التفكير على الطريقة الأمريكية في اسرائيل أصبح سمة مميزة. فالفكر الأمريكي هو الذي يوجه المجتمع اليهودي الإسرائيلي في سياساته تجاه هنودنا الحمر (الفلسطينيين). لماذا لا نكون مثل البيض في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا الذين تخلصوا بدرجات متفاوتة من سكان هذه البلاد الأصليين الذين كانوا يعيشون فيها قبل أن يأتي إليها هؤلاء البيض من أوروبا، ومع ذلك يحظون بإعجاب العالم؟ لماذا لا ينسى العالم لنا أننا نحتل أراضي شعب آخر رغم أنه نسي ذلك بالنسبة للبيض في أمريكا وكندا وأستراليا وأصبح ينظر إلى هذه الدول باعتبارها معاقل للتنوير؟
الآن عندما بتجرأ بقايا سكان أمريكا أو كندا أو أستراليا الأصليين ويطالبون بحقوقهم أو بنصيب لهم من ثروات بلادهم الطبيعية فإنهم لا يمثلون تهديدا للبيض ولا لسيطرتهم على تلك البلاد. وهذا يمكن أن يصبح حقيقة معنا أيضا. سنواصل ما نفعل لمدة 15 أو 20 عاما مقبلة فنسرق الماعز ونطحن الفقراء ونشجع على الهجرة من الأرض ونشتري المنازل والأراضي من أصحابها الأصليين ونضغط على قياداتهم ونتسلح ونخوض الحرب. سنواصل ذلك حتى نتخلص من إزعاج الكيان الوطني والثقافي والسياسي (للفلسطينيين) الذي يطالب بهذه الحقوق.
هذا النمط من التفكير يبدو منطقيا جدا بالنسبة لأغلب الإسرائيليين إلى درجة أنهم لا يهتمون حتى بالاستماع إلى محاضرة عن الحلول الممكنة لمشكلة هذا الكيان. كما أن اغلب الإسرائيليين بالطبع لا يهتمون بأي حقائق أو تفاصيل تجسد حقيقة طغيان إسرائيل الفاحش والخسيس. ما يهم أغلب الإسرائيليين هو ألا يتعرض أمنهم الشخصي للتهديد ودرجة قوة الجيش الإسرائيلي وعدد آيات التوارة التي تؤكد ملكيتهم للأرض.
ولكن المبهج والمريح لنا أن الفلسطينيين شعب واحد (عكس مئات الشعوب من الهنود الحمر التي كانت تعيش في أمريكا) كما أن عملية الاستيطان اليهودي لم تبعد الفلسطينيين عن أرضهم. نحن في عصر مختلف وفي منطقة مختلفة مقارنة بتجربة الأوروبيين البيض في أمريكا وكندا وأستراليا. الفكرة الكبرى جعلتنا ننسى أننا وعلى عكس النموذج الأمريكي المعجبين به أقلية في المنطقة التي نعيش فيها. كما أن المنطقة تتطور وتطالب بتغيير قواعد اللعبة التي كانت مقنعة بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل.
السؤال الآن لا يتعلق بحل الدولة الواحدة ولا حل الدولتين للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. التاريخ في أي قضية لا يعرف أبدا نقطة النهاية لأن كل مرحلة من التاريخ تقود إلى مرحلة أخرى. كما أنه لا يوجد نقص في الرؤى ولا وجهات النظر. ويجب أن تتطور الرؤى وتتغير خلال الكفاح من أجل المساواة والعدالة وإلا ستتحول الدولة إلى معسكرات اعتقال. والسؤال القديم الجديد هو كم يكفي من الدماء والمعاناة والكوارث الإضافية حتى ينهار نظام التمييز والفصل العنصري اليهودي الذي أقمناه على مدى 64 عاما الماضية.
الفلسطينيون قدموا لنا نحن الإسرائيليين السلم الذي يمكن أن ينقذنا من هذا النوع من المعاناة التي سببناها لأنفسنا. الفلسطينيون يقدمون لنا سلما يمكننا استخدامه للصعود إلى مرحلة تاريخية جديدة نحظى فيها بالقبول في المنطقة كجيران نعيش في الأرض التي لنا فيها جذور وحقوق وليس كغزاة عدوانيين.
ولكن الحكومات الإسرائيلية المتتالية وبدعم من ناخبيها ألقوا بالسلم بعيدا. هذه الحكومات تعرف جيدا لماذا عليها إحباط محاولة حل الصراع على أساس قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. هذا الحل سوف يؤدي إلى وجود طرق مختلفة للحياة معا وتقاسم الأرض. ولكن المنطق الأساسي لطرق الحياة هذه تحتاج إلى تخلي اليهود عن سيطرتهم وتفوقهم.
جريدة الجزيرة السعودية
الخميس 12 جمادى الآخرة 1433 العدد 14462
(هاآرتس) العبرية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت