أفرجت إسرائيل عن رفات مئة من الشهداء الفلسطينيين، الذين قاتلوها حتى الرمق الأخير، وكانت إسرائيل قد تعمدت حرمان أهالي الشهداء من توسيد رفات أبنائهم تراب الوطن، وفي الوقت نفسه تعمدت توصيل رسالة إلى كل من يفكر في المقاومة بأن عقاب إسرائيل قاسٍ جداً، وأن دولة الصهاينة لا تغفر لمن أراق دم اليهودي، ولا تتسامح مع من رفع سوطاً في وجه الأطماع اليهودية في المنطقة العربية.
ولما عجزت إسرائيل كل السنوات الماضية عن تحقيق ما طمعت إليه من وراء احتجازها رفات الشهداء، تعمدت إلى معاقبتهم بطريقة مختلفة، وذلك من خلال تحقير سيرتهم، وتسخيف الأهداف التي من أجلها ضحوا بحياتهم، وأعلنت أنها أفرجت عن رفات مئة منهم تحت مسمى "مبادرة حسن النوايا"، وذلك تقديراً لمواقف رئيس السلطة، ومكافأة له على مواصلة التنسيق الأمني، وترى مصادر إسرائيلية في تبريرها للمبادرة؛ بأنها خطوات لبناء الثقة مع سلطة عباس تمهيداً لاستئناف المفاوضات بين الجانبين.
من الملاحظ أن إسرائيل قد تعمدت الإعلان عن مبادرتها عشية انتصار الأسرى المضربين عن الطعام، وعشية إحياء الشعب الفلسطيني ليوم النكبة؛ وكأن إسرائيل التي أرادت استباق الأحداث، تعمدت أن تقول للشق الفلسطيني الرافض للمقاومة، لا تهنوا، ولا تحزنوا، فنحن أصدقاؤكم، ونحن قادرون على مساعدتكم، وتقديم ما يعزز مكانتكم من خلال المبادرات، وإذا كان خط المقاومة قد انتصر في الأشهر الأخيرة على إسرائيل بالقوة من خلال صفقة تبادل الأسرى مرة، ومن خلال إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام مرة أخرى، فإن إسرائيل قادرة على مساعدة أصدقائها من خلال مبادرة حسن النوايا.
من يقارن بين ما انتزعه الفلسطينيون عن طريق القوة، وبين ما قدمته إسرائيل لرئيس السلطة عن طريق حسن النوايا، يكتشف أن إسرائيل بخيلة جداً، ولم يكن "نتان ياهو" سخياً كما وعد عباس، وذلك لأن مبادرة الإفراج عن رفات الشهداء لا ترقى إلى مستوى ما كان يقدمه الحاكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية؛ حين أطلق سراح ألف أسير فلسطيني تعزيزاً لمكانة رئيس روابط القرى "مصطفى دودين"، ولا ترقى إلى ما كان يقدمه الحاكم العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، حين أفرج عن عدة مئات من الأسرى مقابل موافقة بعض رؤساء البلديات على الالتقاء معه في مقر الحكم العسكري في غزة!
فما الذي حدث؟ لماذا صارت إسرائيل بخيلة؟!.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت