ذهبت يوما للمشاركة في نشاط وطني لتعزيز صمود واحدة من البلدات الفلسطينية التي تحاصرها المستوطنات من كل الجهات، والتي تتعرض بشكل دائم لاعتداءات المستوطنين.. وكنت ضمن حشد كبير من مسئولي وممثلي القوى السياسية والهيئات الرسمية والشعبية، حملتنا السيارات واجتزنا الحواجز العسكرية الإسرائيلية كي نلتقي بسكان البلدة، لنستمع إليهم وليسمعونا .. لنشد من أزرهم .. وليعرضوا علينا مشاكلهم..
وصلنا البلدة فلم نلحظ حركة نشطة في شوارعها، بل وكانت تبدوا وكأن شيئا حزينا قد أصابها .. وصلنا مكان التجمع.. وهناك كان بضعة أطفال وعدد لا يتجاوز أصابع اليد من الرجال في انتظارنا، وقد وضعت عشرات الكراسي في المكان، وعدد من اللافتات خلف منصة وضعت خصيصا كي يجلس عليها المتحدثون ( وأنا واحد منهم ).. جلسنا في مقاعدنا وبدأت أجهزة الصوت تعمل وتبث أغان وطنية.. نظرت أمامي إلى الجمهور الجالس على الكراسي، فوجدت أن 90% منهم هم من الجمهور الذي جاء معنا للتضامن مع هذه البلدة.. لم أر إلا بضعة مزارعين وبضع من طلاب المدارس.. انتظرنا بعض الوقت عل وعسى أن يأتي أهالي البلدة لحضور المهرجان، لكن انتظارنا كان مضيعة للوقت واضطررنا للبدء بالمهرجان، فالقينا على الجمهور خمس كلمات شعرت وكأنها يوما كاملا، نظرا لان الجمهور كان جالس تحت الشمس ونحن في الظل.. ولأنني لم الحظ انشداد المستمعين للمواقف التي طرحناها مع أنها كانت خطابات رائعة وقيمة ولو ألقيت في مكان آخر لألهبت الجمهور..
سالت بعض المستضيفين لنا : أين هم أهالي البلدة..؟؟ فقالوا لي : أنهم وجهوا الدعوة للجميع لكن الناس منشغلين بأعمالهم.. لكن واحدا من شباب البلدة ( ويبدو انه استأنس بي ) تقدم مني وهمس بأذني أن معظم السكان لا يعلمون بهذا المهرجان..
كان توقيت المهرجان من حيث التاريخ مناسبا جدا، فهو في ذكرى يوم الأرض الخالد، أما بخصوص الساعة فربما لو كان المهرجان في ساعات بعد العصر-- أي بعد أن ينهي المزارعون أعمالهم في الحقول وبعد أن تنكسر حدة الحر-- لكان بالإمكان ضمان حضور أعداد اكبر من السكان.. ومن حيث المكان فالمكان مناسب جدا جدا .. فالبلدة بحاجة لكل الدعم وللتضامن الدائم معها، لأنها فعلا بلدة منكوبة تحاصرها معسكرات الجيش والمستوطنات، وصودرت أو أغلقت بأوامر عسكرية مساحات واسعة من أراضيها ونهب المحتلون مياهها..
سالت نفسي هل عدم حضور الناس أمر عادي.. أم لأنهم ملّوا من سماع الخطابات واللقاء بالمسئولين.. هل تغيبهم لأنهم لا يثقون بالقيادات العليا أم لأنهم لا يثقون بزعاماتهم المحلية.. وسالت أيضا ماذا لو وصلنا البلدة لنتضامن مع الناس وفي جعبتنا إلى جانب خطاباتنا شيء مادي ( مشاريع تنموية أو مساعدات عينية ) هل يمكن عندها أن يكون الحضور من أهل البلدة أوسع..؟؟
أنا اجزم انه لم يكن في البلدة من أراد مقاطعة المهرجان لأسباب سياسية، ولكني اجزم أن الجمهور بحاجة لشيء جديد نقدمه له.. فالإحباط العام نتيجة غياب الأفق السياسي، وبسبب ممارسات الاحتلال التي تتسبب في تدني ثقة الجمهور بقيادته، والعجز الوطني عن تحقيق انجاز ملموس على طريق التحرر، أو على الأقل على كبح جماح المستوطنين-- الذين يعربدون في طول البلاد وعرضها-- وكذلك الخطابات المكررة التي تعبت آذان المواطنين من كثرة ما استمعوا إليها .. اعتقد أن كل ذلك يضعف من دافعية الجمهور للمشاركة بمثل هكذا أنشطة، حتى ولو وقفت على رأسها اكبر الرموز والقيادات وأكثرها احتراما.
بقلم : خالد منصور
مخيم الفارعة – فلسطين
11/4/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت