غزة– وكالة قدس نت للأنباء
أربعين عاماً من النزوح والتنقل بين بقاع الأرض، وحلمه لا يكاد يفارقه في كل لحظة يضع فيها رأسه على وسادته للنوم، فيحلم في منامه بأنه يزور غزة للمرة الأخيرة، ويقبل ترابها الذي حرمه منه الاحتلال الإسرائيلي، لدوافع يعتبرها أمنية.
رواية تفاصيل الحكاية والمعاناة، يقصها الفلسطيني رمضان محمد (60 عاما) لمراسلة وكالة قدس نت للأنباء مياس أبو الجبين، قائلا "بدأت مشواري الدراسي في الجامعة التكنولوجية بالعاصمة بغداد لالتحق بكلية الطب بعد أن غادرت مخيم النصيرات وسط القطاع، تاركاً أهلي ووطني دون أن اعلم بأنني لن أراهم مرة أخرى".
ويقول" خلال تواجدي بالعراق كنت أعاني من مشكلة في التواصل مع أهالي حيث كانت تصلني رسالة خطية (مكتوب) منهم كل شهرين،مما أدى إلى زيادة الأزمة بالنسبة لي لانشغالي الدائم عليهم"، مؤكداً أن سنوات دراسته الست بالعراق كانت ممزوجة بالألم والمعاناة اليومية".
معاناة الهوية...
ويوضح رمضان محمد بأنه أنهى دراسته الجامعية بمعجزة كبيرة في العراق، وأنتقل بسبب ما مر به من معاناة مريرة إلى الكويت حاملاً معه الوثيقة المصرية، معتقداً بأنها ستحل ما رآه بالعراق من معاناة ولكن سرعان ما فشلت كل محاولاته منذ أن بدأ بالعمل فيها كطبيب في وزارة الصحة الكويتية لعامين متواصلين دون جدوى للحلول، منوهاً إلى أنه حتى اللحظة لا يحمل الهوية الفلسطينية..
يعتبر بأن عدم امتلاكه الهوية الفلسطينية هو أكبر المعاناة اليومية بالنسبة له، قائلاً " أنا لا املك الهوية الفلسطينية فهذا يشعرني دائما بالضعف، ناهيك عن مسألة الاقامات التي تؤرقني دوما أنا وعائلتي فمن لم يجدّد إقامته سنويا يفقدها مباشرة ".
مرور ببلاد ...
مرورا بالعراق التي أنهى بها دراسته الجامعية لينتقل بعدها إلى الكويت التي غادرها بعد عامين متوجهاً إلى لبنان ومن ثم إلى سوريا لا زال رمضان محمد يحمل معه حلم العودة إلى غزة، لكن دون جدوى.
الأردن كانت بالنسبة له مكاناً للقاء والدته التي شاهدها لمرة واحدة منذ أن خرج باحثا عن العلم لخدمة وطنه، ويفصل رمضان محمد حكايته قائلا" ها أنا استقر الآن في السعودية، وأنا ألهث بأنفاسي الأخيرة، والتي قاربت على الإنهاء، في سبيل البحث عن الاستقرار لي ولعائلتي، فأنا دائما اشعر بالذنب تجاه أبنائي ".
بعد أن سكت مرارا حزنا وألما يقول رمضان محمد " أتمني أن أعود لوطني وأجمع شمل عائلتي وأزور قبر والداي، وأعيش ما تبقي من عمري داخل الأرضي الفلسطينية التي يحرمني من دخولها الاحتلال الإسرائيلي لمجرد أني فلسطيني ".
الحل نفسه ..
الحال هو نفسه لابنه أحمد المقيم حاليا في ماليزيا منذ ثلاث سنوات، بعد أن فقد إقامته في السعودية بسبب زيارته لغزة، بغرض تلقيه الدراسة الجامعية،وبعد أن أوشك على انتهاء دراسته فرضت إسرائيل حصارها على قطاع غزة مما منعه من السفر لتجديد الإقامة.
ويوضح والد أحمد أن ابنه بعدما فقد إقامته ورفض التجديد له وأبعد عنهم كعائلة قرر أن يكمل دراسته الجامعية العليا وإلتحق بإحدى الجامعات في ماليزيا ليدرس الماجستير في تخصص "هندسة الكمبيوتر"، مؤكداً أن معاناتهم في التواصل مع ابنه أحمد من جهة وشقيقتيه الموجدتين بغزة، هي أكثر ما يثقل كاهليه.
ويشير إلى أن أكبر أبنائه سفيان وأصغرهم غسان، اللذين يقيمان الآن معه بالسعودية، نالوا جزء كبير من المعاناة خلال تلقيهم الدراسة الجامعية في العراق، قائلا"" هددوا في بداية الأمر بفقدان شهاداتهم الجامعية بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها العراق من قبل الاحتلال الأمريكي عام 2003 م ،ولكن رحمة الله كانت أوسع بهم ،فبعد مضي سنة من الحرب أكملوا دراستهم ولكن بخوف شديد".
غزى الشيب رأس رمضان محمد، بعد أربعين سنة من الشتات، ولا يزال يحلم بالعودة إلى دياره ووطنه كغيره من ملايين الفلسطينيين.