فجأة، وبعد ثماني سنوات من رحيل أبي عمار "رحمه الله"، ودونما سابق إنذار، فإذا بأحداث لها مساس مباشر بملف قضية استشهاد ختيار ورمز فلسطين تتسارع بعدما كاد النسيان أن يطويه وإلى الأبد، لتكشف تلك الأحداث بعض خفايا رحيله، وما تلا رحيله من محاولات جرت لطمس تلك الحقيقة وكالتالي:
الحدث الأول: قامت قناة الجزيرة الفضائية، وعلى حين غـِرّة، بتفجير قنبلة إعلامية مدوية، فأعلنت بتقرير متلفز لها عن العثور على مستويات عالية من مادة البولونيوم المشع والسام في مقتنيات شخصية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان قد استعملها قبل فترة وجيزة من وفاته وذلك بعد فحوصات أجراها مختبر سويسري مرموق، في تحقيق استمر بكتمان وسرية وبعلم أرملة الشهيد الفقيد لتسعة أشهر!!.
الحدث الثاني: خروج الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية السيد نبيل أبو ردينة ليعقب على تقرير قناة (الجزيرة) القطرية هذا فيعلن وأقتبس نصاً: "إن الرئيس محمود عباس أصدر تعليماته للجنة التحقيق في استشهاد عرفات بمتابعة جميع المعلومات والتقارير التي تتعلق بهذا الموضوع، والاستعانة بالخبرات العربية والدولية العلمية للوقوف على حقيقة أسباب مرض واستشهاد الرئيس الراحل"!!.
الحدث الثالث: قيام اللواء توفيق الطيراوي - رئيس لجنة التحقيق في ملابسات وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات- بإعلان تصريح قال فيه بأن القيادة الفلسطينية واثقة تماماً من أن هناك أيدي فلسطينية ساهمت في التخلص من الرئيس ياسر عرفات، وبأن مهمة القيادة الفلسطينية الآن هي معرفة من هذه الأيادي، منوهاً في الوقت ذاته بأن إمكانيات الجزيرة تفوق إمكانيات السلطة الفلسطينية، وبأن إمكانيات لجنته التحقيقية ضئيلة وعملت في ظروف عمل صعبة لم تساعدها في الوصول إلى الحقيقة إلى الآن!!
الحدث الرابع: محاولة السيد يحيى رباح – نائب المفوض العام لحركة فتح في قطاع غزة- تبرير تقاعس السلطة الفلسطينية في كشف اللثام عن ملابسات اغتيال الختيار، حيث قال بتصريح له بأن القيادة الفلسطينية سبق وأن اتخذت قرارا حاسماً بأن يبقى ملف هذه القضية الكبرى مفتوحاً حتى تنجلي كافة الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع لكي توضع بكل ثقة و أمانة أمام الشعب الفلسطيني!!.
الحدث الخامس: خبر كان قد نشر في وكالات الأنباء العالمية مفاده أن مستشفى بيرسي الفرنسي ( حيث عولج الرئيس الراحل ثم فارق الحياة هناك) قد أبلغت فريق أطباء لوزان في سويسرا المكلفين بالتحقيق بأسباب استشهاد أبي عمار بأن عينات دم وبول الشهيد الفقيد التي يحتاجها الفريق بعمله قد أتلفت بالكامل!!.
وعلى ضوء الأحداث المذكورة آنفاً، وربطها ببعض، فإننا إزاء تساؤلات ملحة نطرحها على قيادة السلطة الفلسطينية بانتظار الإجابة عنها:
أولاً ... أين كانت الرئاسة الفلسطينية التي التزمت جانب الصمت طيلة ثماني سنوات من رحيل أبي عرفات الغامض لتعلن على لسان ناطقها الرسمي وبعد قنبلة الجزيرة الفضائية بمتابعة جميع المعلومات والتقارير التي تتعلق بهذا الموضوع، والاستعانة بالخبرات العربية والدولية العلمية للوقوف على حقيقة أسباب مرض واستشهاد الرئيس الراحل!؟.
ثانياً ... لا نعلم حقيقة إن كانت قيادة السلطة الفلسطينية قد استلمت التقارير الطبية الخاصة بوفاة الشهيد أبي عمار من مستشفى بيرسي الفرنسي!؟.
ثالثاً... وتكملة لما جاء بالفقرة (ثانياً) أعلاه، فإن كانت القيادة الفلسطينية لم تستلم تلك التقارير الطبية، فما جدوى قيامها بتشكيل لجنة برئاسة اللواء توفيق الطيراوي مكلفة بكشف ملابسات وفاة الشهيد أبي عمار، ثم كيف ستؤدي عملها بالشكل المرضي إن كانت تقارير المستشفى قد أتلفت بالكامل!؟.
رابعاً... وتكملة لما جاء بالفقرة ( ثالثاً) أعلاه، ألا يعني تشكيل اللجنة برئاسة اللواء توفيق الطيراوي دون أن تمتلك أدلة تعينها في أداء عملها بأنه كان مجرد عبث ولهو ومضيعة للوقت وتضييع متعمد لملابسات استشهاد الختيار، وأنه ذر للرماد في العيون وإلهاء الشارع الفلسطيني وامتصاص نقمته لفقدانه زعيم ثورته ودولته بظروف غامضة لاسيما وأنها مدركة تماماً فشل عمل تلك اللجنة التحقيقية لعدم امتلاكها لتقارير طبية موثقة من مستشفى بيرسي الفرنسي!!؟.
خامساً... وعلى ضوء ما نشر في الأنباء بأن الأطباء في لوزان بسويسرا كانوا قد طالبوا بعينات من بول ودم الشهيد عرفات من مستشفى بيرسي في فرنسا لغرض المضي قدماً بتحقيقهم ومعرفة ملابسات وفاة الختيار، وأن مستشفى بيرسي كان قد أنبأ أرملة الشهيد بإتلافهم تلك العينات برغم معرفتهم أن تلك العينات تخص شخصية دولية من وزن الشهيد أبي عما، وهو أحد أبرز قادة حركات التحرر في العالم، فهل أن إتلاف تلك العينات قد تمت بمعرفة وعلم قيادة السلطة الفلسطينية!؟.
سادساً ... وتكملة لما ورد بالفقرة (خامساً) أعلاه، وأن تلك العينات قد أتلفت بعلم ومعرفة مسبقة من قيادة السلطة الفلسطينية، فإن قرار تشكيل لجنة اللواء الطيراوي إنما كان يراد به إلهاء شعب فلسطين وامتصاص نقمته وحزنه على قائده المغيب قسراً!؟.
سابعاًً... وإذا ما استبعدنا سوء الظن والتقصير والإهمال، ولم تحط قيادة السلطة الفلسطينية علماً بإتلاف عينات الشهيد الرمز، وكانت قيادة السلطة الفلسطينية قد أحيطت علماً بفشل جهود لجنة اللواء الطيراوي وعجزها عن كشف ملابسات اغتيال الشهيد عرفات، أما كان الأجدر بها والحالة هذه أن تطالب بفتح تحقيق دولي بذلك، أسوة بقضية اغتيال رفيق الحريري!؟، بدلاً من الانتظار والصمت ثماني سنوات!؟، وإذا ما كانت هناك ضغوط كبيرة جدا قد مورست على السلطة الوطنية الفلسطينية من كافة الإطراف الدولية للحيلولة دون فتح هذا الملف كما أشيع مؤخرا وفي أعقاب قنبلة الجزيرة الإعلامية، فما مبررات إخفاء السلطة الفلسطينية وعدم كشفها لتلك الضغوطات الدولية وكشف هويات أصحابها أمام الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة!؟.
ثامناً...وإذا ما كان اللواء توفيق الطيراوي قد أحس بتقصير السلطة الفلسطينية بعدم إبلاغها الرأي العام الفلسطيني بحقيقة فشل عمل لجنته لعدم امتلاكها لتقارير طبية وأدلة كافية، أما كان أجدر به (حفاظاً على سمعته وأمانته وحرصه على دم رئيسه المراق والمسفوك غيلة) أن يخرج عن صمته ويعلن للشعب العربي عموما والفلسطيني خاصة حقيقة ضعف إمكانات لجنته وفشلها بالتالي بعملها المناط بها، وطبيعة الظروف الصعبة التي رافقت عمل لجنته وحالت دون وصولها إلى الحقيقة حتى الآن!؟، وبأنه قد أحاط السلطة الفلسطينية علماً بكافة تلك التفاصيل!!؟.
تاسعاً ... ألا يعي السيد يحيى رباح أن تصريحه آنف الذكر بقرار السلطة الفلسطينية إبقاء ملف الاغتيال مفتوحاً إلى أمد غير محدد لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وما يعنيه ذاك من احتمال أكيد في ضياع أدلة الجريمة نتيجة التقادم الزمني للجريمة النكراء، وأن كشف ملابسات اغتيال رئيس دولة فلسطين، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس أكبر فصيل مقاوم تحرري فلسطيني، وأحد أكبر رموز وقادة حركات التحرر العالمية، سيبقى مجهولاً إلى حين غير معلوم، لاسيما وأن محاولات خبيثة ماكرة قد جرت لتشويه صورة الرمز الشهيد في أعقاب وفاته، وإشاعات كثيرة مغرضة راحت تتحدث حول أسباب الوفاة، كالإصابة بالايدز وتليُّف الكبد، وغيرها بهدف النيل من سمعة ورمزية عرفات عند شعبه ومحبيه، وكان أجدر بقيادة السلطة الفلسطينية أن تضع حدا لهذه الإشاعات الخبيثة من خلال المطالبة بلجنة دولية للبحث في أسباب الوفاة وعرض النتائج للرأي العام الدولي!!.
لربما سيخرج علينا من يستهجن خطوة الجزيرة بكشف اللثام عن أسباب رحيل أبي عمار الغامضة مبرراً ومفلسفاً أن وراء تلك الخطوة ما وراءها من إثارة للفتن وزرع الشك في الشارع الفلسطيني، فأرد عليه، بأننا نريد الحقيقة بأي صيغة كانت، ونذكره بأن الجزيرة قناة فضائية إخبارية دولية، تتصيد الأنباء وتسلط الأضواء على الأحداث، كما وأن من حقها أن تسجل سبقاً إعلامياً بكشفها لغزاً حير العالم أجمع طيلة سنوات ثمان لتزيد من شعبيتها وعدد متابعيها، أما أن تكون وراء أكمة الجزيرة ما وراءها فذاك لا يعنينا بقدر ما يعنينا كشف الحقيقة التي أرقت جفوننا وسيطرت على هواجسنا!!، فمن كان يخشى ألاعيب الجزيرة وما تبثه من فتن ومشاكل (وهي لاشك كثيرة ولا أنفيها!!)، فأولى به أن يقطع عليها الطريق من خلال البحث عن الحقيقة، أن يسابقها إلى كشف الحقيقة كاملة، وأن ما سيقطع الطريق على فتن الجزيرة ويحبط فتنها هو الجهد الفلسطيني الرسمي الحثيث لكشف حقيقة وفاة رمز فلسطين أبي عمار "رحمه الله"!!.
إن حقاً للختيار على محبيه من أبناء شعبه، وحقه يكون بإنصافه، وإنصافه لا يكون إلا بأخذ الثأر لدمه المسفوك والمهدور غيلة وغدرا، وأخذ ثأره لن يكون بمقالات التمجيد به، فهو تالله لأكبر من أن يمجد بمقالات وخطب عصماء تذكر سيرته الجهادية والنضالية، فالثأر له يكون بكشف اللثام عن أسرار رحيله ومعرفة من ارتكب الجريمة وعجل برحيله كي تبقى اليد الصهيونية هي العليا والعابثة في مصائر شعبنا الجريح والمكلوم، لاسيما وأن اغتيال الرئيس الرمز ياسر عرفات وتغييبه القسري عن المشهد الفلسطيني إنما شكلّ منعطفًا خطيراً في القضية الفلسطينية، تمثل بمجموعة من الأزمات الخطيرة التي انعكست على المشهد الفلسطيني برمته وشوهت صورته، بدءً من انفصال غزة عن الضفة الغربية، وعلو نبرة التنافر والخصام بين الأشقاء، مروراً بممارسات العدو الصهيوني وحملاته الاستيطانية واقتطاعه مساحات كبيرة من أراضي الضفة الغربية في محاولة خبيثة منه لفرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين!!.
سماك العبوشي
11 / تموز / يوليو / 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت