مسيرة نضالية نستحضرها في المرحلة الراهنة

بقلم: عباس الجمعة


امام الاوضاع الراهنة التي تعيشها القضية الفلسطينية والمنطقة العربية ، نتطلع الى قادة ورموز رحلوا عنا وفي مقدمتهم القائد الرمز ابو العباس الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية الذي غاب عن ساحة الفعل النضالي بعد استشهاده في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق ، حيث كان الثائر الكبير ، يتطلع حوله في هذا العالم، ولكن كانت عنده فلسطين أكبر من قطعة أرض، بل أكبر من وطن باعتبارها الشاهد الحي على وحشية الحضارة الرأسمالية وهمجية استعمارها البشع، وهي جرح كل المعذبين في الأرض، كل الشرفاء في الأرض، هويتهم وقضيتهم وثورتهم.
ونحن نقف امام كلمات الشهيد القائد ابو العباس الذي قال الذين يريدون من فلسطين قطعة أرض ، لم يعرفوا شعب ومناضلي فلسطين أبداً، ولن يعرفوا فلسطين أبداً، وخاصة ان في كل حقل ووادي من ترابها زرع شهيد بطل.
اتذكر في عام 1982 الاجتياح الصهيوني للبنان، حيث صمدت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ثمانون يوماً بوجه عدوان إسرائيلي شرس استخدمت فيه شتى أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً انتهت بحصار بيروت التي صمدت وشكلت نموذجا للنضال الوطني التحرري وقد اصيب الشهيد ابو العباس اثناء تفقده لمواقع القوات المشتركة والجبهة ورغم جراحه كان يتابع ما يجري في الميدان حتى رحيل المقاومة عن بيروت ورغم فقدان اعز القاده عليه سعيد اليوسف عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية في منطقة الجبل الاشم اثناء تصديه لتقدم قوات الاحتلال ، وهنا توجهت القيادة الفلسطينية وعلى راسها الرئيس الشهيد ياسر عرفات إلى تونس، أما ابو العباس فقد اختار دمشق كمقر جديد له مع باقي الفصائل الفلسطينية لإيمانه العميق باستمرار النضال من إحدى بلدان الطوق مهما كانت الصعوبات، الا ان الانشقاق الفلسطيني الكبير حال دون ذلك فانتقل الى تونس .
في عام 1983 عقد المجلس الوطني فلسطيني بعد الخروج من بيروت دورته السادسة عشر في الجزائر، حبث القى ابو العباس كلمة أعلن فيها الإصرار على استمرار المقاومة بشتى الوسائل.
رحل الشهيد القائد ابو العباس بعد ان تم تصفيته في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق بعد عام على اعتقاله وترك وراءه فراغاً كبيراً في جبهته جبهة التحرير الفلسطينية ، وفي فلسطين التي ناضل طوال حياته من أجل تحريرها واستقلالها،من خلال عمله الدؤوب والمتواصل من أجل القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني ومستقبل أفضل للأمة العربية، مؤمناً بالهوية العربية وبحتمية الانتصار وهزيمة المشروع الصهيوني على الأرض العربية.
وهنا لا بد من القول ان الشهيد ابو العباس ، عبر ما يقوله الآخرون عنه، ورفاق دربه، الذين صاغوا كلماتهم بهدوء حتى تعطى شهادة حق، شهادة ضمير لرجل كان قائدا وطنيا وقوميا بامتياز، وكان مقاتلاً في سبيل الحق، حتى يتعرف الجميع على شخصية وهوية ابو العباس، هوية أمة في فكر الرجل، وفي وجدانه وعواطفه، وعن إضاءات في ظلام الأمة وعن تنظيم جسد خيار وآمال أمة بأكملها.
ان الضربات القاسية التي تعرضت لها جبهة التحرير الفلسطينية , وما كان يرافق ذلك من حملات ظالمة لا يمكن تغطيتها في بضع صفحات ، ولكن هي التي تجعلنا نحن الذين عاصرنا التجربة وعرفنا الشهيد ابو العباس بدون مبالغة ولا محاباة , بان ابو العباس هو مدرسة حية متكاملة وليس مجرد فرد قاد تنظيم والتزم بقيم وعاش مبادئه وأفكاره .
ونحن اليوم نعطي هذه الشهادة لرجل لم يكن يوماً بحاجة إلى شهادات ، بل كان الآخرون يتمنون الحصول منه على شهادات في أعمالهم وتصرفاتهم وأفكارهم , ومن هنا أنتهز الفرصة وأستغل بعض جرأة لا أملكها دائماً , فأتطرق إلى الى اهمية العمل على ضرورة نشر مذكرات ابو العباس , لانه لا يجوز لرجل عظيم ومساهم قوي في تاريخنا السياسي ونضاله المعاصر فلسطينياً وعربياً أن يرحل وهو قضى عمره في النضال مخططاً ومبدعاً ومفكراً ورائداً دون أن يترك مذكراته ولا ذكرياته وبدون أن ينشر أوراقه ووثائقه ومراسلاته وأفكاره .
أن هذا كله لا يبرر ولا يفسر ولا يعلل غياب كنز سياسي ونضالي وتاريخي عنوانه " مذكرات ابو العباس " أو أي عنوان آخر يعطي المعنى حياة الرجل, فإن هناك مؤسسات ثقافية وطنية وقومية , فلسطينية وعربية , مدعوة هي أن تبادر إلى إجراء الاتصالات اللازمة مع أصحاب العلاقة المباشرة او مع أسرة الراحل وذلك لإيجاد صيغ عملية تتناسب مع أهمية المذكرات ليصار إلى دراسة الوثائق والأوراق وأعدادها للنشر في أفضل صورة وأقرب وقت وأكمل وجه .
صحيح ان ابو العباس رحل ، ولكن العطاء ظل راسخا في صدور وعقول الذين واكبوا التجربة الكفاحية الطويلة التي شقها وخاضها ، والوفاء لذلك يستدعي العودة لقراءة ما تركه ابو العباس فينا وعدم الإكتفاء بإحتفالات التأبين في ذكرى استشهاده، فالحياة والروح الكامنة في نضالات ابو العباس تستحق أن يدرسها الأجيال وأن تستخرج منها الدروس والعبر الوطنية ، وتستحق أن ينبري لها المفكرين بالبحث والمراجعة بغية توظيفها فيما قد يخدم الوقت الراهن وما يعتري نضالنا الوطني من أزمات وصعاب ومنعطفات ومأزق .
لم ينل الشهيد القائد ابو العباس لقب فارس فلسطين من فراغ ، فالعطاء لفلسطين وقضيتها وثورتها لم يكن له حدود في التجربة الغنية التي راكمها هذا المناضل الثوري ، في عقود طويلة منذ أن وقعت وحلت النكبة وخرج هذا المناضل طفلا وعيناه تتطلع الى مأساة التشرد وكيفية مواصلة النضال ، فكان مناضلا ومدرسا وقائدا مؤمنا بحق العودة ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس التي ظل يحلم بها حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
ابو العباس استطاع ومن خلال المصداقية العالية الإنخراط مع قضايا المناضلين والمظلومين و المضطهدين حتى تحول إلى جزء أساسي راسخ من الضمير الإنساني الفلسطيني والعربي والعالمي ، ولذلك نشعر بالحاجة الماسة والشديدة له اليوم ، فالسفينة تائهة وتتقاذفها الأمواج المتلاطمة والعاتية ، والبوصلة الوطنية فقدت شمالها ، والقضية باتت في مهب الريح.
وامام كل ذلك اتذكر كلمة الشهيد القائد الامين العام ابو العباس في المؤتمر العام السابع لجبهة التحرير الفلسطينية في تونس ، حيث أعلن فيها رؤية عميقة وثاقبة للحالة الفلسطينية عموما ولمسار الجبهة على وجه الخصوص وهي تستحق أن تكون حاضرة وماثلة في عوالم الحياة الداخلية لكل فصائل العمل الوطني الفلسطيني وخاصة انه اكد إن الخط العسكري يأتي في صلب الخط السياسي ، أي أنه جزء مكون من الرؤية السياسية ،وبالتالي إذا كانت الرؤية السياسية سليمة وثورية فإنها بالتأكيد ستمارس الشكل النضالي الملائم مع تلك الرؤية السياسية .
ونحن اليوم نرى إخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية ، نتيجة غياب قواعدها التنظيمية أو الشعبية ، وهذا يدل فعلا اننا امام إنهيار سياسي ، وهذا ما كان له أن يكون لو كانت المواقف الفلسطينية نلتف حول البرنامج الوطني والثوابت التي كتبها شعبنا وثورته بالدماء وبالتضحيات الجسام، هذه هى الحقيقة ،وحتى نخرج من صحراء الضياع التى نحن فيها، فليس امام فصائلنا وقوانا الوطنية الا التمسك بنهج النضال والكفاح واستمرار المقاومة بكافة اشكالها ، وافساح المجال امام ضخ الدماء الجديدة في مسيرة الفصائل والقوى هذا هو طريق الإنقاذ الوحيد الذي سيعيد الاعتبار لنضالنا الوطني، وهذه هي النصيحة الوحيدة التي نقدمها لكل الذين يتهربون من انجاز المصالحة ، وينتظرون المتغيرات ، او ينتظرون الموقف الامريكي الذي يدعم ارهاب حكومة نتنياهو، وهي تنزع من العرب، كامل حقوقهم التي فشلوا في حمايتها ،او ينتظرون الأسابيع التي قد تطول أو تقصر، فنرى ما سيفعل الاجماع العربي الدولي على ادانة قرارات الاستيطان الاسرائيلية، باعتبار ان الاستيطان انتهاك للقرارات الدولية، بينما الادارة الامريكية تطلب من الضحية الفلسطينية العودة الى المفاوضات ، وللاسف هذا هو واقع الحال مع بالغ الاسف والاسى في ظل الثورات والحراكات الشعبية التي ليس لعرب فيها اي وزن على الاطلاق.
فهل تتحمل جبهة التحرير الفلسطينية وباقي الفصائل والقوى الوطنية واستعادة زمام المبادرة التي ينتظرها جميع الأحرار من أبناء شعبنا التواقين لها ولن يكونوا إلا إلى جانبها ومعها.
أن غياب الإرادة السياسية عند بعض القوى وتغليب المصالح الفئوية والحزبية على المصلحة الوطنية العليا،ووجود شرائح قيادية مستفيدة من بقاء الانقسام واستدامته وكذلك التدخلات العربية والاقليمية والدولية الحاضرة في الشأن والقرار الفلسطيني بقوة، تجعل منا المراجعة النقدية التي تحتاج إلى جلسات متواصلة من النقاش في مختلف الأماكن التي يوجد فيها الشعب الفلسطيني، وعلينا ان نتطلع الى ما يريده الشعب الفلسطيني بالمعنى السياسي أو غير السياسي، وكيف نستعيد وحدتنا الوطنية والعمل الوطني الجماعي والحفاظ على القرار الفلسطيني واستقلاليته ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية، ولتمكين شعبنا من استعادة دوره الطليعي في مقدمة صفوف العربية.
ختاما : اعرف بانني اكتب بهذه السرعة لان الموقف يتطلب منا وضوح الرؤية وعدم انتظار حالة الربيع العربي هذا الربيع الذي لا يزال يختلف بشأنه الكثير من المحللين ، حيث اراد البعض من قوى الامبريالية والاستعمارية تحويله الى ربيع دامي ، ورغم ذلك نطمح في ان نرى فجرا عربيا حقيقيا، تكون بوصلته في فلسطين، ونطمح في ان نرى العرب يتفقون على موقف عربي موحد ضد الاحتلال والاستيطان للاراضي العربية المحتلة، كما هم عليه في المواضيع العربية.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت