رفح – وكالة قدس نت للأنباء
تنفس الأسير المحرر محمود السرسك "25عامًا" من سكان محافظة رفح جنوب قطاع غزة هواء الحرية، بعد أنّ غيبه الاحتلال الإسرائيلي بمثل هذا الشهر عام 2009، وخطف حُلمه الذي ذهب لأجله، عبر الالتحاق بنادي بلاطة بمحافظة نابلس بالضفة الغربية، ليواصل تألقه بمجال كرة القدم.
وما أن وصل أعتاب ميدان النجمة وسط المحافظة، حتى تدفق سيل من الجماهير الكبيرة التي كانت تنتظره تحت حرارة الشمس الحارقة، وتكاتف الجماهير من حوله فرحين بانتصاره، ومهنئيه بالإفراج وبالانتصار والصمود الأسطوري الذي حققه.
القضية لم تنتهي!
ويقول السرسك لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" في أعقاب الإفراج عنه : "ليس الإفراج عني وانتصاري الذي يُعتبر انتصاري للشعب الفلسطيني ولجميع الأسرى، انتهاء للقضية، بل تركت خلفي ثلاث أشقاء يواصلون خوض إضرابهم المفتوح عن الطعام مُنذ شهور، وهم حسن الصفدي، وأكرم الريخاوي، وسامر البرق".
ويضيف "كما يتواجد حوالي 16 أسير مريض داخل ما يُسمى مستشفى سجن الرملة أو مذبحة سجن الرملة، وعلى ما يبدو الجميع بما فيهم المفاوض الفلسطيني نساهم أو تناساهم"، داعيًا إياهم لوقف كافة المفاوضات وعدم الجلوس مع المُحتل حتى ينفذ اتفاق الأسرى مؤخرًا، ويُفرج عن الأسرى المرضى والقُدامى، والمضربين عن الطعام.
وبينما كنا نتحدث معه، بدا على وجهه التعب والإرهاق، وعيناه غير قادرتين على الإحداق بمن حوله كثيرًا فتميلان بين الفترة والأخرى للنوم، فيغلقهما ومن ثم تفتحان من جديد، وتنضح جبهة عرقًا لضيق المكان المتواجد به ولكثرة المُهنئين، في ظل ارتفاع درجة الحرارة بشكلٍ كبير.
ويتابع "لم أكن أتوقع أن أخرج حيًا وبهده الصحة ، لأن الإضراب ليس سهلاً، فـ 96 يومًا كفيلة بتدمير إنسان للأبد، لكن إرادتي وصمودي وصبري وإصراري على تحقيق مطالبي وأبرزها، الإفراج عني وإنهاء الحكم الإداري بحقي، لأعواد من جديد، ومساندة الجميع من خلفي، كانت كفيلة لأحقق الانتصار".
وكان السرسك قد خاض إضرابًا عن الطعام هو الأطول في العالم احتجاجًا على اعتقاله إداريا تحت قانون " مقاتل غير شرعي" قبل التوصل إلى اتفاق بينه وبين مصلحة السجون الإسرائيلية، قبل نحو ثلاثة أسابيع قضى بوقف إضرابه والإفراج عنه في العاشر من تموز/يوليو.
المخابرات حاول تدميري
ويلفت السرسك إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي راهن على تدميره جسديًا ومعنويًا، فبعد اتهامي بأنني "مقاتل غير شرعي" والتي أسمع بها لأول مرة داخل السجون، حاول تلفيق التهم لي بالانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، لكنني صارحتهم بأنني لاعب كرة قدم ذاهب لاستكمال مشواري الإحترافي بالمجال".
ويستطرد "وذاهب لتمثيل بلدي ورفع العلم الفلسطيني بالأندية العالمية، لكنه أصر على أنني مقاوم، وبناء عليه تعرضت لأقصى أنواع الإهانة والذل والتنقل بين السجون الزنازين، إلى جانب عزلي عن العالم وتغيبي لعدم معرفة ما يدور حولي، في محاولة لإجباري على الرضوخ لمطالبهم، وشروطهم الظالمة".
واعتقل السرسك في تموز/يوليو 2009 على معبر بيت حانون "ايرز" شمال قطاع غزة أثناء توجهه إلى الضفة الغربية لتوقيع عقد احترافي مع فريق كرة قدم في الضفة، وشارك قبل اعتقاله في مباريات عدة مع المنتخب الفلسطيني في دول عربية وأوروبية.
يشير إلى أنه أصر على مواصلة إضرابه عن الطعام على الرغم منا ذُكر، حتى يفضح جرائم الاحتلال وهذا المُحتل الذي حاول استعطاف العالم بمذبحة "الهولوكوست"، والتي طبقها فعليًا بحقي وبحق باقي الأسرى بالسجون".
ودعا السرسك حركتي فتح وحماس للتوحد من أجل قضية الأسرى وطرحها بكافة المحافل الدولية وبجميع اللقاءات، لأن الوحدة تؤتي ثمارها، وهذا تحقق بإضراب الأسرى الأخير، وما تلاه من رضوخ إدارة السجون من مطالبهم، رغم أنه تنصل منها ويماطل بتحقيقها.
وأثناء التحدث معه يقطع الحديث ليعانق من أتوا لتهنئته خاصة من المقربين والأصدقاء، وفي مقابل ذلك اصطفت عشرات النسوة بالقسم الأخر من المنزل، وبدأن يصدحنّ بالزغاريد والتكبيرات، ابتهاجًا وفرحًا، ويوزعن الحلوة على المُهنئين.
وبعد لحظات عدنا لحديثة، وسألناه حول الأمراض التي سببها الإضراب بجسده، فيبين أنّه لا يعلم ما بجسده من أمراض ويسمع من الأطباء، والنتيجة ستظهر بعد استكمال الفحوصات نهائيًا، رغم أن الفحوصات الأولية التي أجريت بمستشفى الشفاء فور وصولي تشير إلى وجود فقر دم، وإرهاق كبير بالجسد وغير ذلك...
العودة لكرة القدم
ويصر السرسك على العودة لاستكمال مشواره الرياضي، على الرغم من توعد المخابرات له بحرمانه من العودة لها، عبر تحطيمه جسديًا ومعنويًا طيلة فترة الاعتقال وخاصة أيام الإضراب الـ 95يومًأ، قائلاً : "لابد أن أعود للعب، لأثبت للعالم بأن رسالتي رياضية محضة".
ويوضح أن الاحتلال حرمهم من مشاهدة التلفاز داخل السجن، وخصص حوالي 12 منها 3 محطات رياضية للمشاهدة فقط وليس بشكل دائم، وكنت أعلم أخبار الرياضية وما يحدث من تضامن معي من قبل الرياضيين بالداخل والخارج، من طبيبة الصليب الأحمر.
وتوجه بالشكر للكل من تضامن معه حتى بالدعاء، وعلى رأسهم لاعبي كرة القدم والإتحاد الفلسطيني لكرة القادم، واللاعبين العرب والأجانب الذين تضامنوا معه، وللمعلقين الرياضيين الشهيرين حفيظ دراجي وعصام الشوالي، لذكرهم قضية أكثر من مرة، وأخرها بيورو 2012.
يوم عيد
أما عائلة السرسك فاعتبرت يوم الإفراج عن ابنها يوم عيد، فلم تسع الفرحة قلوب أشقائه وشقيقاته ووالدته التي تقول لـ "قدس نت" وهي فرحة وتزغرد وتوزع الحلوة على المُهنئات : "أشعر بفرحة لم اشعر بها من قبل وكأنه يوم عيد وأكثر، لأن أبني عادي لي سالمًا، والحمد لله الذي أمنّ عليه بالفرج والنصر".
وتضيف "طيلة ثلاث سنوات كنت أعيش حالة خوف دائم عليه وكنت أتوقع موته بأي لحظة خصوصًا فترة الإضراب، فكل يوم يصلنا خبر تدهور حالته الصحية نخاف عليه أكثر، وأكبر كابوس بالنسبة لي هو أنه سيصلني ميت".
وتضرعت بالشكر لله الذي ألهمها الصبر ونصر ابنها على الحق ورده لها سالمًا، متوجه بالشكر لكل من وقف بجانبهم وساندهم ودعم قضية ابنها، وساهم بالإفراج عنه وتحريره، متمنية الفرج لبقية الأسرى، ويشعر ذويهم بهذه اللحظات الجميلة.
وكالة قدس نت للأنباء رصدت بالصور لحظة وصول السرسك إلى رفح:
عدسة/سمر أبو العوف