نحو خطة وطنية لمكافحة وباء السرطان

بقلم: النائب أحمد أبو هولي


كثيرة هي هموم شعبنا، وكثيرة أيضاً أشكال معاناته، وحال الأهل في قطاع غزة لا يسر صديقاً، وإن كان يطري بشكل مبالغ فيه خصوم شعبنا وأعدائه، وتتعدد صور وأشكال الألم الغزي مع كل مقطع من مقاطع الحياة الإنسانية وتفاصيلها، وتتزايد باستمرار أشكال الوجع إلى الحد الذي لا يدع مجالاً أمام من يرغبون في تغيير الواقع والنهوض به نحو آفاق أكثر رحابة في مواجهة كل هذه الصعاب وكل هذه التحديات.

السرطان، داء العصر وكل عصر، لا تخلو منه دولة من دول العالم، ولا يفرق عندما يغزو الجسد الإنساني بين غني وفقير، أو بين متعلم وأمي، أو بين متهور ومحافظ على اشتراطات الحياة الصحية، لكنه في غزة يأخذ شكلاً يقترب نسبياً من الوباء، فكل يوم قصة وكل يوم حكاية، وكل لحظة هناك مأساة جديدة تطال هذه العائلة أو تلك في قطاعنا المحاصر، وبرغم أن الدراسات تثبت أن داء السرطان في غزة منتشر بصورة لافتة، إلا أن دراسات أخرى هي بحاجة إلى أن ترى النور بحثاً وتمحيصاً وتنقيباً عن مختلف الأسباب التي أدت إلى تفاقم حالات الإصابة بالمرض، بما في ذلك ما تفعله يد المحتلين في أرض غزة، وما ألقت به طائراتها المقاتلة على أهل القطاع الصامد، وأطباؤنا وجامعاتنا وباحثونا مدعوون للشروع بأبحاث علمية جادة وموضوعية ودقيقة لتبيان الحقيقة، وذلك في إطار خطة وطنية متكاملة لمكافحة هذا الخطر الذي يفوق عدد ضحاياه من تفعله أسلحة المحتلين سنوياً.

إن هكذا مرض يتطلب موازنات ضخمة للغاية من أجل متابعة علاج ضحاياه، ومن هنا، فإننا نوجه دعوة وطنية لكافة القطاعات الشعبية بإنشاء صندوق وطني لعلاج مرضى السرطان، تسهم في دعم موازنته السنوية كل من السلطة الوطنية الفلسطينية، والصندوق القومي الفلسطيني، والقطاع الخاص، والدول المانحة، والمؤسسات الدولية التي تقدم مشروعات لذوي الاحتياجات، والدول الشقيقة والصديقة، ونحن جاهزون لإدارة هذا الصندوق والإشراف عليه ومتابعة رفده بما يلزم على قاعدة أن المسؤولية الوطنية تقتضي تحركاً جاداً في هذا المضمار وبأسرع وقت ممكن.
إن المؤسسة الرسمية الفلسطينية مدعوة للتحرك العاجل من أجل إنقاذ أرواح ضحايا السرطان، وبالتالي فإن واجب وزارة الخارجية الفلسطينية ووزارة الصحة الفلسطينية ومؤسستي الرئاسة ورئاسة مجلس الوزراء هو التحرك السريع على مستوى الدول الصديقة ذات الباع الطويل في مكافحة هذا المرض وذات الإمكانات المتقدمة في هذا المجال من أجل استقبال واستضافة حالات مصابة بمرض السرطان، تخفيفاً عن كاهل الموازنة الفلسطينية، وتدبيراً للنفقات التي يشكو المسئولون من تضخمها وتضاعفها يومياً.

إن وزارة المالية الفلسطينية، مدعوة هي الأخرى للبحث في أنسب السبل نحو توفير المخصصات اللازمة للتعامل مع هذا الوباء الذي ينتشر بسرعة متزايدة في قطاعنا الباسل، وهو أمر يقتضي مشاورات على أكثر من صعيد من أجل متابعة حالة أبنائنا الذين يموتون كل يوم في انتظار قرار وزير الصحة بتحويلهم إلى مشافي متقدمة في حقل التعامل مع هذا المرض، ثم يأتي قرار (معاليه) بتحويلهم إلى مستشفى المطلع، وكأني بالرجل يبرق إليهم بشهادة وفاتهم وهم أحياء، فبرغم تقديرنا العميق للكوادر العاملة في هذا المستشفى الوطني، إلا أنه وباعتراف أطباء متخصصون فيه فإنه غير قادر على التعامل مع حالات السرطان الخطيرة وأعدادها المتزايدة في قطاع غزة، لكن (معاليه) مصر على خفض نفقات العلاج في الخارج وانقاص الفاتورة الشهرية إلى النصف، حتى توضع هذه المسألة في سجل انجازاته حتى لو كانت تكلفة ذلك مجزرة بحق من ينتظرون الموت بفعل هذا المرض القاتل.

إننا مصرون على متابعة هذا الملف الوطني بامتياز، وهي قضية رأي عام برسم أطنان الأوراق التي تنتظر تأشيرات الموت إلى مشافي غير متخصصة في التعامل مع هذا المرض، وسنتابعها من واقع مسؤوليتنا الاجتماعية والوطنية، وسيكون هذا الملف هو عنوان كفاحنا القادم مهما كلف الثمن ومهما تكلف الأمر من متاعب ومعاناة، فرضى الله عز وجل ورضى شعبنا الطيب أهم بكثير، من وجهة نظرنا، من رضى المسؤول الذي لا يهمه وهو يرى الناس يموتون سوى فاتورة تأخير إصدار شهادات وفاتهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت