تعلموا في مدرسةِ الأسرى السياسيةِ

بقلم: فايز أبو شمالة


تعالوا نتعلم من تجربة الأسرى، ونأخذ العبر من الرجال الذين حولوا ضعفهم إلى قوة، وصرخوا من عتم الزنازين، نعم للجوع ولا للركوع، تعالوا بلا مكابرة لنتمعن في هذا الشعار الذي يردده البعض لفظاً، ويمارسه الأسرى فعلاً، تعالوا لنجلس جميعنا طلاب سنة أولى سياسة في مدرسة الأسرى، ونتعلم منهم درس الحب والحرب، وكيف تناطح كف الأسرى صدأ القضبان، وكيف تخترق إرادة البقاء صلف الجدران، لترسم شارة نصر فوق روابي القدس، وتطرز منديل كرامة على جبين كل الفلسطينيين، وسلاحهم أمعاؤهم الخاوية.

لا يختلف حال الأسرى الفلسطينيين عن الحالة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، ولم يجمع الأسرى وفق تجربتهم الطويلة في السجون الإسرائيلية على موقف واحد، دائماً تجسد الانقسام في الرأي بين الأسرى حول موضوع الإضراب المفتوح عن الطعام، ودائماً ظهرت بينهم وجهتا نظر، أو موقفان متعارضان، أو رأيان متباينان:
الرأي الأول يقول: لا يملك الأسير المحاصر بالحرمان والاغتراب والتخويف والقيود والأسلاك والجدران والقضبان وعصا السجان، لا يملك إلا أن يهادن دون أن يخنع، وأن لا يعاند مغتصب حريته، دون أن يخضع، وأن لا يتمرد على قرارات السجان دون أن يركع، فالسجان يمسك بيده مفتاح باب الزنزانة، ويسمح بساعة الفورة في الساحة، والسجان يقدم حبة الأسبرين، ويوافق على "الكنتينة"، وهي الحاجيات الشهرية التي يشتريها السجين.

يواصل أصحاب هذا الرأي حجتهم قائلين: إن قضية الأسرى مرتبطة بالحياة السياسية داخل المجتمع الفلسطيني، ولا داعي لأن يلقي الأسير بنفسه في التهلكة، لا داعي للمقاومة، ولا مبرر لإضراب مفتوح عن الطعام في ظل الانقسام، وفي الوقت الذي ينشغل فيه الفلسطينيون بأوضاعهم المعيشية الصعبة، وهم مهددون بقطع رواتبهم آخر الشهر، ولاسيما أن التوجه السياسي للقيادة ينادي بتواصل العملية السلمية مع إسرائيل، وما لنا إلا أن نأمل بالحرية، وننتظر الفرج القادم من طاولة المفاوضات.

الرأي الثاني يقول: رغم قوة السجان، وسيطرته على كل مناحي حياة الأسرى، ورغم وقاحته غير المعهودة في القمع، ورغم سيطرته على معظم وسائل الإعلام الدولية، إلا أننا بالصبر والصمود والثبات على مواقفنا، سنفرض على هذا العدو أن يستجيب لمطالبنا العادلة، وسنلقي بالحجر في بركة الأوضاع السياسية الراكدة، إن الحقوق تؤخذ غلاباً، ولن نستجدي السجان الذي يحتقر الضعيف المسالم، ويستخف فيه، وسنحرك باستعدادنا للتضحية كل شريف، صاحب ضمير حي داخل المجتمع الفلسطيني والعربي والدولي.

دائماً يختلف الأسرى فيما بينهم، وتتباين وجهات النظر، ولكنهم يخوضون إضرابهم المفتوح عن الطعام يداً واحدة ضد سجانهم الواحد، وقد دللت الأحداث أن الأسرى قد أحسنوا خيار المواجهة، ونجحوا في إدارة معركتهم بذكاء، وقد بدأت بشائر النصر تُلوّحُ بمنديلها لمن كان فضاؤه أرحب، وبدا ما كان مستحيلاً إلى التحقق اليوم أقرب، وقد تلاحم الشعب مع مطالب أسراه، واستخف بمن لا يغضب، وهو يتلمس طاقة المقاومة التي لا تنضب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت