غزة – وكالة قدس نت للأنباء
في يوم الخميس الموافق الثالث عشر من يناير تشرين الثاني للعام 2011 خرج محمد العواجنة كما عادته في كل صباح إلى عمله في شركة الإتصالات الفلسطينية بمدينة القمر أريحا والتي يعمل فيها فني صيانة ألقى الصباح على أم موسى زوجته و غادر المنزل وصوته يدوي في أركان البيت و يملأه حياة و أمل بمستقبل أفضل .
وفي إحدى المهام الموكلة إليه توجه محمد برفقة السائق إلى منطقة العوجا لإصلاح أحد الخطوط الهاتفية وكانت الفاجعة انه و بمجرد فتح الكابينة الخاصة بالخطوط الهاتفية خرج منها غاز لم يعرف منه محمد سوى آلامه فأخذ هذا الغاز صوت محمد و ذهب .
تكفلت شركة الإتصالات بكافة التكاليف العلاجية لمحمد من ألفها حتى يائها و كانت بداية الرحلة من مستشفى الرعاية العربية حيث وصلها محمد بلا صوت فقالو له بأن الصدمة كبيرة وفقدان الصوت نفسي لا أكثر و توجه بعد ذالك إلى عيادة خاصة و من ثم إلى مستشفى خالد التخصصي . كلها كانت تعطي نفس المؤشرات والنتائج بان ذهاب صوت محمد كان نفسيا سببه الصدمة وهول الموقف الذي مر فيه وهو لا يتعدى الصدمة العصبية فقررت أم موسى (تحرير) التوجه بزوجها محمد إلى طبيب نفسي بعد حالة الإكتئاب و الإحباط التي مر بها و استمرت المراجعات لدى الطبيب النفسي لمدة سبعة أشهر و لكن بلا جدى و بريق الأمل بدأ ينضب لمعانه و تختفي رائحته حتى أن دلهم أحد الاشخاص إلى طبيب في خاص في نابلس فتوجهت أم موسى و زوجها إليه و من ثم إلى طبيب خاص آخر في رام الله و لازال الصوت غائبا .
وبعد مرور عام على غياب صوت محمد والحالة النفسية التي ألمت بمحمد من انطواء و انعزال واكتئاب . تحدثنا أم موسى قائلة " أصبح أبو موسى لا علاقة له بما يدور في البيت ولا يتحدث مع أحد ولا يستقبل الضيوف أو حتى ينزل إلى السوق بل أن الحالة وصلت معه ألا ينام الليل من شدة الأرق و التفكير . ابنه الأصغر (عبود) أصبح ينفر منه حتى إبنته الكبرى حصلت على منحة خارج أرض الوطن فلم يستطع إيصال تحياته لها ففضل العزلة على العجز الي استملكه "
فقررت ام موسى الذهاب به إلى إسرائيل للعلاج هناك وحصلت على تحويلة طبية إلى مستشفى "هداسا أخلف" في تل أبيب ولكن حتى المستشفيات الإسرائيلية لم تجد حلا لمشكلة محمد سوى العلاج الطبيعي الذي لم يكن منه جدوى .
وبعد ذالك نصحهم أحد الأطباء في الضفة الغربية بأن ما ذهب بالصدمة لا يعود إلا بالصدمة فقررت أم موسى خوض تمثيلية درامية تلعب فيها دور البطولة مع صديقتها ليشاهدها محمد فتظاهرت بأنها أصيبت بمرض قاتل ومميت وفاجأته بالخبر على أمل منها أن يملأ الدنيا صراخا ولكن لا جدوى كانت تعبيراته كافية بأنه يدفع ما تبقى من حياته من أجل شفائها ولكن لم تكن أم موسى مريضة بل كانت تسعى لشفاء زوجها محمد فقط .
توفيت أم تحرير زوجة محمد واستغلت الزوجة هذا الخبر عل زوجها ينطق ولكن بلا فائدة وبعد مرور أكثر من العام بشهرين توجهوا إلى طبيب نفسي آخر ولكن هذا الطبيب لم يعيد النطق أيضا إلى محمد لكنه ساعده على الخروج من العزلة التي كان فيها و أصبح يتأقلم مع الوضع الجديد الذي كان يرفضه جملة وتفصيلا حتى أصبح القلم والأوراق وأم موسى رفاقه الذين لا يخرج بدونهم وغير مستعد للمغامرة بالخروج في تحسسن نوعي لحالته النفسية التي كان يرفض فها الخروج من المنزل برفقة أو حتى بدون رفقة .
عاد محمد إلى عمله في شركة الاتصالات الفلسطينية برغبة منه ولكن هذه المرة داخل مقسم وليس ميدانيا أصبح يرفقه شخص يستطيع التعامل معه بلغة الإشارة و كره محمد كل شيء له علاقة بالطب من قريب أو بعيد و أيقن بأن الله أخذ صوته وهو الوحيد القادر على إعادته .
وفي أحد الأيام اتصلت إحدى صديقات أم موسى و أخبرتها بأن تفتح التلفاز لتشاهد تقريرا كنا قد أعددناه و نشرناه سابقا عن طبيب أعاد النطق لسيدة في الستين من عمرها وهذا الطبيب في غزة . لم تتوانى أم موسى للحظة في فتح التلفاز ومتابعة الإعادة للبرنامج الذي عرض و تحدثت عنه صديقة ام موسى ولكنها لم تلحق بالإعادة سوى اسم الدكتور .
وهنا تبدأ رحلة البحث عن أمل جديد في غزة .و من خلال الاستعلامات أخذت رقم هاتف أحمد سعيد الجدبة . الدكتور في مستشفى دار الشفاء بمدينة غزة ولكن للأسف كان الهاتف لمنزله القديم و كان مفصولا . أصبحت تبحث عشوائيا بأرقام في مدنية غزة و بعد ثمانية عشر اتصالا توصلت إلى منزل شقيق الدكتور أحمد و الذي أوصلها بدوره إلى الدكتور أحمد .
تواصلت أم موسى مع الدكتور أحمد الجدبة و نقلت له صورة الحالة لديها فطلب الدكتور أن يشاهد الحالة عبر برنامج السكاي بي و حاول التحدث معه ثم طلب كافة التقارير فأرسلتها له و درس الحالة ثم طلب منها الحضور وزوجها إلى غزة .
وهنا بدأت رحلة المعاناة في الوصول إلى قطاع غزة المحاصر حيث كان الرفض سيد الموقف من قبل الإرتباط العسكري الإسرائيلي بعد سبع محاولات لإصدار تصريح المرور فاضطر محمد و زوجته من التوجه إلى الأردن ثم مصر وبعدها إلى غزة .
استقبلهم في معبر رفح البري الدكتور أحمد الجدبة شخصيا هو وعائلته وأقلهم إلى أحد الفنادق بمدينة غزة بعد أن عرض عليهم النزول بضيافته في منزله لكنهم رفضوا ذلك لأن تكاليف سفرهم و اقامتهم و العلاج معدة سلفا على حساب شركة الاتصالات الفلسطينية و ليس على نفقتهم الخاصة متوجهين بجزيل الشكر و الامتنان لها .
وفي اليوم التالي بدأت رحلة العلاج في غزة مع الدكتور أحمد الجدبة الذي فضل أن يبدأ بالعلاج النفسي مع محمد من خلال جلسة تعارفية على مستوى العائلة حيث بدأ مع محمد العلاج الاستكشافي لقياس مدى صعوبة الحالة ، و في اليوم التالي باشر الدكتور أحمد العلاج من خلال اجراء عمليتي منظار تشخيصي علاجي و أخذ مجموعة من الصور للحالة .
ثم قرر الدكتور أحمد أنهم بحاجة لمدة أسبوع من الجلسات العلاجية المكثفة الأمر الذي يتعارض مع سفرة الذي كان مقررا بعد يومين للمشاركة في مؤتمر طبي في تركيا .
وبعد جلستي علاج في مستشفى الشفاء عاد النطق إلى محمد وأول ما قاله محمد " الحمد لله رب العالمين " و من ثم بدأ بتلاوة الفاتحة ، كان لسانه ثقيلا و لكنه نطق و أسمعنا صوته .
وفي خضم حوارنا مع محمد اتصلت به عائلته من أريحا وتحدث مع أبنائه بدئا بآخر عنقوده عبود الذي طلب من أبيه بعض الهدايا من غزة و من ثم كلم بناته تباعا وصولا إلى إبنته البكر رزان التي لم يستطع أن يتحدث معها بتاتا من شدة انفعاله حيث وضع الهاتف جانبا وانهمر في بكاء شديد هو و ابنته رزان ما أجج المشاعر لكل من حضر اللقاء و تبعوه بالبكاء من شدة الموقف العاطفي .
وهنا بدوره طالب الدكتور أحمد الجدبا شركة الإتصالات الفلسطينية و الشركات الخاصة التي تعمل على أرض الوطن بمساعدة أبناء هذا الوطن من خلال المساهمة في توفير الإحتياجات الطبية الغير متوفرة في مستشفياتنا حيث استهجن الدكتور أحمد بألا يوجد جهاز منظار للكشف و معالجة الحالات الطبية المعقدة في قسم الأنف و الأذن و الحنجرة في مجمع الشفاء الطبي و يتوفر في المستشفيات و العيادات الخاصة فقط . بل و إن المنظار الموجود و الذي أجرى فيه العملية لمحمد هو منظار تالف و غير قابل للعمل .
وأضاف الدكتور أحمد بأنه "على استعداد تام للمساهمة في علاج الحالات التي تحتاج إليه شخصيا من الضفة الفلسطينية بشرط توفير الإمكانيات اللازمة لإجراء العمليات وطالب أيضا باعتماد النموذج رقم (1) الخاص بالتحويلات العلاجية إلى غزة ."
وأشاد الدكتور بدور الإعلام في توصيل المعلومة الأمر الذي مكن محمد العواجنة من مشاهدة التقرير الذي بث عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة والوصول إلى ضالته في قطاع غزة .
قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من ثمانية أعوام ماديا و معنويا هذا الكيان الجغرافي الصغير بحجمه و الكبير بأبنائه و نضالاتهم في كافة الميادين و الذي يثبت للجميع دائما بأنه ذو مخزون كبير من العطاء و التضحيات الوطنية على جميع الأصعدة .
كتب / كمال الرواغ . بتاريخ 7/7/2012 .