غزة – وكالة قدس نت للأنباء
أحيا العالم اليوم 26 حزيران/ يونيو الجاري (اليوم العالمي لمناهضة التعذيب) كما عرفته الاتفاقية الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة, في وقت ما زال الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يعانون أصناف مختلفة من العذاب والمعاملة غير الإنسانية.
ويعني التعذيب كما عرفته الاتفاقية الدولية بأنه "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أو عقلياً يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو شخص ثالث على معلومات أو اعتراف على عمل ارتكبه أو يشتبه انه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو شخص ثالث".
وتمارس إسرائيل التعذيب باعتباره نهجاً ثابتاً ضد الأسرى في سجونها منذ احتلالها للأراضي العربية والفلسطينية في حزيران عام 1967, وقد أدانت الأمم المتحدة إسرائيل (التي تعتبر نفسها دولة فوق القانون الدولي لا تسري عليها الاتفاقيات والقوانين الدولية) لممارستها سياسة التعذيب ضد الأسرى الفلسطينيين وأصدرت حوالي 178 قراراً تدين (إسرائيل) في تعاملها مع الأسرى منذ عام 1967.
ووفقاً لتقارير المؤسسات الفلسطينية الحقوقية والمؤسسات التي تعنى بشؤون الأسرى فإن حوالي 98% من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال قد تعرضوا إلى التعذيب بأشكاله المختلفة.
وتفيد بعض هذه التقارير أنه في السنوات الأخيرة أصبح تعذيب المعتقلين ليس فقط لمجرد انتزاع اعترافات منهم وإنما من أجل إذلالهم والحط من كرامتهم وإنسانيتهم، وظهر ذلك من خلال الصور الني نشرها جنود ومجندات إسرائيليون مع معتقلين مكبلين ومعصوبي الأعين وفي أوضاع مهينة جدا.
ويقول وكيل وزارة الأسرى والمحررين بالسلطة الفلسطينية زياد أبو عين إن "إسرائيل تمارس التعذيب على الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية , ومستمرة في ذلك ".
ويضيف أبو عين في مع مراسل وكالة قدس نت للأنباء " بأن إسرائيل لا تخجل من ممارسة جرائهما بحق الأسرى الفلسطينيين، وتشيع هذا العمل حتى ترهب أبناء الشعب الفلسطيني، بل جعلت التعذيب جزء من نظام الاعتقال فهي تمارسه على الأسرى في السجون وفى زنازين الاعتقال والعزل الانفرادي, وحتى بحق أهالي الأسرى عند زيارة أبنائهم، فتتعمد إذلالهم، كل ذلك يعبر عن سياسة الحقد الدفينة لدى المؤسسة الإسرائيلية ".
ويعتبر أبو عين أن المجتمع الدولي شريك مع إسرائيل في هذه الجرائم , "لأنه لا يضغط على إسرائيل لوقف ما يمارس من تعذيب على الأسرى الفلسطينيين, بل يكتفي في تصدير القوانين التي لا توقف هذا العمل", مؤكدا بأن المطلوب من المجتمع الدولي هو فرض عقوبات على إسرائيل حتى تكف عن أعمالها اللا أخلاقية واللا إنسانية بحق الأسرى الفلسطينيين.
تطوير التعذيب..
وعن أساليب التعذيب التي تمارسها إسرائيل بحق الأسرى يقول الأسير السابق، والباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة إن " التعذيب في السجون الإسرائيلية ليس شيء عارض في سياسة الاعتقال الإسرائيلية, بل هو ممنهج ويمارس ابتداء من الجندي الذي يعتقل حتى السجان وصولاً إلى الطبيب ".
ويوضح فروانة لمراسلنا بأن التعذيب لم تقتصر ممارسته على فئة معينة من الأسرى الفلسطينيين, بل مُورس على الأطفال والنساء والشبان ولم يقتصر بوقت معين ومحدود, بل استخدم أثناء الاعتقال ووقت التحقيق وأثناء الحكم وفى السجن ".
ويبين الباحث الفلسطيني أن إسرائيل طورت التعذيب واتخذت منه أشكال عدة, ابتداء من التعذيب النفسي والجسدي والمزج بينهما, مضيفا " فقد اعتمدت في البدايات على التعذيب الجسدي ثم استحدثت أساليب التعذيب النفسي وطورته تدريجياً وأصبح هناك مزج فيما بينها، وفي السنوات الأخيرة جرى تحديثه وتطويره حتى وصل بأن يمارس التعذيب دون أن يترك دليلاً جسدياً على جسد الأسير".
(70) أسيراً استشهدوا..
ويلفت إلى أن الإحصائيات تفيد بأنّ (70) أسيراً استشهدوا جراء التعذيب في زنازين الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967، من مجموع (202) أسير استشهدوا منذ العام 1967 ولغاية اليوم، بالإضافة لعشرات من الأسرى استشهدوا بعد تحررهم بأيام وشهور نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب وبسبب أمراض ورثوها عن السجون جراء التعذيب والإهمال الطبي, مشيراً بأن أول ضحايا التعذيب كان الأسير يوسف الجبالي الذي استشهد بتاريخ 4 يناير 1968م في سجن نابلس، وتبعه العشرات ".
وتؤكد الإحصائيات الخاصة بالأسرى ممن تعرضوا للمعاملة "المهينة السيئة واللا إنسانية وإلى الشتائم وتكبيل الأيدي وعصب الأعين..وغيرها ، أن 91% ممن اعتقلوا تعرضوا للدفع والصفح والضرب، و 82% تعرضوا للحرمان من النوم، فيما تعرّض 85% للوقوف فترة طويلة، و 68% تعرّضوا للشبح، و 95% لم يتلق طعاماً مناسباً أو شراباً صحياً وفي الوقت المناسب، و 57% تعرّضوا للبرودة أو الحرارة الشديدة، و 47% تعرضوا للمكوث ساعات وأيام في ما تعرف بالثلاجة، وأن أكثر من 63% تعرضوا للضرب والضغط على الخصيتين ".
وذكر فروانة بأن هناك أشكالاً أخرى من التعذيب تعرّض لها البعض بنسب أقل ومتفاوتة ما بين هذه الفئة أو تلك من المُعتقلين مثل التعرّض للهز العنيف، التكبيل على شكل موزة، إجبارهم على القرفصة وتقليد أصوات الحيوانات، وشرب البول أو الماء الساخن، والإعتداء بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص والضرب بوحشية بواسطة البنادق على كافة أنحاء الجسم، واستغلال أماكن الإصابة أو الجرح، الصعق بالكهرباء والحرمان من زيارات الأهل والعزل الإنفرادي والإهمال الطبي وإحضار أحد الأقارب كالزوجة والشقيقة أو الوالدة .. وغيرها من الأساليب التي تدل على مدى الإنحدار الأخلاقي والمهني والثقافي لدى المؤسسة الإسرائيلية ".
هناك تقصير واضح..
وحول المطلوب فلسطينيا لفضح الممارسات الإسرائيلية بحق الأسرى يقول فروانة إن "مؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني ووزارة الأسرى والمحررين, عليها واجب وطني بان تشكل منظومة متكاملة للتصدي لأشكال التعذيب التي تمارس على الأسرى الفلسطينيين وهناك تقصير واضح في هذا الجانب, مضيفاً" لا يكفى أن نستذكر هذه القضية فقط في يوم مناهضة التعذيب العالمي في حين أن التعذيب يمارس في كل يوم على الأسرى. "
عميد الأسرى الفلسطينيين السابق الأسير المحرر سعيد العتبة من نابلس, اعتبر بأن اليوم العالمي لمناهضة التعذيب محطة مهمة جداً لكي يقف الشعب الفلسطيني, والعالم العربي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية ضد ما يمارس من الاحتلال الإسرائيلي على الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية ".
ويوضح العتبة الذي أمضى في سجون الاحتلال اثنان وثلاثون عامًا في حديث مع وكالة قدس نت للأنباء عبر الهاتف بأن "هذا جزء من معركة الحرية الشاملة لكل الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي في سبيل إنهاءه وهو أطول احتلال في تاريخ الحديث المعاصر" .
ويضيف أن " في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب هناك عناوين هامة في العالم بدأت تهتم وبدأت تلتفت لممارسات إسرائيل, لكن علينا أن ندفع لاستنهاض وندفع باتخاذ قرارات جديدة تفرضها الأمم المتحدة لتكبل إسرائيل وتحاصرها وتجبرها على وقف أشكال التعذيب, قائلاً "لو خطينا كل عام خطوة محددة في ذلك نحن نحقق انجاز على طريق التحرير والتخلص من هذا الاحتلال ".
أنواع جديدة..
وعن تجربته الشخصية في سجون الاحتلال يشير الأسير المحرر العتبة إلى أن إسرائيل تمارس التعذيب بكل أشكاله من الجسدي والنفسي والمعنوي ولا يمكن حصر أنواع التعذيب التي تمارسه إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين, وهناك تقارير واسعة ووثائق وأفلام مصورة أبرزت كيف يتم التعذيب في سجون الاحتلال عبر تاريخ الحركة الأسيرة حتى يومنا هذا ".
ويقول أن "إسرائيل تبدع في خلق أنواع جديدة من التعذيب, وتتجاوز كل مبادئ الأمم المتحدة في هذا الاتجاه , ومارست ذلك ضمن كل أجيال الأسرى منذ 1948 حتى هذه اللحظة وهناك من المعطيات كثيرة في هذا المجال " .
والجدير بالذكر أنّ الجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت قد أقرّت في الثاني عشر من شهر ديسمبر من عام1997، يوم السادس والعشرين من شهر حزيران/يونيو يوماً عالمياً لمناهضة التعذيب ومساندة ضحاياه وتأهيلهم، تحييه وتحتفل به سنوياً ومعها كافة المنظمات والمؤسسات الناشطة في مجال حقوق الإنسان في العالم، باعتباره يوماً لتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي بدأت بالتنفيذ الفعلي بتاريخ 26 حزيران عام 1987م.
وتعتقل إسرائيل في سجونها نحو 4610 أسيرا، منهم 3930 أسيراً من الضفة الغربية والقدس و 456 من قطاع غزة، إضافة إلى 192 أسيرا من الداخل الفلسطيني، و32 أسيراً من العرب الذين اعتقلوا خلال تنفيذهم عمليات فدائية عبر الحدود، أو ما يصطلح على تسميتهم باسم أسرى "الدوريات".
ووفقاً للإحصائيات فان 320 أسيراً رهن الاعتقال الإداري، 5 أسيرات، 203 طفلا ما دون الـ( 18 عاماً)، وتظهر الإحصائيات أن 527 أسيرا يقضون احكاماً بالسجن مدى الحياة، 449 أسيراً محكومين بالسجن لأكثر من 20 عاماَ، 447 محكوما بالسجن لفترة تزيد عن 15 عاماً وتقل عن 20 عاماً.