الاطار المرجعي السياسي والقانوني لاتفاق اعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

...............................................................
الإطار المرجعي السياسي والقانوني لاتفاق إعلان المبادئ
الفلسطيني الإسرائيلي – إتفاق أوسلو
13 سبتمبر 1993م
واشنطن – حديقة البيت الأبيض

...............................................................

القسم الأول : الإطار السياسي
القسم الثاني : الإطار القانوني
تقديم :
لقد كتبت هذه الدراسة بعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي – اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993م مباشرة.
وقد نشرت في جريدة الشرق الأوسط على حلقات في 12/11/1993م وفي 09/12/1993م وفي 10/12/1993م، ولم يكن الهدف منها الدعاية لاتفاق أوسلو سواء على مستوى التأييد أو على مستوى المعارضة، بل كانت دراسة موضوعية مبكرة لاعلان المبادئ لمعرفة حقيقته وماهيته، لأنه يسجل محطة مهمة من محطات القضية الفلسطينية ومن محطات الصراع العربي الإسرائيلي، وفارقة مهمة في دبلوماسية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سوف يحكم ويضبط جدلية الصراع في إطار النظام الدولي والإقليمي المسيطر بعد انتهاء الحرب الباردة، وهيمنة قطب وحيد على النظام الدولي منحاز لصالح الطرف الإسرائيلي، ولقد اطلع في حينه العديد من القيادات الفلسطينية الفاعلة في القرار الفلسطيني على هذه الدراسة، وقد تباينت الآراء حولها.
السيد أحمد قريع "أبو العلاء" وصفها بأنها دراسة تحليلية جادة، ولكن الوقت مبكر للحكم على اتفاق إعلان المبادئ، أما المرحوم خالد الحسن "أبو السعيد" والذي كان معارضا لهذا الاتفاق قال: إنها مرافعة ذكية عن اتفاق أوسلو، وأما السيد فاروق القدومي " أبو اللطف" والذي كان معارضا أيضاً لاتفاق أوسلو قال: بعد قراءة الدراسة فيها من التحليل الموضوعي ما يستحق القراءة وفقكم الله، وأما المرحوم فيصل الحسيني وصفها بأنها قراءة عميقة وواضحة ومرشدة لفهم اتفاق إعلان المبادئ.
واليوم وبعد مرور تسعة عشر عاماً على توقيع اتفاق إعلان المبادئ وبناء سلطة الحكم الذاتي، وبعد الانسداد السياسي الذي وصلت إليه عملية السلام، وتعثر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بسبب التعنت الإسرائيلي والتسويف والمراوغة بالالتزام باستحقاقات العملية التفاوضية وتنفيذ الاتفاقات الموقعة، وسعي حكومة إسرائيل لاجهاض عملية السلام برمتها وتجميدها لما يحقق أغراضها في التوسع والاستيطان على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى حساب إفراغ عملية التفاوض من مضمونها، وتخاذل الدول الراعية عن القيام بواجبها، فقد ارتأينا إعادة طبعها ونشرها وتوزيعها للتذكير بماهية إعلان المبادئ واستحقاقاته السياسية والقانونية وما كان يجب أن يقود إليه من اتفاق سلام نهائي، ينهي الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في الخامس من حزيران 1967م، ويقود إلى ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في العودة وفق القرار 194، وحقه في تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الأراضي المحتلة عام 1967م وفق قراري مجلس الأمن رقم 242 و 338 ، كما أن الهدف من إعادة طبعها ونشرها كي يطلع الجيل الشاب خصوصا ممن هم اليوم في مواقع المسؤولية، سواء في الأجهزة الإدارية، أو الأمنية، أو الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية، ليعوا ما يتوجب عليهم من مهام، وتطوير أدائهم في سياق جدلية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والكفاح الوطني، لاستكمال بناء المشروع الوطني الفلسطيني وإنجازه، دولة مستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967م وعاصمتها القدس الشريف، خالية من الاستيطان ومن التشوهات الاحتلالية المختلفة، وتنفيذ حق العودة للشعب الفلسطيني وفق القرار الأممي 194 للعام 1948م.
17/08/1433هـ الموافق 07/07/2012م

القسم الأول :
الإطار السياسي لاتفاق إعلان المبادئ
الفلسطيني – الإسرائيلي

القسم الأول :
الإطار السياسي لاتفاق إعلان المبادئ
الفلسطيني – الإسرائيلي
مقدمة:
إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي ( الموقع في 13 سبتمبر (أيلول) 1993م في حديقة البيت الأبيض من جانب منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل) لا يمكن فهمه بعيداً عن الاطار التاريخي للصراع العربي الإسرائيلي، والمؤثرات الداخلية والخارجية على هذا الصراع، وانعكاساته الإقليمية والدولية، سواء من حيث الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي لدول المنطقة، وأثره وتأثره بمصالح الدول العظمى والقوى ذات العلاقة المباشرة به سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية.

وقد يتفق الباحثون في الصراعات الدولية المعاصرة على اعتبار هذا الصراع (العربي – الإسرائيلي) من أكثرها تعقيداً وتميزاً منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، حيث اختلطت فيه أبعاد شديدة التركيز والتفعيل، تمنحه ديمومة وحيوية نادرتين، بدءاً من أبعاده الوطنية، والقومية، والدينية، والتاريخية، والحضارية، والتي يغذيها الوجدان والعاطفة، والموروث العقائدي والتراثي لفريقي الصراع، إضافة إلى الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، القائمة على تصارع وتجاذب المصالح الإقليمية والدولية في آن واحد، وسجلت هذه الأبعاد وأشبعتها تحليلاً دراسات عديدة صدرت لدى جانبي الصراع، على مدى نصف القرن الماضي.

الواقعية وأحادية القطبية الدولية
إن استمرار الصراع العربي – الإسرائيلي على مدى الزمن الماضي وما جره من ويلات، ومن تضحيات جسام، بالاضافة إلى مجمل التطورات المحلية والدولية وتأثيراتها عليه، أدى إلى نمو نظرات وتصورات أكثر واقعية وأقل تأثراً بالعاطفة والوجدان، لدى فريقي الصراع ( العربي – الإسرائيلي ) ودفع كلا الفريقين للإقرار كل واحد بحقيقة وجود الآخر، وإدركا إن استمرار الصراع لا يعني في ظل الأوضاع الراهنة محليا ودولياً، سوى استمرار تقديم التضحيات، دون تحقيق إمكانية الحسم النهائي لحساب أي طرف على المدى المنظور، وبالتالي استحالة تحقيق الغايات المطلقة لأي من فريقي الصراع بواسطة الحسم العسكري، مما حتم التوجه نحو التفاوض أسلوباً لحل الصراع القائم.

لم تستطع آلة الاحتلال العسكري الإسرائيلي، أن تلغي الحقيقة الفلسطينية المقاومة له، والتي عبرت عن نفسها باستمرار نضالها وكفاحها بوسائل وأشكال نضالية متعددة، داخل فلسطين وخارجها، والتي توجت بالانتفاضة الشعبية التي فرضت على القيادة الحاكمة في إسرائيل، والعالم ضرورة التعامل المباشر مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وبالتالي مع الممثل السياسي له (م.ت.ف)، من أجل إقرار السلام في المنطقة، وأكدت هذه المقاومة الباسلة عجز إسرائيل عن الاستمرار في احتلالها الأرض العربية والتوسع فيها حسب قدرتها العسكرية.

وعلى الجانب العربي - الفلسطيني الذي عجز على مدى الزمن الماضي من تحقيق المشروع العربي القومي بإلغاء إسرائيل من خريطة المنطقة في ظل موازين قوى محلية ودولية بقيت مختلة لصالح استمرار وجود إسرائيل، وترافق ذلك أيضاً مع إندحار المشروع العربي الوحدوي، الذي كان يرتكز أساسا على مقولة ( الوحدة طريق التحرير ) ومقولة ( التحرير طريق الوحدة )، ليفسح المجال أمام مشروع الدولة الوطنية القطرية ذات الخصوصيات الخاصة، والتي تميز كل دولة عن الأخرى من دول العالم العربي، محدثة لها اهتمامات قطرية خاصة ترقى كثيرا عن اهتمامها بالقضايا القومية وفي مقدمتها تحرير فلسطين أو إلغاء الوجود الإسرائيلي من خريطة الشرق الأوسط، مما أدى إلى إتاحة المجال أمام القوى صاحبة النظرة الواقعية تجاه الصراع سواء في الجانب الإسرائيلي أو في الجانب العربي والفلسطيني، أن تصبح هي الأكثر قدرة على التأثير على القرار في مستقبل الصراع على الأقل في ظل الظروف الراهنة، وجاءت اتفاقات كامب ديفيد عام 1978م بين إسرائيل ومصر، مستندة اساسا إلى هذه التحولات لدى فريقي الصراع، ولتؤسس في المستقبل منهجا يقاس عليه في معالجة الصراع العربي – الإسرائيلي، بواسطة المفاوضات المباشرة، وعلى أساس الشرعية الدولية ممثلة في تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و 338، واللذان عنيا بمعالجة آثار الحرب العدوانية لعام 1967م.

إن تسارع المتغيرات الإقليمية والدولية في العقدين الأخيرين والتي توجت بانتهاء الحرب الباردة، وإنهيار المجموعة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي، ثم انفراط عقد الاتحاد السوفياتي نفسه وتحوله إلى دول ضعيفة، تعاني مشاكل لا تقل بل تزيد في جوانب كثيرة على مشاكل دول العالم الثالث نفسه، وما لذلك من انعكاسات سلبية على حركات التحرير الوطنية، التي كانت تعتبر وجود الاتحاد السوفياتي مسانداً وداعماً قوياً لها في صراعها مع القوى المستعمرة لها، مادياً، وسياسياً، ومعنوياً من خلال التأثير الذي كان يفرضه في أجهزة الأمم المتحدة سواء على مستوى الجمعية العامة أو على مستوى مجلس الأمن، ومن بين هذه الحركات الأكثر تأثراً حركة التحرير العربي عموماً، وحركة التحرير الفلسطينية خصوصاً، الشيء الذي أدى إلى نتيجة واضحة، إن العالم بات رهين قوة قطبية واحدة، هي الولايات المتحدة الأمريكية، متحملة بذلك مسؤولية أخلاقية تجاه نظام دولي جديد تسعى لأن تسوده مبادئ الديمقراطية والمساواة والحرية على المستوى الداخلي للدول، واحترام قواعد القانون الدولي العام على المستوى الخارجي (الدولي)، بما يحفظ هيبة الدولة العظمى الوحيدة، أو الأولى ويفرض قدرتها على حفظ الأمن والسلام الدوليين، ويحقق المساواة بين الدول والشعوب والأمم، بمقاييس وتكييفات الدولة المنتصرة في الحرب الباردة، مما يضع قدرات جديدة وهامة في يد الولايات المتحدة تمكنها من فرض الحلول لكثير من الصراعات الدولية التي كانت تحول الثنائية القطبية دون تسويتها، بل كان يمثل استمرارها في كثير من الحالات صورة من صور التنافس القطبي بين الدولتين الأعظم.

إطار مفاوضات السلام
بعد تلك التحولات الإقليمية والدولية، وبعد حرب الخليج الثانية التي فرضها الغزو العراقي للكويت بكل تفاعلاته، بما فيها تلك الحرب التي أفقدت إسرائيل دورها الذي تغنت به كثيرا والمتمثل في خدمة وحماية المصالح الغربية في المنطقة العربية، أصبح المناخ جاهزاً لوضع إطار لمفاوضات السلام في الشرق الأوسط على أساس مبادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش في مارس (آذار) 1990م المتضمنة مبدأ الأرض مقابل السلام، والشرعية الدولية ممثلة في قراري مجلس الأمن 242 و 338 وكذلك القرار 425 بالنسبة للمسألة اللبنانية – الإسرائيلية وعلى أساس تحقيق الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وبرعاية أمريكية – روسية تمنح عملية السلام إمكانية السير البطيء، خصوصا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وغياب الدور الفاعل له، والمتوازن سابقا إلى حد ما مع الدور الأمريكي.

الشروط المجحفة
وبالفعل بعد عدد من الزيارات المكوكية لدول الصراع العربي – الإسرائيلي قام بها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، وجهت خطابات الدعوة لأطراف الصراع العربي – الإسرائيلي لحضور مؤتمر مدريد للسلام في 31/10/1991م برعاية رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش ورئيس الاتحاد السوفياتي المتداعي جورباتشوف.
وقد تضمنت خطابات الدعوة إلى جميع الأطراف العربية (الأردن، لبنان، سورية) وإسرائيل للمشاركة في هذا المؤتمر بوفود مستقلة، على أساس البحث عن تسوية نهائية لصراعها، على أساس الأسس العامة التي أشرنا إليها، باستثناء الجانب الفلسطيني الذي أمليت عليه شروط خاصة ومجحفة تتمثل في ما يلي :
1- أن يتم تمثيل الجانب الفلسطيني ضمن إطار الوفد الأردني.

2- أن تكون عناصر الوفد الفلسطيني من فلسطينيي الأرض المحتلة فقط، ودون أن يكون من بينهم من ينتمي إلى مدينة القدس.

3- أن لا يكون بينهم أحد من فلسطينيي الشتات.

4- مشاركة م.ت.ف تتمثل فقط بمباركة هذا الوفد، دون أن تشترك فيه أو تختار أعضاءه.

5- مهمة هذا الوفد بحث مسألته ( المسألة الفلسطينية ) والتفاوض على مرحلتين :

أ‌) التفاوض على مرحلة انتقالية : تؤدي إلى الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي على ترتيبات لحكم ذاتي محدود (لقطاع غزة والضفة الغربية) لا يشمل القدس ويستمر خمس سنوات من بدء التنفيذ.

ب‌) التفاوض على مرحلة نهائية : وتبدأ بعد نهاية السنة الثانية من تطبيق اتفاق الحكم الذاتي المحدود المتفق عليه، وتمثل هذه المدة فترة اختبار للفلسطينيين على قدرتهم على إدارة أنفسهم بحيث إذا أثبتوا نجاحا في ذلك تبدأ مفاوضات الوضع النهائي لتحديد مستقبله، وتكون على أساس تنفيذ القرارين 242 و 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام.

تمثل هذه الشروط المجحفة التي أمليت على الجانب الفلسطيني إنكارا لـ م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، المعترف به عربيا ودوليا من جانب راعيي المؤتمر، ومن جانب أطراف الصراع وتعني فارقاً زمنياً وموضوعيا سلبيا في إنطلاق العملية السلمية بالنسبة للمسار الفلسطيني، والذي تمثل قضيته لب الصراع العربي – الإسرائيلي، الشيء الذي زاد من مخاوف الفلسطينيين أن تتمكن إسرائيل من التوصل إلى اتفاقيات سلام نهائية مع الأطراف العربية الأخرى، ويترك الجانب الفلسطيني وحيداً يواجه مصيره بالمفاوضات مع إسرائيل، بعد استنفاد كامل أوراق الضغط العربية التي كان من الممكن أن تساعده في المفاوضات.

الموافقة الفلسطينية على المشاركة في عملية السلام
لقد جاءت الموافقة الفلسطينية على المشاركة في عملية السلام على أساس الشروط المنوه عنها، عسيرة وقاسية، من خلال دورة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني تم عقدها في الجزائر في سبتمبر (أيلول) 1991م، حيث لم يجد الجانب الفلسطيني في حينها المساعدة الكافية، والممكنة لتحسين شروطه التفاوضية، خصوصا أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت وما زالت تعاني عزلة دولية وعربية، أصابتها بعد تعليق الحوار الأمريكي – الفلسطيني في أعقاب العملية الفدائية على شواطئ فلسطين صيف 1990م، وبعد الغزو العراقي للكويت في اغسطس (آب) 1990م ونتائجه الكارثية فلسطينياً وعربياً.

ولقد اعتقد الجانب الفلسطيني أن هذه الشروط المجحفة، هي نتيجة لهذه العزلة العربية والدولية، وأن لا خيار أمامه سوى الرضوخ لتلك الشروط، والتعامل مع الواقع سعياً من خلال عملية التفاوض إلى تحسين شروطه التفاوضية، رغم إداركه خطورة هذه المجازفة السياسية التاريخية، وإدراكه اختلال موازين القوى الإقليمية والدولية لغير صالحه.

إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت تعي جيداً أنها ما زالت تمتلك أوراقاً مهمة قادرة بواسطتها على استعادة نشاطها وفاعليتها العربية والدولية، وفرض نفسها على طاولة المفاوضات كطرف أصيل في الصراع، ممثلة في :

1) استمرار الانتفاضة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

2) إجماع الشعب الفلسطيني على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.

3) إمكانية الدفع بقوى دولية مثل أوروبا كي تطور من مشاركتها في عملية السلام وتكون أكثر فاعلية، وأن تلعب على الأقل دور المساند إن لم يكن دور الشريك للولايات المتحدة الأمريكية، التي حاولت تهميش دورها كما ظهر في مؤتمر مدريد للسلام.

4) إدراك الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، أن الوفد الفلسطيني المشارك من خلال الوفد الأردني، رغم كل الشروط الذي صيغ على أساسها، فإنه يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية مرجعيته الأولى والأخيرة.

5) امتلاك منظمة التحرير لمبادرة السلام الفلسطينية وتطوراتها، بدءاً من البرنامج المرحلي المقرر في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني سنة 1974م والذي يشير إلى قيام السلطة الوطنية على أي شبر يتم دحر الاحتلال عنه، وصولا إلى مبادرة السلام الفلسطينية القائمة على مبدأ الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية في الدورة التاسعة عشرة في العام 1988م والذي أعلن قيام الدولة الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية، ممثلة بقرارات الأمم المتحدة ومنها القرار 242 إضافة إلى أمور أخرى منها الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين.

تحسين شروط المفاوض الفلسطيني
عمدت منظمة التحرير الفلسطينية بعد صدور موافقة المجلس الوطني الفلسطيني على المشاركة في عملية السلام إلى تحسين شروط التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي من خلال اتجاهين :

الأول: يتمثل في ضرورة تثبيت حد أدنى من التنسيق في مواقف الأطراف العربية المشاركة في عملية التفاوض، يقضي بأن لا ينفرد أي طرف عربي بالتوصل إلى توقيع اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل إلا بعد توصل جميع الأطراف العربية الأخرى، وفي مقدمتها الطرف الفلسطيني لنفس النهاية، خصوصا أن الطرف الفلسطيني يتفاوض كما أشرنا على مرحلتين الأولى لترتيب حكم ذاتي انتقالي محدود ودون القدس، لمدة خمس سنوات، وثانية نهائية ترتكز على تنفيذ قرار 242 وعلى أساس تحقيق الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، تبدأ بعد نهاية السنة الثانية من تطبيق الحكم الذاتي الذي سيتفق عليه، في حين أن جميع الأطراف العربية الأخرى قد بدأت التفاوض مباشرة على مرحلة نهائية واحدة تستند إلى مبدأ مقايضة الأرض بالسلام وتنفيذ القرارين 242 و 338، وذلك بهدف التغلب على معضلة الفارق الزمني السلبي والفارق الموضوعي الذي رتبته الشروط المجحفة على الطرف الفلسطيني والذي بدء على أساسها التفاوض مع الطرف الإسرائيلي.

الثاني: ويتمثل في القيام بعمل سياسي يعيد لمنظمة التحرير الفلسطينية نشاطها وفاعليتها، وبالتالي فرضها مباشرة على طاولة المفاوضات، وبالفعل تمكنت منظمة التحرير من تحقيق حد أدنى من التنسيق مع الأطراف العربية المشاركة في المفاوضات، رغم ما سعت إليه الدبلوماسية الإسرائيلية من زرع بذور الشك بين الأطراف العربية، وتمكنت من استخدام البوابة المصرية لفك العزلة العربية أولا، والعزلة الدولية ثانيا، بالاضافة إلى أهمية مصر على المستويين العربي والدولي، وادراكا من مصر أن تجاهل منظمة التحرير الفلسطينية وتهميش دورها لا يخدم عملية السلام، بل قد يؤدي إلى توقف كامل لقطار السلام المنطلق من مدريد إلى واشنطن، وادراكا من مصر أن منظمة التحرير الفلسطينية تمثل الأداة الشرعية فلسطينيا وعربيا في إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي في جوهره أو جانبه (الفلسطيني – الإسرائيلي) منذ نشأتها وتأسيسها، والذي تأكد في قرارات القمة العربية المنعقدة عام 1974م بالرباط، واعتبارها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني .

وقد حرص الوفد الفلسطيني المشارك في مفاوضات السلام من خلال المظلة الأردنية أن يعلن بنفسه، أنه يتلقى التعليمات من منظمة التحرير الفلسطينية، وأنه غير مخول بإتخاذ أي قرار إلا بالرجوع إليها، وأخذ رأيها وليس مجرد أخذ العلم بالشيء، بل التقرير بالنسبة للشيء نفسه، وأعلنت منظمة التحرير أيضا أن الوفد الفلسطيني المشارك في مفاوضات السلام هو وفدها، لدرجة أن الهالة التي أحيط بها أفراد الوفد الفلسطيني في الجولات الأولى، سرعان ما خبت، وأسبغت على قيادة منظمة التحرير نفسها.

وأمام التلكؤ الذي عاشته المفاوضات في جولاتها السابقة في واشنطن، وفي إطار أن لا خيار أمام الفلسطينيين سوى التفاوض، وبالشروط المتاحة، وفي إطار استهداف الجانب الفلسطيني تحسين هذه الشروط، بدءا من شرط التمثيل، مرورا بحرق المرحلة الانتقالية وربطها بالمرحلة النهائية ليتساوى مع بقية الأطراف العربية، اضطر الجانب الفلسطيني للبحث عن قناة رديفة لمفاوضات واشنطن، مستعينا بما حققته منظمة التحرير من فك للعزلة العربية والدولية التي كانت تحيط بها عند انطلاق المفاوضات، ومن الأوراق الأخرى التي تؤهلها للعب دورها المطلوب في العملية التفاوضية السلمية مباشرة.

تفعيل الدور الأوروبي
لم تكن المشاركة الأوروبية في مؤتمر مدريد للسلام، لتعكس أهمية أوروبا تجاه السلام في الشرق الأوسط بل ظهرت الولايات المتحدة كمهيمن على مؤتمر السلام، رغم مشاركة الاتحاد السوفياتي لها في رعاية المؤتمر، وأوروبا التي تدرك حجم مصالحها في جنوب وشرق المتوسط، لا شك أنها كانت تطمح لدور أكبر مما خصص لها في مؤتمر مدريد للسلام، فلاقت لديها رغبة منظمة التحرير الفلسطينية المدعومة مصريا، تجاوبا كبيرا في إحداث قناة مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية رديفة أو موازية لقناة واشنطن والتي عرفت بقناة أوسلو، ولكنها ليست بديلة عنها، كي تثبت أهميتها لعملية السلام في الشرق الأوسط وأنها ترتبط بعلاقات عضوية بأطراف الصراع بالشرق الأوسط العربية والإسرائيلية، وبالتالي فهي تستطيع أن تكون طرفا فاعلا ومقبولا لدى الإسرائيليين ولدى الطرف الفلسطيني الذي يسعى إلى تحسين شروطه التفاوضية في المفاوضات الجارية، وبذلك تكون منظمة التحرير الفلسطينية بهذه الاستجابة الأوروبية قد أقحمت أوروبا في عملية السلام من الباب الخلفي لها، بعد أن سعت القوى المهيمنة على عملية السلام إلى إبعادها وتهميش دورها ودور المنظمة نفسها في بدء العملية السلمية التفاوضية الجارية والمنطلقة من مدريد في 31/10/1991م إلى واشنطن حيث نقلت جلسات التفاوض بين الأطراف لتحتكر واشنطن رعايتها وتوجيهها.

الدبلوماسية السرية
تمكن الجانب الفلسطيني من السير في المفاوضات بواسطة قناتين، الأولى تمثلت في الوفد المفاوض، من مدريد إلى واشنطن، والذي كان يعكس باستمرار حجم العقبات التي كانت تعترض المفاوضات في مسارها الإسرائيلي – الفلسطيني،. والثانية تمثلت في القناة الدبلوماسية السرية المباشرة (قناة أوسلو) مستعيناً كما أسلفنا بالدور المصري – الأوروبي، الذي أظهر قدرة وتفوقاً في تجاوز العقبات، على المفاوضات العلنية المباشرة والتي ترعاها الولايات المتحدة وروسيا في واشنطن.

تمكنت القناة الدبلوماسية السرية من النجاح في التوقيع بالأحرف الأولى في 19 أغسطس 1993م على اتفاق إعلان مبادئ فلسطيني – إسرائيلي حول ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية، والذي تم التوقيع الرسمي عليه بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي في حفل دولي كبير يوم 13/09/1993م في حديقة البيت الأبيض في واشنطن.

وبتوقيع إعلان المبادئ، تكون قد خطت العملية السلمية الجارية أولى خطواتها في المسار الفلسطيني – الإسرائيلي من العملية السلمية الشاملة، والتي لا بد أن تعقبها خطوات متتالية لتنفيذه، ثم خطوات أخرى على المسارات الأخرى لتسير العملية السلمية بشموليتها في توازن تام على كافة المسارات الخاصة بالتفاوض بين أطراف الصراع العربي الإسرائيلي.

وبعيداً عن تحليل ماهية الاتفاق وبنوده – والتي سنفرد لها قسماً ثانياً – فإننا على ضوء هذا التحليل للظروف والملابسات والمناخات السياسية السائدة نصل إلى النتائج الآتية:

1- تم تصحيح التمثيل الفلسطيني في عملية السلام الجارية، واستعادة منظمة التحرير الفلسطينية دورها الطبيعي ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.
2- إن م.ت.ف هي الجهة الوحيدة القادرة عملياً على تجاوز العقبات التي قد تظهر بن الفينة والأخرى في إطار مسار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية الجارية في إطار العملية السلمية.
3- أكد استقلالية الطرف الفلسطيني إزاء الأطراف الأخرى المشاركة في العملية التفاوضية.
4- استثمر الطرف الفلسطيني الزمن المتاح لزخم العملية التفاوضية السلمية لإنجاز المرحلة الانتقالية والتي يتفرد بها عن غيره من أطراف المفاوضات قبل أن تشارف الأطراف الأخرى على الانتهاء من مفاوضاتها، التي ابتدأت على أساس مرحلة واحدة نهائية، وعمل ليتساوى معها مستقبلا في التفاوض حول الوضع النهائي لقضيته على أساس تنفيذ قراري مجلس الأمن رقمي 242 و 338 وعلى أساس تحقيق الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني.
5- وضع الجانب الفلسطيني الآن العملية السلمية بمجملها تحت الاختبار قبل أن تصل الأطراف الأخرى إلى اتفاقات سلام نهائية، وتجنب الوقوع وحيداً تحت الاختبار العسير للمرحلة الانتقالية.
على أساس هذا الإطار السياسي المرجعي المفهومي وتعقيداته، يمكن لنا فهم ودراسة إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي، من حيث ماهيته، والنتائج المترتبة عليه، فلسطينياً وعربياً، وما أحاطه أيضاً من ردود فعل متباينة.


القسم الثاني :
الإطار القانوني لاتفاق إعلان المبادئ
الفلسطيني – الإسرائيلي

القسم الثاني :
الإطار القانوني لاتفاق إعلان المبادئ
الفلسطيني – الإسرائيلي
مقدمة:
لقد جاء اتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي، الموقع في واشنطن في 13/سبتمبر/1993م، بين منظمة التحرير الفلسطينية – وإسرائيل بصفة الأولى ممثلة للشعب الفلسطيني، مشتملا على ديباجة وسبع عشرة مادة وأربعة ملاحق، تمثل في مجموعها اتفاقا بين الطرفين على إطار عمل، يتم على أساسه تنظيم ووضع الاتفاقيات اللازمة، بشأن تنظيم سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني المحدودوالمؤقت للضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، لمدة خمس سنوات، وعلى أساس المبادئ العامة والشروط الخاصة بالطرف الفلسطيني والتي ارتكزت عليها العملية السلمية في مؤتمر مدريد للسلام، الذي انعقد في 31/10/1991م.

وعلى ضوء دراستنا السابقة للاطار المرجعي السياسي لاتفاق إعلان المبادئ (والتي نشرت في جريدة الشرق الأوسط يوم 12/11/1993م عدد 5463) سنحاول تقديم تحليل قانوني لعناصر إعلان المبادئ ليس بهدف تثبيت موقف مؤيد أو معارض منه، بقدر مانهدف إلى معرفة موضوعية بعيدة عن الانفعال لماهية هذا الاعلان، والنتائج التي من الممكن أن يقود إليها من خلال مدى تلمسه لامكانية إنجاز اتفاقيات المرحلة الانتقالية الأولى، في إطار العملية السلمية الجارية في مسارها (الفلسطيني الإسرائيلي)، ومدى الربط الذي أحدثه هذا الإعلان بين المرحلتين الانتقالية والنهائية للعملية السلمية في مسارها الفلسطيني الإسرائيلي، ونهدف أيضاً استبيان العناصر الموضوعية التي اشتمل عليها، والتي أجلها إلى المرحلة النهائية، والعناصر التي أغفلها، والتي يمكن اعتبارها في مجموعها عناصر موضوعية لابد من التفاوض في شأنها بين الطرفين، والتوصل إلى اتفاقيات واضحة تكفل إقرار السلام الشامل بينهما، وتمثل ركيزة أساسية من ركائز إقرار السلام الشامل بين كافة أطراف الصراع العربي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط.

هدف المفاوضات:
لقد تناول اتفاق إعلان المبادئ هدف المفاوضات الجارية بين الطرفين الفلسطيني – والإسرائيلي من خلال ديباجته ومن خلال المادة الأولى فيه، فقد أشارت ديباجته إلى أن الطرفين (( يتفقان على أن الوقت قد حان لإنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية والمتبادلة، ... وتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة ... )، وأشارت المادة الأولى من الإعلان إلى (( أن هدف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية ضمن عملية السلام الحالية ... هو من بين أمور أخرى إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية ... للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات وتؤدي إلى تسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338 ... )) واعتبار الترتيبات الانتقالية الخاصة بالحكم الذاتي، جزءا لا يتجزأ من عملية السلام الجارية على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي بمرحلتيها، كما أشارت المادة الخامسة إلى اتفاق الطرفين على أن اتفاقيات المرحلة الانتقالية لا تجحف أو تخل بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم والتي ستؤدي إلى تطبيق القرارين 242 و 338 وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة والسياسية أسوة بالطرف الإسرائيلي، امتثالا لقاعدة الاعتراف المتبادل بحقوق الطرفين المشروعة والسياسية التي أكدها الاعلان في ديباجته.

وبناء على ما تقدم، فإن الهدف العام للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ينقسم إلى شقين:

1) التوصل إلى اتفاق انتقالي لتنظيم سلطة حكم ذاتي مؤقت للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة خمس سنوات، يمثل المرحلة الانتقالية في إطار العملية السلمية الجارية على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي.

2) التوصل إلى اتفاق سلام دائم على أساس قاعدة تنفيذ القرارين 242 و 338، وعلى قاعدة الاعتراف بالحقوق المشروعة والسياسية المتبادلة للطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني)، ويمثل النتيجة النهائية لمفاوضات الوضع الدائم.

وإذا رجعنا إلى دراسة قرار مجلس الأمن رقم 242 نجد أنه قد نص في ديباجته على (مبدأ عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة) وأكد في صلبه على (الإنسحاب من الأراضي المحتلة ((حسب النص الفرنسي)) أو من أراضي محتلة ((حسب النص الإنجليزي)) ).

إن مبدأ عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة، يمثل قاعدة آمره من قواعد القانون الدولي العام تلزم أشخاصه باحترامها والإنصياع إليها بشكل لا يقبل التأويل، حيث لا يوجد مكان في إطار المجتمع الدولي المعاصر لعودة مبدأ الفتح أو مبدأ الضم، لأن ذلك يعني انهيارا كبيرا في العلاقات الدولية القائمة على أسس المساواة والاحترام المتبادل بين كافة أشخاص العلاقات الدولية.

وإن وضوح هذا المبدأ وتصدره لديباجة القرار 242 يجلي الغموض الذي اكتنف النص الإنجليزي للقرار باسقاطه (أل التعريف) من تعبير الأراضي ليوحي بامكانية إدعاء إسرائيل الاحتفاظ ببعض الأراضي المحتلة في حرب 1967م وبالتالي عدم إلزامها بالانسحاب الشامل منها.

وهذا ما تحاول إسرائيل أن تتشبث به في تفسيرها للقرار 242، إلا أن التكييف القانوني لهذه النصوص، والذي يجب أن يتمسك به المفاوض العربي عموما، والمفاوض الفلسطيني خصوصا، يسقط أية مطالبة إسرائيلية تستند على هذا الأساس للاحتفاظ بأي جزء من الأراضي الفلسطينية أو العربية المحتلة في حرب 1967م، وأن تطبيق القرار 242 بين مصر وإسرائيل بموجب اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لعام 78/1979م قد أكد هذا المفهوم ومثل سابقة في تنفيذ قرار 242 يجب أن تحتذى على كافة مسارات العملية السلمية الجارية الآن وفي مقدمتها المسار الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تم الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي المصرية التي احتلت في حرب 1967م، تنفيذا لقرار 242 من خلال معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية.

ومن خلال ما سبق نصل إلى النتائج الآتية:

1- إن الوضعية القانونية لأراضي قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية العربية هي أراضي محتلة ينطبق عليهما القرار 242 والقرار 338.

2- إن السيادة على أراضي الضفة والقطاع والقدس هي للشعب الفلسطيني، الذي تم الاعتراف به في إطار إعلان المبادئ هذا من قبل إسرائيل ولا مجال لمحاولة منازعته السيادة عليها كليا أو جزئيا، وأن ممارسته للسيادة عليهما الآن معطلة بسبب وجود الاحتلال الإسرائيلي، وبمجرد زوال الاحتلال الإسرائيلي بموجب تنفيذ القرار 242 تعود ممارسة السيادة كاملة وغير منقوصة للشعب الفلسطيني على جميع أراضيه المحتلة حاليا.

3- إن قرار الضم الإسرائيلي لمدينة القدس العربية لاغيا بإقرارها في هذا الاعلان مرجعية المفاوضات إلى القرار 242، وكذلك فإن جميع قرارات مصادرة الأراضي سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وجميع أعمال الاستيطان السابقة أو اللاحقة لاتفاق إعلان المبادئ تعتبر أعمالا غير مشروعة ومتناقضة مع روح القرار 242، وأن تنفيذه وتطبيقه الكامل على المسار الفلسطيني الإسرائيلي في إطار العملية السلمية يحتم إلغاء جميع أشكال انتقاص سيادة الشعب الفلسطيني على أراضيه، وأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتوقيع اتفاقيات السلام النهائية بين الطرفين يؤدي إلى استعادة الشعب الفلسطيني لكافة أشكال ممارسته لسيادته على أراضيه التي احتلت في حرب 05/06/1967م.

4- إن تنظيم الحكومة الذاتية الفلسطينية، يمثل مرحلة ابتدائية تمهيدية لممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة السياسية والتي أقر بها إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي.

5- إن تنفيذ القرار 242 والتوصل إلى سلام دائم وتوقيع اتفاقيات سلام نهائية بين (م.ت.ف) وإسرائيل، لابد أن يؤدي إلى زوال الاحتلال الإسرائيلي نهائيا للأرض الفلسطينية وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير، هذا الحق الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة وكفله لجميع الشعوب والأمم بالتساوي.

المرحلة الانتقالية:
إن المرحلة الانتقالية التي تقتضي الاتفاق على تنظيم سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية، مثلت تفردا فلسطينيا في إطار مسارات العملية السلمية بالنسبة للمسارات الأخرى، والتي لا تعنى بمثلها، بل بدأت تفاوضها مباشرة نحو التوصل لاتفاقيات سلام دائمة ونهائية، على أساس المبادئ العامة التي استندت إليها العملية السلمية الجارية من مدريد إلى واشنطن.

والمرحلة الانتقالية بالنسبة للمسار الفلسطيني – الإسرائيلي تمثل مرحلة تمهيدية أوجدتها الشروط المجحفة التي فرضت على الطرف الفلسطيني، على مستوى التخصيص، في إطارالعملية السلمية عند انطلاقها في مؤتمر مدريد للسلام، وكان لابد أن بجتازها مسار التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي، للانتقال بعد سنتين من بدء تنفيذها إلى التفاوض على الوضع النهائي في هذا المسار والذي سيكون على أساس المبادئ العامة لمؤتمر مدريد للسلام وعلى أساس تحقيق الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني.

وقد تضمن إعلان المبادئ أسس المرحلة الانتقالية التي سيتفاوض الطرفان على أساسها للتوصل إلى الاتفاقية أو الاتفاقيات الانتقالية التي يتم بناء عليها تنظيم سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتنظم هيكلية المجلس وعدد أعضائه ونقل الصلاحيات والمسؤوليات إليه وتحدد سلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية وقد تم تحديد الفترة الانتقالية بمدة خمس سنوات، تبدأ فور الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا، مما يعطي تأكيدا واضحا على صفتها المؤقتة وغير التهائية، ويزيد في تأكيد ذلك النص على بدء مفاوضات الوضع النهائي الدائم في وقت لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، والتي سيتم التفاوض فيها حول جميع القضايا والعناصر التي لا تغطيها اتفاقيات المرحلة الانتقالية وهي (القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود ...)، ويبرز إعلان المبادئ صراحة أن اتفاقيات المرحلة الانتقالية لا تجحف ولا تخل بنتيجة مفاوضات الوضع النهائي، وبالتالي استحالة تحويلها إلى وضع نهائي ودائم بين الطرفين، بل تبقى وضعا مرحليا مؤقتا لابد أن ينتهي مع توصل الطرفين إلى اتفاقات سلام نهائية ودائمة في أجل لا يتعدى خمس سنوات من بدء المرحلة الانتقالية.

نستنتج مما تقدم أن الهدف من المرحلة الانتقالية يتمثل في خلق أجواء من الثقة والتعاون بين الطرفين من جهة، وتهيئة الفلسطينيين لحكم أنفسهم بأنفسهم وإعادة بناء البنية التأسيسية لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي دمرت أو جمدت طيلة فترة الاحتلال الإسرائيلي لها منذ عام 1967م من جهة أخرى، وبالتالي فإنها خطوة تمهيدية ابتدائية على طريق التوصل إلى اتفاق سلام نهائي ودائم بين الطرفين.

الانسحاب وإعادة تموضع القوات الإسرائيلية:
لقد ميز إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي بين مفهومين هما (الانسحاب) و (إعادة تموضع القوات)، حيث أوضح البروتوكول الخاص بانسحاب القوات الإسرائيلية (من قطاع غزة ومنطقة أريحا) أن الطرفين سيعقدان اتفاقا يوقعان عليه خلال شهرين من تاريخ دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ حول انسحاب القوات العسكرية الإسرائيلية من قطاع غزة ومنطقة أريحا وسيتضمن هذا الاتفاق على ترتيبات شاملة تسري في قطاع غزة ومنطقة أريحا على أثر الانسحاب الإسرائيلي، وستنفذ إسرائيل انسحابا على أساس جدول زمني يتم استكماله خلال فترة لا تتعدى أربعة أشهر من توقيع هذا الاتفاق.
كما سيتضمن هذا الاتفاق ( اتفاق غزة – أريحا ) على جملة أمور أخرى منها:
أ‌) ترتيبات لنقل هادئ وسلمي للسلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإداراتها المدنية إلى الممثلين الفلسطينيين.
ب‌) بنية وصلاحيات ومسؤوليات السلطة الفلسطينية في هذه المجالات فيما عدا : الأمن الخارجي، والمستوطنات، والإسرائيليين، والعلاقات الخارجية ومسائل أخرى متفق عليها بشكل مشترك.
ج) ترتيبات لتولي الأمن الداخلي والنظام العام من قبل قوة الشرطة الفلسطينية التي تتشكل من ضباط الشرطة المجندين محليا ومن الخارج (حاملي جوازات السفر الأردنية والوثائق الفلسطينية الصادرة من مصر).
د) حضور دولي أو أجنبي مؤقت، وفقا لما يتفق عليه.
هـ) إقامت لجنة تعاون وتنسيق فلسطينية – إسرائيلية مشتركة لأغراض الأمن المتبادل.
و) برنامج للتنمية والاستقرار الاقتصادي، يشمل إقامة صندوق طوارئ.
ز) ترتيبات لممر آمن للأفراد وللنقل بين قطاع غزة ومنطقة أريحا.

وسيتضمن (اتفاق غزة – أريحا) أيضا ترتيبات من أجل التنسيق بين الطرفين فيما يتعلق بمعابر : أ- (غزة – مصر) ب- (أريحا – الأردن).

كما سيكون موقع المكاتب المسؤولة عن الاضطلاع بصلاحيات ومسؤوليات السلطة الفلسطينية حسب هذا الاتفاق والمادة السادسة من إعلان المبادئ في قطاع غزة ومنطقة أريحا بانتظار تنصيب المجلس.

وباستثناء هذه الترتيبات التي سيتم الاتفاق عليها في اتفاق (غزة – أريحا) بناء على الملحق رقم (2)، يبقى وضع قطاع غزة ومنطقة أريحا جزءا لا يتجزأ من الضفة الغربية وقطاع غزة ولن يتغير خلال الفترة الانتقالية.

أما فيما يتعلق بمفهوم إعادة (تموضع القوات) الإسرائيلية فقد أوضح الإعلان أنه سيتم إعادة تموضع القوات العسكرية الإسرائيلية في الضفة والقطاع بعد دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ وفي أجل لا يتجاوز عشية انتخابات المجلس.

وأشار الإعلان أن عملية إعادة تموضع القوات الإسرائيلية ستكون على أساس (مبدأ وجوب إعادة تموضع القوات العسكرية الإسرائيلية خارج المناطق المأهولة بالسكان) من جهة، وعلى أساس (التناسب مع تولي المسؤولية عن النظام العام والأمن الداخلي من قبل قوة الشرطة الفلسطينية) من جهة أخرى.

رغم إقرار إعلان المبادئ في المادة 4 والملحق رقم (2) (بشأن الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا) بالوحدة الترابية لأراضي الضفة وقطاع غزة وضرورة المحافظة على سلامتها، إلا انه سيخلق تمايزا على الأرض، من حيث تواجد القوات العسكرية الإسرائيلية عليها، التي لن تتواجد في مواقع ثابتة داخل قطاع غز ومنطقة أريحا إلا في المستوطنات فقط، في حين سوف تكون متواجدة في مواقع عسكرية ثابتة في بقية أنحاء الضفة الغربية ضمن الأسس التي تحكم عملية إعادة انتشار القوات العسكرية حسب الاتفاق الانتقالي.

وبالرغم من التمايز الذي أشرنا إليه بشأن تواجد القوات العسكرية الإسرائيلية بناء على عملية الانسحاب التي ستتم من قطاع غزة ومنطقة أريحا وإعادة انتشار القوات العسكرية في بقية أنحاء الضفة فإن ذلك لا يحد بأي شكل من الأشكال من حرية استخدام القوات العسكرية الإسرائيلية الاضطلاع بمسؤوليتها وصلاحياتها في المجالات التي لم تنقل فيها هذه الصلاحيات إلى الممثلين الفلسطينيين في منطقة غزة ومنطقة أريحا أولاً، وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني ثانياً.

الانتخابات:
أقر إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي حق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، بإجراء انتخابات سياسية عامة ومباشرة وحره لانتخاب (المجلس) مجلس سلطة الحكم الذاتي، وذلك تحت إشراف ومراقبة دولية متفق عليهما، في أجل لا يتجاوز التسعة أشهر من دخول الإعلان حيز التنفيذ، واعتبر الإعلان أن هذه الانتخابات، ستشكل خطوة تمهيدية انتقالية هامة نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة.

وقد أقر البروتوكول الملحق حول صيغة الانتخابات لفلسطيني مدينة القدس والذين يعيشون فيها حق المشاركة في العملية الانتخابية، وفقا للاتفاق الذي سيتم التفاوض والتوقيع عليه بين الطرفين بشأن الانتخابات الخاصة بالمجلس، وحق المشاركة في العملية الانتخابية يعني من حيث الحقوق السياسية والدستورية (هو حق المواطن بالتصويت من جهة وحقه أيضا بالترشيح من جهة أخرى طبقا للنظام الانتخابي الذي سيعمل به أو الذي سيتم الاتفاق عليه لتنظيم عملية الانتخابات) كما اقر الاعلان بهذا الحق للفلسطينيين المرحليين (النازحين) الذين كانوا مسجلين يوم 04/06/1967م في الضفة والقطاع، وأن عدم تمكنهم من المشاركة في العملية الانتخابية لأسباب عملية لا يعني الإجحاف بالوضعية المستقبلية لهم تجاه هذا الحق، مما يؤكد لنا أن حق العودة للنازحين من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة إثر حرب 1967م قد أقر به إعلان المبادئ واعتبرهم عنصرا من عناصر الفترة الانتقالية وبالتالي من نطاق ولاية سلطة الحكم الذاتي، وبناء على ذلك نخلص إلى النتائج التالية:

1- إن فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس سواء منهم الرازحون تحت الاحتلال أو المرحلون (النازحون) منهم إلى الخارج منذ حرب 1967م وحدة بشرية سياسية واحدة ولها وضعية سياسية قانونية واحدة تجاه سلطة الحكم الذاتي.

2- إن جميع إجراءات وقرارات الإبعاد الفردي والجماعي والتي مورست من قبل سلطات الاحتلال أو الذين لم يتمكنوا من العودة لظروف ما منذ 04/06/1967م بالنسبة لأبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس تلتزم إسرائيل باعتبارها لاغية وباطلة وإن من حقهم العودة إلى وطنهم ولا يحد من ذلك شيء، ضمن إجراءات تحول دون وقوع الفوضى فقط في إطار تنظيم عملية العودة التي سيتم الاتفاق عليها بالتنسيق بين كل من إسرائيل والفلسطينيين ومصر والأردن.

3- إن إعتراف إسرائيل بموجب هذا الإعلان بحق فلسطينيي القدس في المشاركة في العملية الانتخابية يؤكد :

أ‌) إن مدينة القدس جزء لا يتجزأ من أراضي الضفة الغربية المحتلة وإقرار بعدم شرعية قرار الضم الإسرائيلي للمدينة.
ب‌) إقرار بعدم شرعية إجراءات إسرائيل التي هدفت إلى تغيير معالم مدينة القدس طيلة فترة الاحتلال.
ج) إن قرار 242 ينطبق على مدينة القدس شأن بقية أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة كأراضي محتلة يشملها هذا القرار.
د) رغم تأجيل وضع القدس إلى مفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين، إلا أن مشاركة فلسطينيي مدينة القدس في العملية الانتخابية للمجلس تضعهم في نطاق ولاية سلطة الحكم الذاتي.

ولاية المجلس:
بناء على إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي فإن ولاية المجلس المنتخب سوف تغطي أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي والتي يحددها إعلان المبادئ بالقضايا التي لم يشملها اتفاق المرحلة الانتقالية ومن ضمنها القدس والمستوطنات والحدود والمواقع العسكرية التي سينسحب إليها الجيش الإسرائيلي والتي ستكون حسب الاعلان خارج إطار ولاية المجلس ( سلطة الحكم الذاتي ).

وبما أن اعلان المبادئ قد وضع المستوطنات خارج نطاق ولاية المجلس، فإن لاتفاق الانتقالي يجب أن يتضمن في تعريفه للولاية الجغرافية عدم إقامة أية مستوطنات جديدة ووقف توسع المستوطنات القائمة جغرافيا أو إحداث زيادة في عدد سكانها عن العدد القائم عند توقيع هذا الاتفاق.

وأما بالنسبة لمدينة القدس التي اعتبرت من مواضيع مفاوضات الوضع النهائي وبالتالي أخرجت من نطاق ولاية المجلس رغم إعطاء الحق لفلسطيني القدس في المشاركة في العملية الانتخابية كما ظهر لنا سابقا، فإن هذا الوضع يوجب أن تلتزم إسرائيل في إطار الاتفاق الانتقالي بوقف عملية البناء الهادفة إلى تغيير معالم وديمغرافية القدس العربية، حتى لا يؤثر ذلك على نتيجة مفاوضات الوضع النهائي بشأنها كونها من مواضيع المفاوضات النهائية حسب إعلان المبادئ.

إن ولاية المجلس ستكون محدودة بحدود المواضيع التي تم استثنائها من إطار المرحلة الانتقالية إلى مفاوضات الوضع النهائي من جهة، وبحدود المجالات التي بقيت مسؤولياتها من صلاحيات الحكومة العسكرية الإسرائيلية، ولم تنقل إلى المجلس بموجب الاتفاق الانتقالي وإتفاق الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا من جهة أخرى.

النازحون واللاجئون:
لقد ميز اعلان المبادئ بين حالتين من حالات المشردين الفلسطينيين حالة المرحلين أو النازحين وحالة اللاجئين، وقد عني بالأولى في حين أحال الحالة الثانية إلى مفاوضات الوضع النهائي.

- الحالة الأولى النازحون:
فقد ورد في المادة الثانية عشرة وضع ترتيبات إنشاء لجنة مشتركة مستمرة ستقرر بالاتفاق مع مصر والأردن الأساليب المشروطة للسماح للأشخاص المرحلين من الضفة الغربية وقطاع غزة في 1967م، بالترافق مع الإجراءات الضرورية لمنع الفوضى والإخلال بالنظام، وقد كان واضحا كما ظهر لنا سالفا في بروتوكول الانتخابات إقرار حق هؤلاء المرحلين في المشاركة في العملية الانتخابية وبالتالي نبني على هذه النصوص إقرار إعلان المبادئ بحق العودة للمرحلين الفلسطينيين منذ 04/06/1967م إلى نطاق سلطة الحكم الذاتي، وإن هذه الصفة (المرحلين) تعني في الفهم الفلسطيني ( النازحين) وهم كل من نزح أو أبعد أو رحل أو منع من العودة إلى الأراضي المحتلة منذ عام 1967م وكان اسمه مسجلا في قيود سكان الضفة الغربية وقطاع غزة بتاريخ 04/حزيران/1967م أو أبناء من ينطبق عليه هذا التفسير.

وأنه حسب نصوص الاعلان في هذا الشأن لا يجوز أن يحول أي سبب من الأسباب دون ممارسة هؤلاء المرحلين لحقهم في العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في أسرع وقت ممكن مع مراعاة إجراءات التنظيم والاستيعاب اللازم أخذها في عين الاعتبار من حيث السكن والخدمات التي تحتاجها عودتهم إلى مدنهم وقراهم ومخيماتهم السابقة.

- الحالة الثانية اللاجئون:
وأما الحالة الثانية (اللاجئون) منذ سنة 1948م إلى الضفة وقطاع غزة والى بقية الدول العربية، فقد اعتبرها اعلان المبادئ من ضمن القضايا التي لا يشملها الاتفاق الانتقالي والتي أحالها كإحدى الموضوعات الثنائية الرئيسية التي سيتم التفاوض بشأنها في إطار مفاوضات الوضع الدائم النهائي، والتي خصصت لها المفاوضات المتعددة الأطراف لجنة دولية خاصة (لجنة اللاجئين)، مما يعني أن اعلان المبادئ أقر بأن موضوع اللاجئين ليس بموضوع إقليمي فقط، بل هو موضوع ثنائي فلسطيني – إسرائيلي، تم الاتفاق على التفاوض في شأنه في إطار مرحلة المفاوضات النهائية التي لا بد للطرفين أن يتوصلا من خلالها إلى اتفاق نهائي بشأنه في إطار اتفاق السلام النهائي بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي، وهنا سيكون بإمكان الجانب الفلسطيني أن يتمسك بتطبيق القرار 194 الخاص باللاجئين والذي يقضي بتطبيق حق العودة أو التعويض على من لا يرغب، والتمسك بمبدأ الحل العادل لمشكلة اللاجئين الذي نص عليه القرار 242 في إطار التفاوض بشأنهم في مفاوضات الوضع الدائم.

صلاحيات وسلطات المجلس:
نص اعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي على نقل تمهيدي للصلاحيات والمسؤوليات، من الحكومة العسكرية وإداراتها المدنية، إلى الفلسطينيين المخولين بهذه المهمة، حيث يقوم الجانب الفلسطيني بتعيينهم، وذلك فور دخول اعلان المبادئ حيز التنفيذ وفور الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا، وذلك في مجالات حددها في : (التعليم والثقافة، الصحة، الشؤون الاجتماعية، الضرائب المباشرة والسياحة) وأشار إلى أنه يمكن للطرفين أن يتفاوضا على نقل للصلاحيات ومسؤوليات إضافية حسبما يتفق عليه إلى أن يتم تنصيب المجلس (مجلس الحكم الذاتي).

ونص اعلان المبادئ على أن الاتفاق الانتقالي يحدد من بين أشياء أخرى سلطة المجلس التنفيذية، وسلطته التشريعية، في مجال جميع السلطات المنقولة إليه، كما يراجع الطرفان بشكل مشترك القوانين والأوامر العسكرية السارية المفعول في المجالات المتبقية، ويحدد الاتفاق الانتقالي أيضا الأجهزة القضائية الفلسطينية المستقلة، ونص الاعلان أيضا على ان المجلس فور تنصيبه سيقوم إضافة إلى أمور أخرى، بإنشاء سلطة فلسطينية للكهرباء، وسلطة لميناء غزة البحري، وبنك فلسطيني للتنمية، ومجلس فلسطيني لتشجيع الصادرات، وسلطة فلسطينية للبيئة، وسلطة فلسطينية للأراضي، وسلطة لإدارة المياه، وينشئ أية سلطات أخرى سيتم الاتفاق عليها، وفقا للاتفاق الانتقالي الذي سيحدد صلاحياتها ومسؤولياتها، وأشار الاعلان إلى أنه بعد تنصيب المجلس سيتم حل الإدارة المدنية وسيتم انسحاب الحكومة العسكرية وليس حلها، وإن انسحاب الأخيرة لا يمنعها من ممارسة صلاحياتها ومسؤولياتها في المجالات التي لم تنقل فيها الصلاحيات للمجلس الفلسطيني.

وسينشئ المجلس قوة شرطة فلسطينية قوية من أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين تستمر إسرائيل في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية، وكذلك بمسؤولية الأمن الإجمالي للاسرائيليين بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام، وسيتضمن الاتفاق الانتقالي ترتيبات للتعاون والتنسيق بين الطرفين فيما يتعلق بالنظام العام والأمن، وأشار إلى أن نقل الصلاحيات والمسؤوليات الخاصة بالأمن والنظام إلى الشرطة الفلسطينية ستتم على مراحل حسبما يتم الاتفاق عليه في الاتفاق الانتقالي، وأن الشرطة الفلسطينية ستقوم بتأمين النظام العام خلال عملية انتخاب المجلس، ويشترك الطرف الفلسطيني مع الإسرائيليين في مراجعة القوانين والأوامر العسكرية التي ستبقى سارية المفعول في المجالات التي لم يتم نقلها إليه وبقيت من اختصاص الحكومة العسكرية.

من خلال هذه النصوص السالفة نلاحظ، أن صلاحيات وسلطات المجلس (مجلس الحكم الذاتي) ستبقى محدودة ومنقوصة بالقدر الذي ستحتفظ به الحكومة العسكرية لنفسها من صلاحيات سواء في المجالات المدنية أو الأمنية أو العسكرية، فقد أورد الاعلان الصلاحيات والمسؤوليات التي سيتم نقلها وأشار إلى أن الاتفاق الانتقالي سوف يحدد الصلاحيات والمسؤوليات التي سيتم الاتفاق على نقلها أيضا إلى المجلس، أي أنه يبقي مجال صلاحيات ومسؤوليات المجلس خاضعا لهذا التحديد الذي سوف يكمل عناصره الاتفاق الانتقالي، وفيما عدا ذلك من صلاحيات ومسؤوليات لم يشملها الاعلان أو الاتفاق الانتقالي ستبقى من اختصاص الحكومة العسكرية الإسرائيلية، التي ستبقى أوامرها سارية المفعول في تلك المجالات المتبقية رغم النص على انسحابها بعد تنصيب المجلس.

التعاون الثنائي الإقليمي:
لقد اهتم اتفاق اعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي، اهتماما بالغا في وضع أساس واضح للتعاون الفلسطيني – الإسرائيلي في المجالات الاقتصادية على المستوى الثنائي، وعلى مستوى التعاون فيما يتعلق بالبرامج الإقليمية.

فقد أقر الاعلان في المادة الحادية عشرة بالمنفعة المتبادلة للتعاون بين الطرفين من أجل النهوض بتطوير الضفة الغربية وقطاع غزة – وإسرائيل، وأقر انشاء لجنة اقتصادية إسرائيلية – فلسطينية مستمرة، من أجل تطوير وتطبيق البرامج الاقتصادية والتنموية المحددة في البروتوكولات المرفقة بالاعلان والمتعلقة بهذا الشأن من أجل أن يتم ذلك بأسلوب تعاوني فور دخول اعلان المبادئ حيز التنفيذ.

وقد اشتمل بروتوكول التعاون الإسرائيلي – الفلسطيني في البرامج الاقتصادية والتنموية على المستوى الثنائي على تنظيم التعاون في مجالات (المياه، الكهرباء، الطاقة، التمويل، النقل والاتصالات، التجارة، الصناعة، العمل والخدمات الاجتماعية، الموارد البشرية، البيئة، الاتصالات ووسائل الإعلام) وأشار إلى امكانية التعاون في أية مسائل أخرى ذات مصلحة مشتركة بين الطرفين.

وعلى مستوى التعاون الإسرائيلي – الفلسطيني في إطار البرامج الإقليمية اعتبر اعلان المبادئ مجموعات العمل في المتعددة (لجان المفاوضات المتعددة الأطراف) أداة ملائمة للنهوض ((بخطة ماريشال)) ببرامج إقليمية، وبرامج أخرى خاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة.

وقد اشتمل البروتوكول الرابع على تفصيل للبرامج الإقليمية للتنمية على مستوى المنطقة الشرق أوسطية وأخرى على مستوى الضفة الغربية وغزة والتي ضمنها عدة مجالات منها إعادة التأهيل الاجتماعي، وبرامج للاسكان والبناء، وخطة لتنمية المشاريع الاقتصادية الصغرى والمتوسطة، وبرامج لتنمية البنية التحتية (المياه، الكهرباء، النقل، الاتصالات ...الخ) والموارد البشرية.

وأما برنامج التنمية على المستوى الاقليمي فقد تضمن عدة مجالات أيضا منها ((إقامة صندوق تنمية، ثم بنك تنمية شرق أوسطية، وخطة إقليمية لتطوير استغلال البحر الميت، وقناة تربط البحر المتوسط – البحر الميت، ومجالات المياه، والزراعة، والكهرباء، والطاقة، والسياحة، والنقل، والاتصالات))،....

وأقر الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني العمل على تشجيع مجموعات العمل المتعددة الأطراف والتنسيق بينهما بهدف أنجاحها.

إن دراسة النصوص السالفة بشأن التعاون الاقتصادي على المستوى الثنائي والإقليمي من جهة، وعلى مستوى خطط التنمية وإعادة البناء المقترحة للضفة الغربية وقطاع غزة من جهة أخرى، تبين أنها قد جاءت على درجة كبيرة من الوضوح والشمول، متجاوزة صيغة الإطار المرحلي الانتقالي الذي وصفه اعلان المبادئ الإسرائيلي – الفلسطيني للعملية السلمية، الهادفة الآن إلى تنظيم سلطة الحكم الذاتي المحدود والمؤقت للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى آفاق المرحلة النهائية التي لا بد أن ترسي بين الطرفين سلاماً دائماً قائماً على المصالح المتبادلة والمشتركة.

وهذا يدل على إدراك الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني مدى الحاجة إلى تنمية وإعادة البناء للأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع ومدى أهمية العوامل الاقتصادية في إنجاح العملية السلمية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي بشكل خاص وعلى بقية مسارات التفاوض بشكل عام، حيث أن التعاون الاقتصادي بين الطرفين وتنمية وإعادة بناء الضفة والقطاع، يعززان من فرص إيجاد مصالح مشتركة بين الطرفين ويتيحان المجال أمام نمو ثقة متبادلة أكبر بينهما، تؤدي إلى استمرارهما في الالتزام بدفع العملية السلمية على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي من خلال الإحساس المادي والمباشر بفوائد السلام وانعكاساته على مستقبل شعوبهما وعلى المنطقة.

نخلص من ذلك إلى أن بروتوكولات التعاون الاقتصادي ومشاريع التنمية تشكل بحد ذاتها أداة ربط ووصل بين المرحلة الانتقالية والمرحلة النهائية للعملية السلمية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي من حيث اتساع المجالات التي عنيت بتنظيم التعاون في إطارها على المستوى الثنائي وعلى المستوى الإقليمي، ومن حيث عدم محدوديتها الزمنية، حيث لم يحدد لها إطار زمني كما سبق أن حدد الإطار الزمني للفترة الانتقالية بالنسبة للعملية السلمية على المسار الفلسطيني بمدة خمس سنوات.

الارتباط المشترك – وتسوية المنازعات:
لقد أقر اعلان المبادئ في المادة العاشرة تشكيل لجنة ارتباط مشتركة إسرائيلية – فلسطينية فور دخوله حيز التنفيذ، من أجل تأمين تطبيق هادئ للاعلان ولأية اتفاقيات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، وأيضا لغرض معالجة القضايا التي تتطلب التنسيق، أو ذات الاهتمام المشترك. وأضاف إلى اختصاصاتها النظر في النزاعات التي قد تنشئ عن طبيق أو تفسير اعلان المبادئ والاتفاقيات اللاحقة والمتعلقة بالفترة الانتقالية.

إن هذه الصيغة الخاصة بلجنة الارتباط المشترك يجعل منها هيئة مرجعية عليا مشتركة، تشرف على تنفيذ الاعلان واتفاقيات المرحلة الانتقالية، ولجنة تفاوض حول أي قضية قد تظهر وتقتضي التنسيق أو أية قضية محل اهتمام مشترك، كما يجعل منها هيئة قضائية للنظر في المنازعات التي قد تظهر بشأن تفسير أو تطبيق الاعلان والاتفاقيات الخاصة بالمرحلة الانتقالية، وبمثل هذه الصيغة يكون اعلان المبادئ قد أوجد آلية مشتركة للإشراف على تطبيق المرحلة الانتقالية، واستمرار التنسيق والتفاوض بشأن القضايا والمشاكل التي قد تعترض تطبيق الاتفاق الانتقالي، إلا أنه بإحالة النزاعات إليها يكون إعلان المبادئ قد أعطاها دورا قضائيا، وهذا يعني أن يصبح حل النزاعات خاضعا لطاولة المفاوضات الثنائية أكثر من خضوعه لقواعد قانونية دولية، لأن هذه اللجنة بالأساس ليست جهة قضائية بقدر ما هي لجنة تفاوض مستمر سواء من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه أو التفاوض والتنسيق بشأن قضايا ومسائل أخرى لم يسبق الاتفاق بشأنها، مما يدفعنا إلى الاستنتاج بأن اعلان المبادئ لم يحدد أية مرجعية دولية قانونية أو قضائية يعود إليها الطرفين عند الاختلاف، فقد نصت المادة الخامسة عشرة من الاعلان على أن أي منازعات قد تنـشأ بين الطرفين، سيتم تسويتها بواسطة التفاوض من خلال لجنة الارتباط المشتركة، والتي لا يمكن تسويتها بالتفاوض يمكن أن تتم تسويتها من خلال آلية توفيق يتم الاتفاق عليها بين الأطراف. وأن تعذر ذلك يمكن عرضها على التحكيم، ومن أجل هذا الغرض وبناء على اتفاق الطرفين ستنشئ الأطراف لجنة تحكيم، وإن لم يتم الاتفاق على لجنة التحكيم التي سينشؤها الطرفان في أن تكون ((لجنة دولية))، فإن تسوية المنازعات ستكون محكومة دائما لمناورات التفاوض الثنائي وتكتيكاتها، بين الطرفين في إطار الفترة الانتقالية للعملية السلمية على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، وهذا يرتب تفوقاً كاملاً للطرف الإسرائيلي على الطرف الفلسطيني خلال الفترة الانتقالية.

*******












الخلاصة:
وعلى ضوء ما سبق من شروحات واستنتاجات على مستوى العناصر الأساسية لإعلان المبادئ في هذه الدراسة نخلص إلى ما يلي :

1) إن اعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي هو إطار عام، يتفاوض الطرفان على أساسه للتوصل إلى اتفاق حكم ذاتي محدود ومؤقت لمدة خمس سنوات للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأي اتفاقات أخرى ((لتنظيم المرحلة الانتقالية)) لعملية السلام التي فرضت على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي.

2) يتضمن اعلان المبادئ اعترافا متبادلا من الطرفين بالحقوق السياسية المشروعة لكل منهما.

3) الانتخابات خطوة تمهيدية ابتدائية لممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه السياسية المشروعة.

4) جميع الترتيبات والاتفاقات الخاصة بالمرحلة الانتقالية هي جزء من عملية السلام الشاملة والجارية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي.

5) قرارا مجلس الأمن 242 و 338 يحددان الوضع القانوني لقطاع غزة والضفة الغربية بما فيهما القدس كأراضي محتلة، وليست محل تنازع.

6) يمارس الشعب الفلسطيني بموجب ترتيبات الحكومة الذاتية سيادة منقوصة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الفترة الانتقالية.

7) إن جميع اتفاقات وترتيبات المرحلة الانتقالية لا يجوز أن تجحف بحال من الأحوال بنتيجة مفاوضات الوضع النهائي، سواء في ما يتعلق بالموضوعات التي عنيت بها هذه الاتفاقات، أو الموضوعات التي أجلت إلى مفاوضات الوضع النهائي.

8) كل ما أغفله اعلان المبادئ يمكن أن يكون محلا للتفاوض بين الطرفين في مفاوضات الوضع النهائي.

9) بروتوكولات التعاون الاقتصادي التي تضمنها اعلان المبادئ على المستوى الثنائي والإقليمي، تمثل أدوات ربط ووصل مشتركة بين مرحلتي التفاوض الانتقالية والنهائية.

10) إن نجاح العملية السلمية بمرحلتيها الانتقالية والنهائية يعتمد أساسا على العوامل الآتية:

أ‌- مدى التزام وصدق النوايا الإسرائيلية ورغبتها في تحقيق السلام والتجاوب مع استحقاقاته ومتطلباته المرحلية والنهائية.

ب‌- إقرار الطرفين لمرجعيتها الشرعية الدولية، ممثلة في قراري مجلس الأمن 242 و 338، ومبدأ مبادلة الأرض بالسلام واعتبارها أساسا لعملية السلام بشكل عام.
ج) قدرة راعيي عملية السلام على مواصلة دفعها وتوفير المناخات اللازمة محلياً ودولياً لوصولها إلى غاياتها في إنهاء الاحتلال للأراضي العربية الفلسطينية وإقرار السلام في الشرق الأوسط.

د) تجاوب القوى الدولية الراعية لعملية السلام وتفاعلها مع متطلبات إنجاح العملية التفاوضية السلمية ودعمها ماديا وسياسيا.

و) مدى إدراك الطرف الآخر والقوى الدولية الراعية لعملية السلام والقوى المؤثرة فيها، بضرورة نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة والمتمثلة في حقه في العودة وفي تقرير المصير على أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
تاريخ: 11/06/1414هـ الموافق: 24/11/1993م
*************************
ما آل إليه وضع إعلان المبادئ والعملية التفاوضية السلمية :
واليوم وبعد مرور تسعة عشر عاماً على توقيع اتفاق أعلان المبادئ، ومرور ثمانية عشر عاماً كاملة على بدء تطبيق الاتفاق الانتقالي المؤقت، الذي حدد زمنياً بخمس سنوات، قد تجاوز عمره الافتراضي بثلاثة عشر سنة، في سياق تراجع حكومة إسرائيل عن التزاماتها بموجب عملية السلام، وبموجب إعلان المبادئ الموقع بينها وبين (م.ت.ف)، وقد كشفت حكومة إسرائيل عن عدم التزامها بالاتفاقيات الانتقالية الموقعة معها بممارستها اليومية المنافية لالتزاماتها، ساعية للتراجع والانقلاب عليها وعلى أسس ومبادئ عملية السلام القائمة على تنفيذ الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، وتواصل سياساتها العدوانية والتوسعية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مستغلة جملة من الظروف المحلية والاقليمية والدولية، وفي مقدمتها تراخي الراعي الرئيسي لعملية السلام (الولايات المتحدة) في الزامها بتنفيذ ما وقعت عليه من إعلان للمبادئ واتفاقيات مكملة من جهة وعدم وفائها بالالتزامات المترتبة عليها بموجب مبادئ وآليات عملية السلام التي وضعت في مؤتمر مدريد للسلام في 31/10/1991م وما تلاه من قرارات دولية، وفي مقدمتها خطة خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، وممارساتها الاستيطانية في مدينة القدس ومحيطها وفي مختلف أنحاء الضفة الغربية من جهة أخرى، وخصوصا بناءها الجدار الفاصل، الذي أصدرت بشأنه محكمة العدل الدولية رأيها القاضي بعدم شرعيته وما يترتب عليها من واجب إزالته ووقف كافة الأعمال الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كي يتوفر المناخ السياسي الملائم لمواصلة المفاوضات الثنائية حول مواضيع الوضع النهائي وإنهاء المرحلة الانتقالية، والوصول إلى اتفاق سلام نهائي، وقد كشفت إسرائيل عن حقيقة موقفها الملتبس من عملية السلام من خلال تمكين المتطرفين فيها من اغتيال رئيس وزرائها اسحق رابين، عقوبة له على توقيع اتفاق المبادئ، واغتيالها أيضا للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سماً في عام 2004م، واعتباره من قبلها عقبة في طريق السلام الذي تريده، لكونه أكد على ضرورة وفاء إسرائيل باستحقاقات العملية التفاوضية وضرورة وفاء راعي العملية التفاوضية بدوره النزيه، في رعاية العملية التفاوضية وصولا إلى اتفاق سلام نهائي، ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة في عدوان 1967م، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه السياسية المشروعة، متمثلة في حقه في العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وإذا ما استمرت الظروف المحلية والإقليمية والدولية على ما هي عليه، فإن سياسة إسرائيل تقضي بتحويل الاتفاق الانتقالي المؤقت إلى وضع دائم، يحكم العلاقة بينها وبين الفلسطينيين، هذا ما ينذر بتجدد دورات العنف من جديد وعودة الصراع إلى مربعه الأول، ويحتم التفكير بحلول أخرى يصعب فيها الاعتماد على تلك المبادئ والأسس التي استند إليها مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، بل قد يتعدى ذلك إلى تعطيل أدوات التفاوض، والانتقال بالصراع إلى حرب مفتوحة قد تشترك فيها أطراف أخرى غير فلسطينية بل وغير عربية، هذا ما يحتم على الولايات المتحدة، والاتحاد الروسي والمجموعات الدولية الأخرى وفي مقدمتها أوروبا، أن تعي وتدرك خطورة الموقف الذي بات متأزماً في فلسطين خاصة والشرق الأوسط عامة، وأن تواجه النزق والصلف الإسرائيلي بضغط دولي هائل سياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا، لترضخ إسرائيل إلى الاستحقاقات التي تمليها عليها الشرعية الدولية وقراراتها، في علاج الصراع القائم، وحماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهذا لا يتأتى إلا بتفعيل الشرعية الدولية وقراراتها في مواجهة إسرائيل طبقاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وبناء عليه سيبقى الصراع العربي الإسرائيلي، وفي بعده الفلسطيني يمثل الامتحان الحقيقي للنظام الدولي وللدول المهيمنة عليه، في جديتهما في إقرار العدل والأمن والسلم الدوليين في منطقتنا العربية، وهذا يعني بقاء المعايير المزدوجة هي المتحكمة في هذا النظام الدولي القائم، مما يعني استمرار البغي والعدوان الإسرائيلي، حيث يجد من يبرره أو يدافع عنه من خلال تعطيله للشرعية الدولية في مواجهته، وفي عدم توفير الحماية للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة والعيش بأمن وسلام في وطنه فلسطين.

17/08/1433هـ الموافق 07/07/2012م
****************************
عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
****************************

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت