الجدل الدائر حول زيارة مفتي مصر الشيخ علي جمعة الى مدينة القدس وإلباس الموضوع صبغة دينية، ومحاولة الزج والمقارنة بين فتاوى الشيخ القرضاوي وقطر، وفتاوى وزير اوقاف السلطة الفلسطينية محمود الهباش في القضية هو الهروب من القضية المثارة، فالزيارة سياسية بامتياز.
وما يثير الغضب والحزن حول عدم الفهم والمعرفة الكافية لدى الكثيرين من المشايخ وبعض السياسيين والكتاب والصحافيين في مصر حول الممارسات الاسرائيلية في مدينة القدس من تهجير وتهويد للمدينة والانتهاكات اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيين عامة والمقدسيين خاصة في مدينة القدس وحرمانهم من حرياتهم الدينية.
إلا ان الجدل والنقاش في هذا القضية سواء كان عربيا ومصريا أو فلسطينيا فتح الباب على مصراعيه على فضيحة الدول العربية وموقفهما من اسرائيل والتطبيع معها وقبولها، وكذلك موقف السلطة الفلسطينية والدعوة التي اطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمسلمين والعرب لزيارة القدس المحتلة لكسر الحصار الاسرائيلي المفروض عليها وحصر القضية في مساعدة اقتصاد سكانها الاصليين الذين يواجهون ظروفا صعبة لتناقص عدد الزوار.
الواقع ان زيارة المفتي او غيره من المشايخ و الزوار تسيء لنضال الفلسطينيين ومدينة القدس، وإسرائيل هي المستفيد الوحيد من تلك الزيارة وتستثمرها بشكل دعائي لتؤكد للعالم ان المدينة المقدسة مفتوحة لجميع الديانات خاصة العرب المسلمين.
السلطة الفلسطينية وحركة فتح للأسف رحبتا بالزيارة واعتبرتها كسراً للحصار المفروض على المدينة كما ذكر الناطق باسم حركة فتح احمد عساف الذي قال: “هذه الزيارة تمثل كسرا للحصار المفروض على المدينة من قبل اسرائيل التي تهدف الى تصفية الوجود العربي والإسلامي من هذه المدينة المقدسة، وان الزيارة ترفع من معنويات الشعب الفلسطيني وتعزز من صموده في مدينة القدس”.
وأضاف عساف “هذه الزيارة تؤكد لـ اسرائيل وحلفائها وللعالم اجمع ان القدس مدينة عربية وإسلامية، وانها تخص كل المسلمين وليس فقط الشعب الفلسطيني كما ان اسرائيل تحاول التعامل بقسوة مفرطة وقوة باطشة مع الفلسطينيين في القدس لقهرهم”.
ترحيب السلطة وحركة فتح يدل على طبيعة الاستراتيجية التي تقوم بها، وهي مصرة على ان تكون مستسلمة وقليلة الحيلة امام استمرار الاحتلال وإجراءاته وممارساته اليومية الانتقامية ضد شعبنا من عدوان يومي واستيطان وتهويد وتهجير وحصار واعتقالات واقتحامات للمدن وغارات وحشية وإرهاب وحواجز وإذلال وإهانة كرامة الفلسطينيين.
ان ما تقوم به السلطة الفلسطينية لتعزيز صمود الفلسطينيين في مدينة القدس هو مصيبة وفضيحة، في ظل غياب الاستراتيجية الفلسطينية ووضع الخطط اللازمة والموازنات المالية لتعزيز صمود المقدسيين ومواجهة ما تقوم به اسرائيل لا يتوقف على الترحيب بزيارات جماعية وفردية تعمق من مصيبة القدس ولن تقدم شيئاً سوى المزيد من التطبيع بين الدول العربية واسرائيل.
والحقيقة هي الفضيحة الكبرى في الإهانة التي وجهتها السلطة للفلسطينيين في استمرارها استجداء المفاوضات وإرسال ما سمي بأم رسائل لعودتها للمفاوضات، وهي اساءة كبيرة لسمعة شعبنا ونضاله، في ظل استمرار اسرائيل في مشروعها الاستراتيجي لتهويد القدس وتنفيذ خططها ببناء المستوطنات وتوسيع رقعة الاراضي المصادرة وتهجير ومحاصرة وتصفية الوجود الفلسطيني فيها.
كسر الحصار الاسرائيلي المفروض على مدينة القدس وتعزيز صمود اهلها لا يتم بالترحال والرحلات السياحية بعد حصول الزوار على التأشيرات من السفارات الاسرائيلية الموجودة في العواصم العربية والمرور عبر المعابر الاسرائيلية ودفع الرسوم لها والمبيت في فنادق إسرائيلية، فالمرتحلون للقدس سينفقون مالهم لصالح الفنادق والمحال التجارية الاسرائيلية، وليس لسكان القدس الأصليين.
تطبيع الرئيس والمفتي ليس كسرا للحصار، كسر الحصار يتطلب وضع استراتيجية عربية بمقاطعتها وإغلاق سفاراتها ومكاتب تمثيلها السياسية والتجارية ومواجهة اسرائيل وعزلها سياسيا واقتصاديا ووقف كل اشكال الاعتراف بها والتطبيع معها بكل الوسائل.
والامتحان الحقيقي لنا نحن الفلسطينيين هو اتمام المصالحة، ووضع استراتيجية فلسطينية موحدة لمقاومة اسرائيل وعزلها ومقاطعتها، بدل من تطبيع عباس ودعوته للعرب والمسلمين لزيارة القدس وتثبيت سيادتها عليها وشرعنة احتلالها ورفع المقاطعة والعزلة عنها.
20/4/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت