عن مجتمعه ولا معاناته وأن عليه أن يكتب عن كل نموذج يستحق الكتابة أو يمكن أن يطرح فكرة أو قضية اجتماعية ، وليس من وظيفتنا الإبداعية أن نلوي عنق الموضوعات لنضعها في المسار السياسي فقط ،كتبت ذلك في مجموعتي الأولى وروايتي الأولى وبقيت أحاول أن أقدم دائما شكلا جديدا وبناء ا جديدا وفكرة جديدة ولم أتهيب من تناول أي موضوع أو شخصية لكني تحاشيت الدخول قدر الإمكان إلى لغة أو مواقف داخل العمل الإبداعي يمكن أن يساء فهمها من الناحية الاجتماعية أو الدينية أو تشكل خروجا على الذوق العام وهذا ما حد أحيانا من انطلاقي واسترسالي في السرد الإبداعي .
3- ما أهم مشاكل النشر في بداياتكم الأدبية؟
أتممت مجموعتي القصصية الأولى (من يدق الباب)عام 1976م ونشرتها عام 77م وكانت هي المجموعة القصصية الأولى في قطاع غزة بعد 67م وكنت أول من نشر رواية من جيلي من الكتاب سنة 1979م وهي (الذين يبحثون عن الشمس). والنشر في الصحف لم يكن سهلا، فجزء من الصحف لا يهتم بالكتابة الإبداعية وجزء منها كان لا يتمكن من نشرالاعمال الإبداعية لطبيعة الموضوعات المطروحة المرفوضة من الاحتلال والرقيب العسكري الإسرائيلي
ولم يكن في قطاع غزة أية دار نشر ،ملم تكن هناك أية جهة في هذا الوقت يمكن أن يتكفل بطباعة كتابك،فالحركة الثقافية أصلا كانت في بدايتها ،وقد نشرت مجموعتي الأولى بتكاليف مالية عالية مقتطعا ذلك من مصروف أسرتي وكان ذلك في دار أبو عرفة للطباعة والنشر بالقدس،وبالطبع لم يكن هناك أية عوائد مالية أو حقوق للمؤلف ، ولا تزال كذلك بعد مرور أكثر من عشرين سنة على هذا الوضع ، ولم يكن سهلا أن تضبط عدد النسخ التي تقوم دار النشر بطباعتها من كتابك وتسويقها دون إذن منك ،ولم كتبنا تسوق بشكل مرضي ولم تكن تخرج إلى البلاد المجاورة إلا مع مسافرين مهتمين بالقراءة والدراسة ، ونشرت كذلك روايتي الأولى
(الذين يبحثون عن الشمس)أيضا عن دار أبو عرفة للصحافة والنشر في القدس سنة 1979م مقابل أن ادفع جزء من التكاليف ، وتم الاتفاق على طباعة ألف نسخة فقط، وبعد سنوات اخبرني أبو عرفة انه طبع أكثر من ثلاثة آلاف نسخة وباعها ، وقد قام
بطباعة روايتي الثانية (العربة والليل) دون أن ادفع شيئا وجاءت طباعتها بشكل تجاري لتقليل التكلفة على الناشر . بعد ذلك نشطت عدة جهات للطباعة والنشر في القدس ، أما في القطاع فلم تقم أية جهة بهذا العمل ، وذلك لان دور النشر في القدس لا تقع تحت قانون الرقابة المعمول به في الضفة والقطاع. فظهرت دارابو عرفة ،ودار صلاح الدين للطباعة ، وقامت مجلة البيادر الأدبي بنشر عدد من الكتب الإبداعية وكذلك دار الكاتب للطباعة والنشر ،وجمعية الملتقى الفكري في القدس، ومركز الدراسات الذي أنشأه فيصل الحسيني، ودار الأسوار في عكا ،ثم بدا اتحاد الكتاب الفلسطينيين في تبني برنامج للنشر تمكن في هذه الفترة من 1980م—90 نشر عشرات الكتب في القدس،وبدأت انشر كتبي في دار البيادر وفي اتحاد الكتاب ،ودار الأمل للطباعة والنشر . وكان هذا كله بدعم من منظمة التحرير الفلسطينية،وفي الانتفاضة الأولى المجيدة ضعفت عملية النشر بسبب قسوة مقص الرقيب الإسرائيلي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت