المستقبل الفلسطيني بين ردود الافعال والبدائل

بقلم: أكرم أبو عمرو


المتتبع للعمل السياسي الفلسطيني ، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي ، ومنذ فترة ليست بالقصيرة ، يجد أن هذا العمل يتمحور أساسا حول رد الفعل فقط دون الولوج في عمل جاد يقوم على خطط مدروسة قابلة للتطبيق بهدف الخروج من الحالة الراهنة إلى حالة تتناسب والمتغيرات من حولنا بما يضمن إمكانية تحقيق أهدافنا ، أو على الأقل جعل قضيتنا على سلم أولويات القضايا العالمية .

ميدانيا ، واقصد هنا علاقتنا بالاحتلال الإسرائيلي ، نجد أن هذا الاحتلال ما زال يسلبنا حياتنا ، واستقرارنا ، وطموحنا على أرضنا من خلال الانتهاكات المتواصلة على مدار الساعة من اقتحامات ومداهمات للبلدات والقرى والمدن الفلسطينية ، ومداهمة المنازل وتفتيشها ، وشن حملات الاعتقال بين صفوف أبنائنا على مختلف انتماءاتهم ، ومصادرة الأراضي وأعمال التوسع الاستيطاني ، وتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية عبر عشرات الحواجز العسكرية ، وسيطرته على مواردنا المائية وحتى مواردنا الطبيعية ، والموقف حتى الآن لا يعدو عن الشكوى والاستنكار والشجب ، علما بان مثل هذه الاعتداءات تفرغ معنى السيادة الفلسطينية من محتواها ،فأي سيادة هذه وقوات الاحتلال تستبيح كل مكان في أي زمان تريد ، أما نحن فلا نجروء حتى على تنفيذ ما نتفق عليه مثل المقاومة الشعبية على سبيل المثال ضد الممارسات الإسرائيلية واعتداءاتها وما زالت هذه المقاومة محدودة جدا في بعض المناطق ، تبتز إسرائيل السلطة الوطنية ماليا من خلال حجز الأموال الفلسطينية حصيلة ضريبة القيمة المضافة ، نستنكر ونشجب ذلك دون اتخاذ خطوة عملية لمواجهتها ونترك اتفاق باريس الاقتصادي يكبلنا علما بأننا قادرون على إلغائه أو على الأقل الدعوة والمطالبة بتعديله وتحسين شروطه .

داخليا ، واقصد هنا أيضا علاقاتنا الفلسطينية الفلسطينية الداخلية ، فهي علاقات ترصد وتتبع للآخر تحت راية المصلحة العليا للشعب الفلسطيني والحفاظ على الثوابت الوطنية الفلسطينية ، وأصبحت المنابر الإعلامية المختلفة في كل مكان ساحات للردح والقدح لبعضنا البعض ، باستخدام العديد من المصطلحات كالعمالة والتخوين والتفريط وما شابه من أوصاف ، يأتي ذلك على الرغم من عشرات اللقاءات والجلسات والمؤتمرات التي هدفت إلى تحقيق الوحدة الوطنية وعودة اللحمة بين أبناء الشعب ، والالتفات إلى توحيد الجهود وتوحيد الكلمة من اجل النهوض بقضيتنا في هذا العالم الذي يتخبط من حولنا ، ومواجهة عدونا بين ظهرانينا .
إن حالة كهذه تصيب شعبنا إذا ما استمرت أو سمحنا لها بالاستمرار ستجعل السلطة الفلسطينية في النهاية جسما هلاميا قابلا للتلاشي في ابسط الظروف ، بدلا من أن يتم ترسيخها وتعزيزها لتكون الأساس المتين لدولتنا الفلسطينية التي ننشدها .

إن مثل هذه الظروف التي تحيط بالأراضي الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تدفع العديد من القيادات الفلسطينية إلى التفكير في حل السلطة الوطنية الفلسطينية والتهديد بذلك من جهة ، من جهة أخرى هناك الكثيرون لا يشعرون بالملل من الدعوة إلى حل السلطة .

في اعتقادي أن السلطة الوطنية الفلسطينية ، هي انجاز وطني فلسطيني من اجل تنظيم شعبنا في الداخل ، بدلا من تركه فريسة للاحتلال ، و أن المناداة أو الإعلان عن التفكير في حل السلطة لا يخرج عن طور ردود الأفعال في ظروف طارئة ، ربما بهدف تشكيل ضغط ما على إسرائيل ، والسبب أن وجود السلطة تتحكم فيه شبكة من العوامل الدولية والعربية والمحلية ، في كل الأحوال لا ينبغي التهديد أو التلويح بهذا الأمر ، بل يجب الحفاظ على هذا الانجاز ، ولنعلم بان إسرائيل سوف لن تبالي ، فمكاتب الإدارة المدنية التابعة لها ما زالت موجودة ، سواء ما يخص قطاع غزة أو الضفة الغربية ، وما زالت تعمل ، وهي التي تشرف على إصدار بطاقات الهوية وتسجيل شهادات الميلاد والوفاة وجوازات السفر ، هي مكاتب جاهزة للانتقال إلى المدن الفلسطينية في أي لحظة .

إن السبيل للخروج من هذه الحالة هو باعتماد خيارات وبدائل قابلة للتطبيق بدلا من التلويح بين الفينة والأخرى بحل السلطة وأول هذه الخيارات هو تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية والذهاب بسرعة إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، والانطلاق بسرعة إلى إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية حاضنة الكل الفلسطيني ، والاتجاه إلى بناء الإنسان الفلسطيني وتنميته ، واستغلال إمكاناتنا المتاحة لمحاولة التخلص من سيف المساعدات الخارجية لشعبنا ، فكيف ستكون لنا دولة وما زالت رواتبنا تأتينا عبر تسولنا واستجدائنا عندها سوف يتسنى للشعب الفلسطيني تحديد ورسم سياساته تجاه المواجهة مع إسرائيل ، وتجاه مخاطبة العالم ، ومواصلة طرق أبواب الاعتراف بدولتنا في المنظمات الدولية ، ولا ننسى مقاومتنا للاحتلال بأي شكل يتم التوافق عليه .

أكرم أبو عمرو
عزة – فلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت