لماذا قرر أحمد أخيراً التضامن مع الأسرى؟!/ سيف سليم

أحمد ذو الملامح العربية شاباً في أواخر العشرينيات من عمره، هوَ فلسطيني الجنسية ويؤمن بأن له وطناً اسمه فلسطين، أحمد يعمل في إحدى المؤسسات الحقوقية الأجنبية المدافعة عن حقوق الإنسان ومهمته في المؤسسة هي أرشفة وإحصاء.

وكعادته يخرج كل صباح إلي مكان عمله حيث يجلس هناك خلف مكتبه يدور، يبحث، يدون، يسجل، يرصد، يكتب، يخزن، يحفظ، يعنون، يرقم، وأخيرا يؤرشف، أحمد أحياناً يكون لديه المتسع من وقت الفراغ في عمله وبالعادة يذهب إلي حاسوبه ليتصفح الانترنت والفيسبوك ليحاكي أصدقائه.

وخلال تصفحه لموقع الفيسبوك ذات مرة، دار حوار بينه وبين صديقه محمود الذي يقبع والده بالأسر.
محمود: مرحبا أحمد
أحمد : أهلا محمود كيف حالك؟
محمود: الحمد لله تمام كيف أمورك أنتا؟
أحمد: بخير ماشي الحال، كيف الوالد وشو الأخبار عنه
محمود: والله إلنا فترة ما سمعنا أخباره يبدو أنهم نقلوه لسجن أخر
أحمد: الله يكون بعونكم ويصبركم ويسمعكم الأخبار الحلوة عنه
محمود: تسلم صديقي أحمد الله يخليك، أحمد وين ما بنشوفك في فعاليات الأسرى يا حقوقي أنتا؟
أحمد: والله مثل ما أنتا عارف يا صديقي مشغول كثير في العمل
محمود: أها الله يكون إلك معين
محمود يحدث نفسه ويقول "سبحانك ربي قال مشغول قال لسه قبل يومين شايفك بتهلل في الشوارع وبترمي مفرقعات بعد ما انتهت لعبة ريال مدريد وبرشلونة! والله صحيح صدقتي يا ستي ما بحس في الألم إلا اللي اله فيه".

وبينما أحمد في البيت جالساً يتابع التلفاز ويشاهد أحوال البلد، جاء خبر عن الأسرى واللقاءات التي تدور مع من يتواجدون في خيمة التضامن، أحمد تحمس للمشاركة بتلك الفعاليات وقرر أخيراً التضامن!

في الطريق إلي خيمة التضامن يبدو الطريق ملتفاً!
وعند وصوله كان المكان يزدحم بالشخوص وضجيج المايكروفونات علي ما يبدو أن هنالك إعلام في الخيمة! وأحمد يَسيل لعابه راح يهرول باحثاً عن إحدى الكاميرات ليتلقط مقابلة تلفزيونية! وأحمد وَجد مناه فقال لإحدى القنوات: "أنا حزين جداً وثمة شعور قوي يراودني وأشعر بالخيبة لأنني عاجز عن فعل أي شيء للأسرى، لكن اصبروا وتماسكوا أيها الأبطال فالطريق إلي الحرية أصبح قريباً"!

أحمد عاد لمنزله لينشر بطولاته الشرسة علي الفيسبوك! وبينما محمود يشاهد صفحته فأعجب بحكمة كتبها أحمد علي صفحته قال فيها "الحرية تحتاج إلي تضحية وبقدر التضحيات تأتي النتائج"، يقول محمود محدثاً نفسه " يااااااه كم أنت سخيف أيها الأحمد اللي شافك اليوم ما شافك مبارح"!

أحمد والأحمدات كثير! أحمد لا يلام لعزفه علي أهات المكلومين وجراحات المألومين فالواقع أشد وطئا فيما يغرق به الشارع الفلسطيني المزري فأحمد هو مواطن عادي وإن كان حقوقي ولكن الفاجعة الكبرى التي تحطمنا هم أصدقاء أحمد من القيادات وعاشقو الكاميرات الذين يأتون ليرموا بكلماتهم وينصرفوا! وكأن مهمتهم هي الحديث فقط وكما هو معلوم الاسطوانة المشروخة ذاتها تدار! فأن تخرج بالهتاف والصراخ ليل نهار لن تعيد القدس ولن تحرر الأسرى!

في الواقع ما يجري في الشارع من خمول سواء على المستوى الجماهيري أو القيادي هو بمثابة خطر حقيقي يهدد قضايانا وإن الالتفات للمشتتات هو ما يبغاه المحتل، وربما قد نلاحظ جلياً بأن المتضامنين الأجانب باتوا يحضرون بقوة أكثر منا نحن كفلسطينيين وهذا شيء يخجل منه الفرد ابن الوطن نفسه أن يكون الغريب أكثر تضامنا من القريب!

وبطبيعة الحال في ظل وجود الأزمات الخانقة و اكتراث المواطن بهموم حياته وواقعه المرير، لكننا نعيش بلا زنازين ولا سجان وجلاد! بينما الأسرى مضربون عن الطعام وحياتهم في خطر وثمة ما يستدعي لأجلهم الوقوف والنهوض فلا حول لهم ولا قوة لهم غير الله وأنتم! فالعرب الكثير منهم مشغولون في وجبات الهمبورجر وتوسيع كروشهم ومشاهدة برامج عرب أيدول وجيت تالنت وحضور المباريات!

يقول درويش: "يا دامي العينين والكفين،، إن الليل زائل،، لا غرفة التوقيف باقية،، ولا زرد السلاسل"!
أما نحن فعلينا تكثيف الجهود وتوحيد الأيدي وترتيب أبجديات الأمور بشكل فاعل وإيجاد وسائل وطرق أكثر تأثيراً علي الصعيد الفلسطيني والعربي لتدوير قضية الأسرى وباقي قضايانا للضغط علي الاحتلال بيد قوية لا هشة، أم هل ستبقوا تنوحوا لحين مجيء موتهم اللا مقدر ومن ثم تخرجون لتولولوا؟!

سيف سليم إعلامي مقيم في غزة
[email protected]

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت