تعودت السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بوزارة المالية على الاستمرار في نهج التلاعب برواتب الموظفين ، وهي الحلقة الأضعف والتي يعتبرها البعض على هامش الاهتمام ، فتارة تتسارع القرارات من اجل استقطاع جزء من الراتب لصالح المتضررين في تسونامي ، وتارة أخرى لصالح مخيمات لبنان ، حتى وصل الأمر ببعض الشخصيات التي تمثل فصيل فلسطيني ولها عضوية في منظمة التحرير على التجرؤ والمطالبة بقطع رواتب موظفي قطاع غزة ، وكأنه يدفعها من جيبه الخاص ومن مملكته الشخصية .
وبرغم محاولات القائمين على وزارة المالية لطرح المبررات ، إلا أن هذه الإجراءات بدأت منذ تولي الدكتور سلام فياض وزارة المالية عام 2003م ، حيث بدا بسياسة التقشف والتي طالت بعض النواحي لكنها للأسف لم تتعرض للعديد من النواحي الأخرى والتي من خلالها قد نساهم في التخفيف من الأزمة المالية أو اختصار المصروفات والنفقات .
القضية ليست مجرد شعارات ، فالوضع الحقيقي يقول أن هناك تجاوزات مالية ومصروفات ليس لها لزوم ، وجزء من هذه المصروفات يتم من خلال موازنة السلطة أو من خزينة وزارة المالية ، وهذه المصروفات هي التي تشكل العبء على الخزينة في ظل الحديث عن أزمات مالية يدفع ثمنها الموظف الغلبان ، هذا الموظف المثقل بالديون والقروض والالتزامات .
ولكي نكون أكثر أمانة في نقل الحقيقة ، فلا بد لنا إلا التجرد من النفاق والتلاعب بالكلمات المعسولة وطرح القضية كما يعرفها بعض المسئولين والذين لا هم لهم سوى تحقيق مصالحهم بغض النظر إذا كانت هذه المصالح على حساب المصلحة العامة ، وهنا سأشير لبعض النقاط التي تستوجب إعادة النظر فيها وإعادة صياغتها بشكل حقيقي يضمن العدالة بين الجميع .
رواتب المتقاعدين :
في كل دول العالم يتم صرف راتب المتقاعد مخصوما منه كافة العلاوات والامتيازات ، ومن يحال للتقاعد يصبح راتبه اقل مما كان عليه وهو على رأس عمله ، لكن في بلدنا اختلفت الرؤيا بحيث أصبح المتقاعد يتلقي راتب أكثر مما كان عليه وهو على رأس عمله ، فنجد أن اللواء المتقاعد يتلقى راتب مقداره 11000 احد عشر ألف شيكل تقريباً ، والعميد 9000 شيكل ، وهذا الغير منطقي بكل الأحوال ، فلماذا لا يتم إقرار قانون يخفض رواتب كبار الضباط الذين استفادوا من كل الامتيازات طيلة سنوات خدمتهم وأصبح لديهم المشاريع والبزنس والشقق والعمارات والمصالح الخاصة .
النثريات ومهمات السفر :
لا أدري كيف لنا أن نتحدث عن أزمة مالية ونطالب البنك الدولي والدول العربية صرف المساعدات ونحن لا زالنا نعمل بنفس الطريقة القديمة ، حتى ولو اختلفت المسميات إلا أن مصاريف النثريات ومهمات السفر لازالت موجودة في وزارة المالية ، هذه المصروفات التي تتم لكبار المسئولين ومن لديه إمكانية توقيع طلبه من رئيس الوزراء أو وزير المالية ، والتي بالتأكيد تكلف خزينة السلطة مبالغ طائلة سنوياً .
وزارة الشؤون الاجتماعية :
وزارة الشؤون الإجتماعية لديها مشاريع كفالة الفقراء والمحتاجين من أرامل ويتامى في محافظات الوطن ، ويتم صرف مساعدات مالية لهذه الأسر بناءا على ملفات موجودة في مديريات الشؤون الإجتماعية ، وبرغم بعض التجاوزات والتلاعب الذي يتم في هذه الملفات والتقارير الطبية الغير صحيحة لبعض الحالات إلا أن القضية الإجتماعية تحتاج إلى دراسة مشروع تنمية ذاتية لهذه الأسر ، وذلك من خلال إقامة مشاريع صغيرة تكون من خلال قروض ميسرة من وزارة الشؤون الإجتماعية ، هذه المشاريع تكون مصدر دخل ثابت لهذه العائلات وبذلك يتم التخفيف من مصروفات الوزارة .
مصروفات وزارة الصحة :
وزارة الصحة تتولى مسؤولية توفير العلاج للمواطنين الذين لديهم تأمين صحي صادر من الجهات الرسمية ، وعليها واجبات إنسانية عظيمة ، لكن ما يحصل وحصل سابقاً أن هناك سوء إدارة بعدة قضايا أهمها العلاج على نفقة الدولة والتحويلات الخارجية لغير مستحقيها ، فالعلاج في الخارج كلف موازنة السلطة ملايين الدولارات ، وكان من الأفضل قيام الوزارة بإنشاء مراكز متخصصة للعلاج الغير متوفر حالياً وانتداب الكفاءات الطبية اللازمة لتقديم الخدمة داخل الوطن بأقل التكاليف وتوفير ما يتم من مصروفات وبزنس للاتفاقيات مع المستشفيات خارج الوطن .
مؤسسة الشهداء والجرحى :
مؤسسة الشهداء والجرحى لديها موازنة ضخمة وهي رواتب الشهداء ، وهذا حقهم الطبيعي ويجب احترامه كحق مقدس ، لكن ما هو بحاجة لإعادة تقييم مصروفات عشرات المسجلين بكشوفات الجرحى دون وجه حق ، ممكن كان مصاباً من سنوات طويلة وتم شفاؤه بشكل كامل ، لكنه يشتري تقرير طبي ويقدمه للجنة ، ومنهم من تم تسجيله على انه من مصابي انتفاضة الأقصى وتلاعب بالأوراق ومررها على المؤسسة وتم اعتماده ، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى تدقيق الكشوفات وتعيين لجنة مستقلة لفحصها .
مصروفات الفصائل والأحزاب والمؤسسات :
اعتقد أن بعض الفصائل الفلسطينية تصرف بعض مصاريفها من وزارة المالية ، مثل مهمات السفر وأجور المقرات وتكاليف نثريات قياداتها ، وبرغم أن جزء كبير من هذه الفصائل ليس له لزوم في واقعنا الفلسطيني ، إلا أن الأزمة المالية تتطلب من إعادة دراسة مصاريف هذه الفصائل بما يتناسب مع حجمها ووجودها وإمكانية توفير البدائل لمصروفاتها والتقنين منها .
كما أن هناك عدد من المؤسسات الفلسطينية تتلقى مصاريفها من وزارة المالية ، هذه المؤسسات التي نجد منها أو بنفس أهدافها الكثير ، وهذا يعني أننا بحاجة إلى عملية تدقيق في أداء هذه المؤسسات ، وما هو الهدف من وجودها وحل وجودها أصبح ناجعا أم لا .
الموازنة التشغيلية للوزارات والأجهزة :
هناك اختلاف في عمل الوزارات ، فوزارة السياحة تختلف عن الداخلية ، والثقافة تختلف عن الخارجية ، ولكل وزارة موازنة يجب أن تتلاءم مع جهدها والعمل المطلوب منها ، وهذا يحتاج إلى عملية ترتيب وتقنين في المصروفات والنثريات وغيره من الموازنات الدائمة والغير دائمة .
كذلك أجهزة الأمن ، فلا يجوز أن تكون مصروفات التوجيه السياسي مثل الشرطة ، ومصروفات الجهاز يجب أن تكون بحجم المهمات والعمل المنوط به ، مع العمل على تقنين المصروفات التي من الممكن أن لا تؤثر على أداءها لخدمة الوطن والمواطن .
أخيـراً :
قد يكون حديثنا محل تقدير للبعض ، وقد يكون غير مُرضي لأصحاب المواقع والمؤسسات الذين يحاولون إدعاء الشفافية دائماً ، وإعتبار وجودهم في هذه المؤسسات يُطفي عليها النزاهة ، وهذا غير منطقي ، فما تم بناؤه على باطل سيظل باطلاً ، ولن نستطيع أن نتقدم للأمام بدون إعادة تقييم تجاربنا السابقة وأخذ العبر من السلبيات والأخطاء ، ومناقشة ذلك بروح رياضية عالية لما في ذلك من مصلحة وطنية عليا ، ولكي لا نتخذ من رواتب الموظفين أداه لتصفية الحسابات وتعليق أخطاء الوزارات والمؤسسات الوطنية .
&&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت