في قطاع غزة تلوث بيئي يهدد الصحة العامة

بقلم: أكرم أبو عمرو


اكتب هذه المقالة بعد أن تجولت مؤخرا في أنحاء قطاع غزة من شماله إلى جنوبه ، ومن شرقه إلى غربه ، حيث لم أقم بمثل هذه الجولة منذ سنوات ، وأول ما لفت انتباهي اختفاء تلك الأشجار الكبيرة من أشجار الكينيا المغروسة على جانبي الطريق الرئيسي في المنطقة الممتدة من دير البلح وحتى رفح، حيث تظهر جذوعها الضخمة في مستوى الأرض بعد أن تم قطعها ، وعندما سالت عن السبب قيل أنها تسببت في حدوث حوادث مرورية ، أنا لا اعرف بالضبط متى زرعت هذه الأشجار ، ولكن الذي اعرفه انه طوال حياتي منذ أن كنت طفلا صغيرا وانأ أراها ، هذا يعني أنها موجودة منذ عشرات السنين ، قائمة تنشر الخضرة والجمال على طول الطريق ، ولم يشكو منها احد ، هذه الأيام فقط أصبحت تشكل خطورة واقتضت الحاجة إلى إزالتها وكأننا لم نكتفي بما قطعه وجرفه الاحتلال من أشجار تجاوزت المليون شجرة ونصف في قطاع غزة فقط ، على أي حال لم أجد أمامي إلى الصمت ، لأنني ما رأيته أكثر غرابة ، حيث كتل الاسمنت من المباني والمساكن قامت بغزو الأراضي التي كانت سابقا خضراء لتتحول فيه المساحات الخضراء إلى جيوب صغيرة وسط المساحات المبنية ، أي أن المساحات المبنية بدأت تتغلب على المساحات الخضراء في أجزاء كثيرة من القطاع ، على عكس ما هو موجود في معظم بلدان العالم حيث المساحات المبنية لا تتجاوز أل 5% من مساحة الدولة في اغلب الأحيان ، ولهذا ما رأيته في جولتي جعلتني أتحول هذه المرة عن الكتابة السياسية لكي أعود إلى كتابة أمضيت فيها سنوات، آلا وهي البيئة الفلسطينية خاصة في قطاع غزة .حيث يتعرض إلى عملية إخلال بيئي والتي من مظاهرها ما نراه من زحف سريع للعمران على حساب الأرض الزراعية والأرض الفضاء .

قال الله سبحانه :"إنا كل شيء خلقناه بقدر " هذا يعني أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون على أساس من التوازن بين جميع مخلوقاته الحية منها والغير حية من حيث العدد والحجم والمساحة والتكوين الخ ، فإذا زاد مقدار على آخر في أي نوع من المخلوقات كان الإخلال والخلل ،الذي ينعكس فورا على الحياة وأنماطها البشرية والحيوانية والنباتية، ويبدو أن قطاع غزة يتعرض الآن إلى عملية إخلال بيئي كبيرة سوف تنعكس مباشرة على حياة البشر في هذه المنطقة الصغيرة المساحة الكثيفة السكان ، وأول مظاهر هذا الإخلال هو تراكم النفايات المنزلية بشكل كبير حيث ينتج سكان القطاع آلاف الأطنان من هذه القمامة يوميا ، ولا يتم جمع هذه القمامة أو معالجتها بالشكل الكافي فعلى الرغم من الجهود التي تبذل من قبل الجهات المختصة ، إلا أن كميات كبيرة من القمامة تبقى ملقاة في الشوارع الرئيسية ، بل أن طريقة جمعها طريقة ليست صحيحة حيث تستخدم الحيوانات في جمعها ، والحيوانات نفسها مصدرا خطيرا للتلوث خاصة عندما تتجول بين الأحياء السكنية الكثيفة السكان ،
مظهر آخر من مظاهر التلوث ، تلوث الهواء الناتج عن انتشار الغازات السامة والضارة إلى الهواء في طبقته الأولى القريبة من سطح الأرض سواء من عوادم عشرات الآلاف من المركبات أو من مولدات الكهرباء .

ولا ننسى تلوث الماء نتيجة تزايد نسبة الأملاح ونسبة النترات "الطفيليات والميكروبات " فيها لدرجة أصبحت مياه قطاع غزة لا تصلح للاستهلاك الآدمي ، حتى تلك المياه التي تباع من سيارات صهاريج المياه التي تجوب شوارع القطاع محملة بمياه من ما يعرف بمحطات التكرير على اعتبار أنها مياه صحية ، أضف إلى ذلك تلوث التربة نتيجة الاستخدام المفرط في الأسمدة الكيماوية والمخصبات الزراعية مثل أنواع معينة من الهرمونات ، والمبيدات الحشرية ، ناهيك عن الضجيج المستمر سواء من أصوات السيارات أو المولدات أو حتى طائرات الاحتلال التي لا تغيب عن سماء غزة .
اعلم تماما بان ما اطرحه ليس جديدا بل يعرفه المهتمون والكثير من المواطنين ، ولكن ما يدفعنا إلى تناول هذا الموضوع وبعيدا عن الأرقام والإحصاءات هو تزايد الأمراض وتزايد معاناة الناس حيث تجد أن العديد من أبناء القطاع سرعان ما يصاب بألم في رجليه ، وعندما يسال طبيبا مختصا تكون الإجابة هناك خشونة في الركبة ، آلاف المواطنين مصابون بهذه الخشونة اللعينة، ناهيك عن الأمراض الأخرى المشابهة كالغضروف وغيره .
أمراض معوية ، وأمراض صدرية ، وأمراض سرطانية ، وعندما ينفرد اثنان بالحديث بتناول هذه الأمراض يدرك الجميع أسبابها حيث تجدهم يسارعون بالقول أن كل حياتنا أصبحت الآن مبنية على المنتجات التي تدخل فيها الكيماويات ومركباتها، في الخضار وفي الفواكه وفي اللحوم حتى الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه لم يسلما من هذه المواد .

معاناة كبيرة يواجهها سكان القطاع بالإضافة إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة ، والنقص المتكرر في الأدوية وسوء التغذية خاصة لدى الأطفال ، كل هذه العوامل ستزيد من عدد الأمراض ونسبة المصابين بها ، ما يلزم العمل على تضافر الجهود من الجهات الرسمية المسئولة الأولى عن التدهور البيئي، وحتى لا نلقي دائما مشاكلنا على شماعة الاحتلال ، فالاحتلال عمل بما فيه الكفاية من اجل إفساد البيئة الفلسطينية ، حيث هناك الممارسات اليومية التي يقوم بها المواطنون بمختلف شرائحهم في المنزل والشارع، في الحقل والمزرعة وكذلك استعمال السيارات و ومولدات الكهرباء ، جميعنا نتحمل المسئولية ، فعلينا اللحاق بأنفسنا قبل أن تتفشى بنا الأمراض وبأبنائنا ، ضرورة القيام بحملة مستمرة للحفاظ على البيئة ونقترح على القائمين على تنظيم المخيمات الصيفية أن تدرج حماية البيئة في برامجهم وأنشطتهم ، وان يغرس روح العمل التطوعي من اجل الحفاظ على بيئة نظيفة في قطاعنا ، كما نرجو من وزارة التربية والتعليم إدراج مسالة حماية البيئة في برامج الوزارة وضمن الأنشطة المدرسية طوال العام الدراسي ، وعلى وزارة الأوقاف دور منوط بها في توجيه خطباء المساجد للقيام بهذا الدور التوعوي والإرشادي ، ولا ننسي مؤسسات المجتمع المدني لان تقوم بمحاولة تجنيد أموال اللازمة لحماية البيئة ، وذلك للوصول إلى بيت نظيف وشارع نظيف ومدينة نظيفة تصبح بيئة نظيفة وسليمة من نتائجها صحة سليمة، نعم نحن محاصرون ولكن في إمكاننا عمل شيء .


أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
17/6/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت