عيد الكادحين والكادحات!!

بقلم: رامي الغف


تراهم في كل مكان، في الحواري والأزقه والميدان، كادحين لا يعرفون للنوم راحة، ولا لليل ساعة، يعملون بجد ونهم ونشاط، كخلايا النحل في البستان، ومنذ الصباح الباكر، ومع خيوط الفجر الاولى، نشاهدهم يجرون عرباته الحديد، أو يدفعون عربات خشبية، وهم ينادون على المارة أو داخل المحال والبيوت، أو تراهم يجمعون منذ أخر هزيع لليل، في مساطر العمال وبيادر الفلاحيين، بعضهم لم يتناول فطوره بعد، فقط قدح من الشاي الأسود، بسواد أيامه، وبعضهم يلهث خلف كل قادم من بعيد عارضا عليه بضاعته أو خدماته، وعامل أخر ينادي بأعلى صوته على السكان (غاز، إلي عندو أنبوبة غاز، غاز يلا غاز)، وأخر ينادي على الماره ( يلا الطماطم مجنونة يا قوطه
) وغيرها من مفردات ومصطلحات كافة الصنعات، وبعضهم لا يملك في جيبه غير أجرة "أكل" الحمار أو الدابه، وإمنياته بأن يأتيه رزق هذا اليوم ليعود محملا بأكياس الخضار لمن يعيلهم، وغيرهم الكثير ممن ينفضون عن عيونهم غبار النوم في ساعات الصباح المبكرة والواعدة بالكثير لهم.

غيرهم لا يطيق هذا الصحو المبكر، ولا يشغل باله بما تأتي به الأرزاق، فرزقه مضمون ومأمون من عاديات الزمان، فلا يكدح غير ثلاث ساعات في اليوم، وما تبقى من زمن الوظيفة الحكومية يقضيه في احاديث النميمة او النفاق الاجتماعي او التملق للمدير، وتقطيع اوصال زمن المراجعين لدواعي الروتين الممل والقاتل. وغيرهم لا يطيقون حتى الصحو من نومهم، وهذا الخدر الذي تمنحه ساعات الصباح الاولى بين الصحو والنوم، لكنهم ينتزعون أنفسهم بشقها، ولا يستعجلون، فالسيارة الخاصة التي تقلهم واقفة أمام باب الدار، حتى الصعود اليها يشكل جهدا لا يبذله الا بقدرة قادر، انهم صنف المدراء والوكلاء والوزراء واعضاء مجلس الشعب والأمة)، لا كدح في يومهم، غير اقلام تجري على اوراق في غرف مكيفة، تتبارك بالتوقيع الميمون للسادة المدراء والوكلاء ومن والاهوم. كم من الصور تزخر بها الحياة، حياة الناس في أعمالهم التي يزاولونها؟ منها عمال ورثوه أبا عن جد، ومنهم ما يجدون انفسهم فيه رغما عنهم، ومنهم من تتعدد الخيارات امامه، وهي خيارات قد تكون احيانا ممتلئة بتخمة العيش الرغيد. كادحون، اذن هم في دروب الحياة الوعرة، كل همهم رغيف خبز بعيدا عن انتظارات مسحوقة بجريان الزمن تحت اشعة الشمس اللاهبة، او تيارات الهواء الباردة في يوم شتائي ممطر يبلل الارزاق ويغرقها في دروب الهروب منه. فالكثيرون منهم لا يملكون القدرة على تغيير مصائرهم، او الارتقاء بظروف حياتهم الى مواقع افضل، والكثيرون منهم يبقون يكدحون طوال اعمارهم الممتلئة بالبؤس والفقر والحاجة.

قد تكون تلك السلبية في عدم التغيير ليست باختيارهم، وقد يكون الخوف من المجهول هو من يجعلهم يترددون في اتخاذ خطوات التغيير. الكادحون والكادحات هم ملح الحياة وألقها، لولاهم لتوقفت الكثير من المصالح للعباد والبلاد، وهم ضرورة من ضرورات تلك التقسيمات الطبقية للأعمال والمهن التي يزاولها الناس. الكادحون والكادحات عنصر مهم من عناصر التطور وعملية التنمية والاستثمار هو العنصر البشري، إذ بدون توفره لا يمكن التحدث لا عن إعمار ولا تنمية ولا إستثمار، وهم العنصر الوحيد الذي يملك صفة الأصالة والشموخ، ومن هذا تولي الدول المتقدمة أهمية كبيرة لهذا العنصر وتحيطه بمختلف العناية من الجانب الصحي إلى الجانب العلمي والمعرفي، ناهيك عن الحماية والضمان الاجتماعي. وبما أن الكادحون والكادحات الذين تقع على عواتقهم مختلف الأعمال الشاقة من أسفل دركة في سلم مؤسسات الدولة إلى أعلاها، دون إنصافهم بالعمل الوظيفي رسمياً في مؤسسات الدولة، يشكلون الغالبية العظمى من العنصر البشري الذي يُعتمَد عليه كما أشرنا في عمليتي التنمية والإعمار. لذا ينبغي للدولة الفلسطينية الحديثة أن تقوم برعاية هذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع الفلسطيني، وأن توفر لها البيئة السليمة للعمل، فهم لم يشملوا برواتب الدولة وكل ما لديهم هو كسب قوت يومهم من كد أيديهم وعرق جبينهم وتعب كواهلهم، وهم يعملون في ظل ظروف مأساوية فلا صحة ولا أمان، والكل يعلم كم إستهدفوا من الإحتلال وسقط بعضهم مضرجا بدماءة وكم وكم..إلخ فإلى أين يلتجئ هؤلاء الكادحون؟ يشار هنا أن العالم أجمع يحتفلون كل عام باليوم العالمي للعمال للتذكير بملايين الكادحين واللاهثين خلف أرزاقهم. فكل عام وكادحيينا وكادحاتنا بألف خير وسعادة في ظل دولتهم المستقلة فلسطين.
ناشط ومفوض سياسي
إعلامي وكاتب صحفي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت