اسرائيل وحديث الحرب

بقلم: أكرم أبو عمرو


منذ فترة ليست بالقصيرة ووسائل الإعلام الإسرائيلية المقروء منها والمرئي، تخرج علينا بأنباء صحفية أحيانا ، وتسريبات مصدرها جهات أمنية في أحيان أخرى، مفادها أن استعدادات وجاهزية إسرائيلية عالية لمهاجمة منطقة ما في منطقتنا ، فتارة نقرأ عن هذه الاستعدادات لقرب توجيه ضربة إلى إيران لتدمير برامجها النووية، وتارة أخرى لمهاجمة قطاع غزة للقضاء على قواعد إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية على المدن والبلدات الإسرائيلية ، وكذلك تهديدات إسرائيلية إلى لبنان وبالتحديد إلى حزب الله .

إذن هذه هي الحالة الإسرائيلية التي ترسم المشهد الإسرائيلي في كل زمان منذ نشأة إسرائيل ، حيث تقوم ماكينتها الإعلامية بلا كلل أو تعب ببث أكاذيبها وادعاءاتها بأنها تلك الدولة الحضارية التي تعمل من اجل الإنسانية كونها واحة الديمقراطية والتنمية ، دولة صغيرة ضعيفة محاطة بأعداء لدودين يسعون إلى نسفها وتدميرها ، لذلك لا تألوا جهدا لبيان مدى حاجتها للأمن والقوة للدفاع عن نفسها ، دولة دائما في قمة الجهوزية والاستعداد ، وكل من يخالفها يوضع في خانة العدو والأكثر من ذلك في خانة ما يسمى بالإرهاب، الذي يسعى لا لتدمير إسرائيل فحسب بل لتدمير العالم اجمع .

وهذا ليس جديدا على السياسة الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي ، الجديد في هذه السياسة هو ضمها مصر إلى قائمة أعدائها التي تستعد لمواجهتها، تصريحات لم نسمعها منذ ثلاثون عاما ، ربما لان إسرائيل كانت مطمئنة نوعا ما مع علاقتها مع النظام المصري السابق، الذي تمسك باتفاقية السلام مع إسرائيل ، ولكن مع ثورة 25 يناير 2011 ، وانتصار الإرادة المصرية الحقيقية بدأت إسرائيل في الإعلان عن مخاوفها ، من خطر قادم سيكون هذه المرة من مصر ، وكالعادة تقوم بالتركيز على بعض التصريحات من القادة العسكريين والسياسيين العرب الذين يؤكدون حرصهم على حماية أراضي بلدانهم من أي اعتداء أي كان هذا الاعتداء وهي في نظرنا تصريحات عادية تصدر من كل رئيس أو زعيم لبلد في هذا العالم ، ومثل هذه التصريحات من المفروض أن لا تخيف احد من الجوار طالما أن العلاقة بين الدول المتجاورة علاقات حسن جوار ، إن للقادة المصريين الحق كل الحق في التصريحات بتصميمهم على حماية أرضهم وبلادهم من اعتداء ، ولكن إذا لم يعتد عليهم أين ستكون المشكلة .

إذن يمكن السؤال الآن لماذا مصر ؟ ولماذا الآن ؟ ، من الطبيعي مراقبة إسرائيل مراقبة تامة لما يجري على ارض مصر بدءا من اندلاع ثورة يناير 2011 ، وصولا إلى الحراك السياسي المصري التي لم تشهده مصر طوال تاريخها ليس المعاصر بل كل تاريخها ، وتعرف إسرائيل أن مصر الآن تعيش فترة مخاض ، ربما سيتمخض عن ولادة جديدة لمصر تعيدها إلى أحضان عروبتها وقوميتها ودينها ، ولتأخذ مكانها الصحيح الذي يليق بها وهي صاحبة أقدم حضارة عرفها التاريخ ، هذا التغير التي يمكن أن تشهده مصر في هذه الأيام ليلقي بظلاله على الأيام والسنوات القادمة لا يروق لإسرائيل ، صاحبة الأطماع التوسعية والاستعمارية في منطقتنا ، وتضعه في خانة التهديدات لأمنها ووجودها، لذلك ولمواجهة هذه التهديدات نجدها دائما ترقص على طبول الحرب ، وهي الطبول التي لم تكف إسرائيل عن قرعها منذ نشأتها ، حيث الهاجس الأمني الإسرائيلي أصبح من صلب الاستراتيجيات الإسرائيلية وهو البوصلة التي توجه مسارات السياسات الإسرائيلية عبر علاقاتها الدولية وعلاقاتها بجيرانها ، هذا الهاجس الذي يفقد إسرائيل الثقة حتى في الاتفاقيات التي تقوم بتوقيعها مع الجيران ، حيث نجد أن الطرف الذي يقوم بالإخلال بهذه الاتفاقيات هو الطرف الإسرائيلي ، وانطلاقا من هذا الهاجس تبدا إسرائيل ببث مخاوفها من تطور الأوضاع في مصر ، ولعلها تتخذ من بعض التصريحات التي أطلقها بعض القادة المصريين دليلا على صحة مخاوفها وبالتالي استعداداتها ، وهي تدري أن لكل قائد أو زعيم في أي دولة الحق فيما يقوله فيما يتعلق بحماية بلادة ، طالما بان هذا القول لا يشير إلى جهة محددة ، ونقصد هنا بالضبط ما صرح به رئيس المجلس العسكري المصري المشير طنطاوي بان مصر ستكسر قدم كل من يعتدي على أراضيها ، ويبدو من سياق المخاوف الإسرائيلية أن إسرائيل اعتبرت مثل هذه التصريحات المصرية تهديدات إليها ، ولتتخذ منها ذريعة لتعزيز تواجد قواتها على الحدود مع مصر .

إن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة والمعادية لمصر تظهر وبشكل جلي بان إسرائيل تنظر ببالغ الأهمية إلى المؤسسة العسكرية المصرية ، تلك المؤسسة التي ظلت قوية متماسكة بل كانت وما زالت صمام الأمان لمصر في مثل هذه الظروف التي تعيشها مصر ، لذلك لا نستبعد بان إسرائيل بدأت بوضع الخطط لجر الجيش المصري إلى مواجهة ما لانهاكة واضعافة ، خاصة وفي هذه الظروف التي تعيشها مصر ، حيث لا يمكن إعادة بناء الجيش في فترة قصيرة في بلد يعيد تشكيل حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وبالتالي تكون الظروف مهيأة لإسرائيل من استمرار سياستها للهيمنة والسيطرة وتحقيق أهدافها القديمة الجديدة .
إذن لا بد من الأخذ بالتهديدات الإسرائيلية مأخذ الجد على الأقل حتى لا نباغت ، وحتى يمكن تفويت الفرصة لتحقيق أهدافها ، ولتبقى مصر دولة عربية قوية وحصنا عربيا منيعا .

أكرم أبو عمرو
غزة- فلسطين
18/5/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت