اثنان وعشرون عاما مرت على عملية القدس البحرية والتي أشرف شخصيا على التخطيط والتنفيذ لها القائد الشهيد ابو العباس الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية .
في 30 أيار / من عام 1990 انطلقت مجموعات من المناضلين باتجاه شواطئ فلسطين ألمحلته في زوارق بحرية عسكرية مجهزة براجمات الصواريخ و مضادات الطائرات و أسلحة أخرى منوعة. كان صباحا مختلفا ، ذلك الصباح الذي تمخض عنه ليل الكآبة العربي الطويل ، وامواج البحر الابيض المتوسط ، المفاجأة تجتاح اشجار الشوطئ واجهزة الرادار المتطور ، وكان لا بد ان ترتفع الشمس الى السماء ، لتتوضح الصورة ويكتمل المشهد ، لقد جاء الابطال مرة اخرى ، بعد نهاريا والزيب ونابلس واكيلي لاورو ، على امواج البحر وها هو البحر يتواطأ مع الابطال مرة اخرى يحتضن في امواجه الداكنة ابناءه العائدين بجعبهم المكتنزة بالرصاص وقلوبهم التي تتوق الى لحظة توحد بالتراب الفلسطيني.
لقد شكلت عملية القدس البحرية البطولية ثمرة جهد وطني بعد اعداد واشراف من قبل الشهيد القائد الامين العام ابو العباس ورفيق دربه القائد العسكري ابو العز استغرق فترة طويلة ، وتم تحديد التنفيذ والتوقيت استجابة لدموع الامهات وصرخات الاطفال وآلالم الجرحى والاسرى والمعتقلين ، وردا على مجزرة عين قارة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق العمال ، وثأرا لدماء الضحايا ، واستمرارا لخطى امير الشهداء الشهيد الرمز ابو جهاد الوزير ، حيث لقن ابطال الجبهة العدو درسا فريدا من دروس المنازلة على الساحل الفلسطيني ، ورسمت عملية القدس معالم مرحلة نضالية جديدة من مراحل الكفاح ضد العدو الصهيوني على طريق تحرير الارض والانسان وتحقيق الحرية للشعب الفلسطيني .
ان عملية الاختراق كما اراد الشهيد القائد ابو العباس تسميتها كان هدفها اختراق المؤسسة العسكرية المتبجحة بغرورها الأمني و عظمة قوتها العسكرية كما تدعي ، حيث نجح
ابطال جبهة التحرير الفلسطينية من تحقيق حق العودة على طريقتهم الخاصة باستشهاد بعض المناضلين على ارض فلسطين واسر الابطال الاخرين، وكان أغلبية ابطال العملية هم من فلسطيني الشتات حيث ضمت المجموعات مناضلين فلسطينيين من العراق و لبنان و سوريا و الأردن و مقاتلين من داخل فلسطين بالإضافة إلى مقاتلين من جنسيات عربية، وحملت العملية اسماء على زوارقها السريعة حطين والقسطل وبورسعيد، واطلق على مجموعاتها صلاح الدين الايوبي ، وعبد القادر الحسيني ، وسليمان الخاطر ، وعدنان خيرالله ، وعمر المختار ، ويوسف العظمة .
ونحن اليوم نقف امام ذكرى مجيدة سطرها ابطال جبهة التحرير الفلسطينية نتوجه بتحية اجلال واكبار لشهداء العملية واسراها المناضلين وللقائدين الشهيدين الامين العام ابو العباس ورفيق دربه ابو العز ولكل المناضلين الذين عايشوا هذه التجربة من مدربين ومشرفين ، ولنؤكد لهم ان هذه العملية شكلت علامة بارزة من علامات النضال الواضح ، كما اعطت اسلوبا مبدعا لتحقيق متطلبات دعم الانتفاضة الاولى الباسلة .
نعم لقد قاتل ابطال عملية القدس البحرية على تراب الوطن فلسطين كما ينبغي ان يكون قتال الرجال واستشهد بعضهم ليمنحوا الشهادة قداستها وقاتل رفاقهم الاخرين حتى الطلقة الاخيرة ليجددوا عهد فلسطين القتال حتى النصر والشهادة .
وعلى هذه الارضية شكل الثلاثين من ايار يوما زلزل اركان الاحتلال ومؤسساته المختلفة وعلى كافة مستوياتها ، وهو يوم ليس ككل الايام في قاموس النضال الوطني الفلسطيني ، وقاموس المقاومة ، ولهذا نؤكد بان جبهة التحرير الفلسطينية التي صقلت التجربة مناضليها وقيادتها شكلت رافعة أساسية هامة للنضال الوطني الفلسطيني ، ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، واستطاعت بتميزها الفكري والسياسي والعسكري أن تسطر لنفسها ولشعبها وقضاياه العادلة تاريخاً مشرقاً ، حافلاً بالعطاء المتميز والمواقف البطولية والعمليات البطولية النوعية.
ونحن اليوم نفخر بابطال عملية القدس البحرية وبكافة ابطال العمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية ، هذه الجبهة التي قدمت خلال مسيرتها العريقة الاف من الشهداء والجرحى والاسرى ، وفي مقدمتهم الشهداء القادة الامناء العامين فارس فلسطين ابو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب والقادة سعيد اليوسف وحفظي قاسم وابو العمرين وابو العز ومروان باكير وجهاد حمو وابو عيسى حجير وابو كفاح فهد وجهاد منصور ، ولم تتخاذل او تتنازل ، بل كانت السباقة دوما في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن منظمة التحرير الفلسطينية ، وهي اليوم تلعب الدور الكفاحي والنضالي على ارض الوطن كما تلعب دورا رئيسيا في تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
وغني عن القول نؤكد ان مناضلي جبهة التحرير الفلسطينية وخاصة اسراها الابطال وفي مقدمتهم عميد الاسرى محمد التاج ورفاقه الذبن تعرضوا للإعتقال وذاقوا مرارة السجن وقسوة السجان الإسرائيلي ، وتميزوا بعطائهم داخل الأسر حتى اليوم ، وشاركوا بفاعلية مع إخوانهم في فتح والفصائل الأخرى في التصدي لممارسات إدارة السجون ، والنضال من أجل صون كرامة الأسير الفلسطيني والإرتقاء بمستواه الفكري والثقافي والسياسي والنضالي وهم اليوم يحملون أوسمة العز والفخار من أكاديمية الصمود الأسطوري.
أن جبهة التحرير الفلسطينية الذي شكل تاريخها النضالي فخر كبير لكل المناضلين من خلال عملياتها النوعية في الخالصة والزيب ونهاريا ونابلس وبرختا والطيران الشراعي وبيسان واكيلي لاورو والقدس البحرية والقدس الاستشهادية وكل عملياتها كانت هذه العمليات مؤشرا على دور الجبهة ونضالها حيث زرع مناضليها بدمائهم في كل شارع ومنحنى وهضبة ومنخفض ومرتفع وشجرة زيتون وحجر ورابية شهيد من شهدائها الابطال في مقاومة الاحتلال الصهيوني والتصدي له بكل الوسائل المتاحة برا وجوا وبحرا حيث كتبت امجاد هذه الامة بارادة صلبة وايمان لا يتزعزع بتحرير الارض والانسان .
وامام هذا الدور العظيم لجبهة التحرير الفلسطينية جاء اعتقال واغتيال الشهيد القائد الامين العام ابو العباس في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق بعد تصفيته من قبل اجهزة الموساد ليشكل ضربة موجعة للجبهة ، ولكن رغم ذلك استطاعت الجبهة ان تستنهض اوضاعها وان تعيد الاعتبار لمشروعها النضالي من خلال كتائب الشهيد ابو العباس وهي اليوم لا زالت تمتلك الإمكانيات والقدرات على الاستمرار بدورها والتمسك بنهج الشهيد القائد ابو العباس وكل رفاقه القادة والمناضلين.
ختاما : نؤكد ان تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية تاريخ ساطع وإرث عريق حمل في ثناياه تجارب عميقة يجب الحفاظ عليها ودعمها ومساندتها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة، وشكلت نموذجا فريدا على مستوى النضال التحرري.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت