نقف امام ذكرى اليمة في تاريخ الشعب الفلسطيني والعربي ، ذكرى نكسة حزيران والتي شكلت حالة من الانهيار والتراجع للنظام الرسمي العربي ، وفي هذا السياق, نشير إلى أن النكسة شكلت ضربة للمشروع القومي العربي, فهي هزيمة عسكرية أمام إسرائيل في عام 1967،ولكن كان الرد الواضح على النكسة في معركة الكرامة البطولية التي شكلت نموذجا لارادة المقاتل الفلسطيني والعربي ، حيث اعادت الاهتمام الى القضية الفلسطينية كقضية العرب الاولى وجوهر الصراع العربي الاسرائيلي .
وامام ذلك اراد الشعب العربي الفلسطيني بصموده وعطائه ونضاله مواصلة مسيرة الكفاح رغم كافة المؤامرات والمشاريع التي كانت تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتبديد حقوق الشعب الفلسطيني وذلك من خلال العمليات البطولية لابطال الفصائل الفلسطينية فكان الصمود الفلسطيني اللبناني في التصدي للاجتياحات الصهيونية عام 1972 وعام 1978، وبعد هذا الاجتياح لجنوب لبنان وصمود القوات المشتركة ، كانت هزيمة سياسية للعرب عبر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 التي تمثلت في إقرار مشروعية الوجود الصهيوني في فلسطين ووضع مبدأ الصلح المنفرد مع إسرائيل.
وامام كل ذلك جاء اجتياح العدو الصهيوني للبنان عام 1982 ، وصمود القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية في عاصمة لبنان بيروت ،بيروت وحدها بإمكانها أن تحكي عن مراحل صمودها ومقاومتها فحجارة أبنيتها لا تزال تصدح بقصص أبطالها الذين انتفضوا بوجه المحتل رفضا لتدنيس مدينتهم.
حينما نستذكر بيروت نستذكر مواقع المواجهة مع الاحتلال الصهيوني حيث رويت ارض فلسطين والاراضي العربية المحتلة، وترابها بدماء وعطاءات الشهداء الذين حولوا النكسة الى انتصار ، وهنا عندما نقف امام ذكرى النكسة التي تتزامن مع ذكرى اجتياح العام 1982، نؤكد بان مقاتلي الثورة والحركة الوطنية اللبانية والجيش العربي السوري كتبوا صفحات المجد من خلال مقاومتهم البطولية على مدار مئة يوم ، وبعد خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية من بيروت الى العديد من الدول العربية ، كانت بيروت تنتفض وتبدأ المقاومة في كورنيش المزرعة وشارع سليم سلام والحمرا، ما دفع بالاحتلال الى أن يغادر العاصمة خلال أقل من 72 ساعة على دخوله بالرغم من كل قصفه واعتداءاته وبالرغم من مجزرة صبرا وشاتيلا ومن كل شيء.
ورغم ذلك الصمود والعطاء والتضحيات ، ما زالت المخططات الساعية إلى استئصال وشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين لم تتوقف أبداً عبر التعاون المتواصل بين القوى الاستعمارية والامبريالية والحركة الصهيونية والقوى العربية الرجعية، عبر العديد من المشاريع الهادفة إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتصفية الحقوق التاريخية.
وفي ظل هذا الوضوح، فلم يعد من الممكن أو الجائز أو المقبول،أن يستمر البعض في التمسك بنهج المفاوضات سبيلا وحيدا ،فكما قبرت ودفنت إسرائيل مبادرة السلام العربية ومن قبلها خارطة الطريق، وبموافقة أمريكية واضحة وصريحة، علينا ان نؤكد بشكل واضح وصريح أن المفاوضات كخيار ونهج وثقافة قد سقطت الى غير رجعة،وعلينا ان ندرك ان تجارب كل الشعوب وعبر مر العصور،آمنت بفكر ونهج المقاومة بمختلف أشكالها نحو الحرية والإستقلال،وهي لم تفني الشعوب في يوم من الأيام،فلا الجزائر التي دفعت مليون شهيد فنيت وأبيد شعبها،ولا الإتحاد السوفياتي من قبلها ولا الثورة الفيتنامية من بعدها،ولا المقاومة الوطنية اللبنانية ،ولا أظن الشعب الفلسطيني،الذي دفع وما زال يدفع ثمن حريته واستقلاله وصموده عشرات الآلاف من الشهداء،أقل ثورية من تلك الشعوب،بل لديه من التجارب والخبرات في الكفاح والنضال الشيء الكثير، ولهذا يجب ان نتمسك بالمقاومة الشعبية بكافة اشكالها ونتمسك بموقف فلسطيني موحد بنقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة والتي من خلالها تتم العملية السياسية والتفاوضية، التي يجب أن تستند الى مرجعية سياسية ودوليه محددتين،وبحيث يكون لها صفة ألألزام والتنفيذ،والمرجعية وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
إن الصراع بيننا لم يتوقف لانه صراع وجود وهو صراع عربي / إسرائيلي بالدرجة الأولى، ولكن ضعف حركات التحرر العربية عزز مراكمة عوامل القوة والصلف والعدوانية في دولة العدو الصهيوني، ما يعني أن استمرار تبعية وتخلف واستبداد النظام العربي الرسمي وخضوعه لشروط التحالف الامريكي الصهيوني، يشكل السبب الرئيسي الأول في هذه المعادلة التي استمرت منذ أكثر من خمسة وأربعين عاماً ، ونحن اليوم نتطلع الى استعادة الروح القومية الثورية في الصراع مع هذا العدو، انطلاقاً من اقتناع كل أطراف حركة التحرر العربية والفلسطينية بأن شعوبنا العربية عموماً، وشعبنا الفلسطيني خصوصاً، لن يحقق الانتصار ويحسم الصراع مع العدو الصهيوني إلا عبر استمرار النضال بكافة اشكاله بعيداً عن كل مظاهر وأشكال الخضوع والتبعية، بما سيؤدي حتماً إلى بداية النهاية والانتصار على دولة الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة للشعب الفلسطيني الى دياره وممتلكاته وفق القرار الاممي 194 .
إن مشاعل الحرية والعودة الذين شكلوا العام الماضي نقطة تحول في مسيرة الصراع، تتطلب من الجميع بان نحول هذه التضحيات شعلة نضال لن تنطفئ ولن تتوقف مهما تزايدت عدوانية دولة الاحتلال، ومهما تزايدت المخططات والمحاولات الامريكية الصهيونية التي تتوهم بانهاء القضية الفلسطينية وتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وشطب هويتنا الوطنية أو وقف نضال شعبنا الوطني ، حتى تحقيق أهداف شعبنا في الحرية وتقرير المصير والعودة.
وغني عن القول في ذكرى النكسة لا بد من التأكيد على تنفيذ اتفاق المصالحة بمشاركة وطنية فاعلة، والتمسك بالأهداف الوطنية التاريخية بديلاً لاي مفاوضات ، والنضال من اجل تفعيل م.ت.ف وفق رؤية وطنية، وهي مهمة عاجلة ورئيسية تقع على عاتق كافة القوى الوطنية،لان استمرار هذا الانقسام الفلسطيني، سيزيد من شراسة الاحتلال وجرائمه ضد شعبنا وقضيته الوطنية.
ختاما : إن المراجعة الشاملة ،وامتلاك الإرادة وإنهاء حالة الإنقسام وتصليب الوضع الداخلي الفلسطيني،كل ذلك من شأنه أن يشكل عوامل قوة للموقف الفلسطيني،في مواجهة الصلف والعنجهية الأمريكية والإسرائيلية،والتي تكشف يوماً بعد يوم عن حقيقة نواياها ووجهها القبيح وعداءها لكل ما هو فلسطيني وعربي.
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت