انتصار تموز هو انتصار استثنائي في ذاكرة الشعب اللبناني كما في ذاكرة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص،انتصار اثبت قدرة الانسان المومن بقضيته والمناضل في سبيلها على صنع المعجزات ومحاكات الاساطير، انتصار سيبقى محفورا في ذاكرة اللبنانيين والعرب من جهة وفي ذاكرة العدو الصهيوني من جهة ثانية .
لقد كتبت المقاومة هذا التاريخ باحرف من دم فكانت شهادة سيد الشهداء عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية ترسم المستقبل الى جانب صورة القائد الشيوعي الشهيد جورج حاويٍ مؤسس جبهة المقاومة وشهداء افواج المقاومة القادة محمد سعد وخليل جرادي ووشهيدة الحزب القومي سناء محيدلي وشهداء الاحزاب والقوى الوطنية وكافة الشهداء صورة ناصعة البياض في تاريخ الأمة.. ، وافهمت من يهمهم الامر ان لبنان لن يكون مكسر عصا، وان هذا الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله، شكل أرضية لكل المقاوميين في العام 2006، كما شكل قناعة لدى قوى المقاومة الفلسطينية على ارض فلسطين، أكثر من أي وقت مضى، أنه بالإمكان هزيمة هذا العدو الصهيوني وتحرير الارض واستعادة الحقوق، كما ساعد هذا الانجاز على صمود الشعب الفلسطيني وبطولاته في غزة والضفة والقدس.
مرت ستة اعوام على انتصار تموز، انتصار بدأ من عملية الاسر البطولية عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، قرب عيتا الشعب ولم ينته الا برضوخ العدو و إطلاقه مرغما عميد الاسرى سمير القنطار ورفاقه من سجون الاحتلال. انتصار وصف بأنه شكل تغييرا استراتيجيا في الصراع العربي الاسرائيلي، واحدث انقلابا سياسيا وعسكريا في كيان العدو الصهيوني، أما في لبنان فكشف عدوان تموز عظمة شعب قل نظيره، وصمود جبار لابناء القرى والبلدات المدمرة وصمود المقاومين الاسطوري ووكل هذه العوامل شكلت دافعا للانتصار الذي تحقق في الرابع عشر من آب العام 2006.
ان ما تعرض له لبنان عام 2006 وغزة عام 2008 ، وما يتعرض له شعب الجبارين من عدوان متواصل في الضفة الفلسطينية والقدس هو استمرار لمسلسل القضاء على مقاومة شعوب المنطقة من خلال المشاريع الامريكية الصهيونية ، ونحن على يقين ان شعب فلسطين الذي قاوم الغزوة والاستعمار لهو قادر على الاستمرار في النضال والمقاومة وكافة اشكال العمل الدبلوماسي والسياسي وصولا لتحقيق السلام العادل والشامل وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، لأن المعتدي والمحتل للحقوق لا يمكنه أن يرتدع إلا إذا شعر بأن الطرف الآخر قوي، ويسعى لمعادلة استراتيجية تعيد حقوقه وتحقق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب المنطقة التي من حقها أن تعيش بسلام واستقرار وازدهاراً أسوة بشعوب العالم الأخرى.
لقد كرست المقاومة الوطنية اللبنانية في انتصارها التاريخي الذي حققته في تموز مثالاً يحتذى به في تحرير الأرض العربية من رجس الاحتلال وتحرير الارادة العربية من آفات الخنوع والتخاذل، فنجاح المقاومة الوطنية اللبنانية أدى إلى تغيير اللعبة في المنطقة وأرسى أسساً جديدة لحركة الصراع ضد العدو وجعل المقاومة الحافز الملهم لكل عملية تغيير أو تطوير في الوطن العربي، إن هذا الانتصار الكبير للمقاومة اللبنانية البطلة أطاح بنظريات عسكرية كثيرة كانت سائدة وجعلت بعض النظريات قيد الشك، فالقاعدة التي كانت تعتمد عليها اسرائيل طوال حروبها الماضية في المنطقة والمتمثلة في تفوق سلاحها الجوي وفي قواتها المدرعة التي تدخل أرضاً محروقة قد سقطت نهائياً .
وامام كل ذلك شكل انتصار تموز 2006 محطة نضالية مضيئة في تاريخنا العربي المقاوم للمشروع الصهيوني العدواني على الأمة والشعب الفلسطيني، وقدم لبنان عينة نوعية من مخزونه المقاوم، ملقناً العدو درساً، ما زالت تداعياته مستمرة، داخل كيانه، على أكثر من صعيد حتى اليوم، هذا المخزون الذي جذرته سياقات المواجهة مع الصهاينة على مدى عقود من الزمن بفعل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، كما بفعل المقاومة السياسية للقوى والأحزاب الوطنية والقومية والتقدمية دون أن نغفل صمود الجيش اللبناني وأبناء الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، إضافة إلى هذا الاحتضان الرائع من وسائل الإعلام ، وكلها عناصر شكلت العمق الوطني الذي أسقط هيبة الجيش الصهيوني وأسطورته التي قيل فيها "إنها لا تقهر".
لقد أضاف العدوان الصهيوني الوحشي على لبنان صورة جديدة من صور جرائمه البشعة حاول فيها النيل من صمود شعبه المقاوم، وما الاستهداف الصهيوني للمدنيين والبنية التحتية في لبنان وفلسطين سوى نموذج لسياسة المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي انتهجها العدو الصهيوني خلال تاريخه الدموي الطويل.
لقد أعطى الشعب اللبناني، دعماً قوياً ونهضة ثورية جديدة للأمة العربية بأسرها.. بعد ملحمة الصمود والبطولة التي سطرها أبطال المقاومة الاسلامية والوطنية بقيادة حزب الله وأمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله.
ولأجل كل ذلك، سيبقى تموز 2006 عاملاً حيوياً مضافاً إلى نضال الامة العربية والشعب الفلسطيني وهي تخوض صراع الوجود الحضاري والتاريخي ضد العدو الصهيوني، وحماته الإمبرياليين المستعمرين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، على ارض العزة والكرامة ارض فلسطين، حيث تشكل المقاومة الشعبية والوطنية الفلسطينية بمواجهة الاحتلال والاستيطان ومن اجل استعادة الارض والتحرير والنصر، هذه المقاومات هي الطلائع البطولية المتقدمة لمواجهة المخطط الأميركي-الصهيوني بهدف إفشاله ودفنه إلى الأبد.
ان انتصار تموز لم يكن انتصار المقاومة في لبنان في مواجهة العدو الصهويني فقط بل كان انتصاراً استراتيجياً للشعب الفلسطيني ومقاومته ، وخاصة ان المقاومة الوطنية اللبنانية تمكنت من اسقاط نظرية رايس انذاك حول بناء شرق أوسط جديد وسيكون لبنان بوابته وهذا القول هو كشف للمستور للهدف من وراء العدوان ،إن قراءة للمشهد السياسي الاقليمي تبين بشكل واضح حجم التحول الحاصل في وزن القوى السياسية المتصارعة في المنطقة وهو بالتأكيد لصالح نضال الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية التواقة للاستقلال وهذا أمر لايستطيع أحد انكاره وهذا يرتب على كافة الفصائل والقوى والاحزاب الاستمرار في التنسيق والتماسك والتضامن لكسب المزيد من احرار العالم الرافضين لمشروع الهيمنة الامريكي ولمشاريع الاحتلال الصهيوني على ارض فلسطين والذي يستهدف شعوب المنطقة وحقها في حياة حرة كريمة.
ان الشعب الفلسطيني العظيم صانع الثورات والانتفاضات وصاحب السجل الاسطوري في الصمود أمام أسوأ وأبشع عدو عرفته البشرية وعرفه التاريخ المعاصر، هذا العدو الذي لا يتورع عن ارتكاب المجازر ومواصلة العدوان ونهب الأرض وإقامة وتوسيع المستوطنات وتهويد مدينة القدس، مدينة المدائن ودرة تاج رأس الأمة، ومواصلة سياسة الاعتقال بحق ابناء الشعب الأعزل، يؤكد لنا ان المفاوضات لم تكن خيار الشعب الفلسطيني اذا لم تستند الى اشكال النضال المختلفة من اجل تغير الموازين ،لان الكيان الاسرائيلي وحكوماته المختلفة لم تأخذ يوماً قراراً استراتيجياً بالسلام، وإن انتظار تحقيق الاستقلال الوطني بموافقة حكومة الاحتلال ما هو إلا وهم، والاستقلال الوطني للشعوب يتم انتزاعه بالتضحيات والمقاومة والصمود والكفاح، وان الاستقلال الوطني ننتزعه ولا ننتظره، و الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية لن يجدي نفعاً، فهي ليست راعية للسلام وأنما راعية للإحتلال الاسرائيلي والعدوان والاستيطان.
ان شعبنا الذي فرح لفرح الشعب اللبناني بانتصاره في حرب تموز لهو قادر على انتزاع حقوقه الوطنية ، وهذا يتطلب من جميع القوى والفصائل والشخصيات الوطنية العمل على انهاء حالة الانقسام المدمر والمخجل والمخزي، وانجاز المصالحة الوطنية الحقيقية والعودة لوثيقة الأسرى للوفاق الوطني باعتبارها القاسم المشترك لشعبنا وفصائله الوطنية والاسلامية، وضرورة مواصلة طريق المقاومة بكافة اشكالها ، والعمل من أجل مزيد من تحقيق الانجازات والمكاسب والاعتراف الدولي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، ومواصلة العمل لمزيد من العزلة على اسرائيل على المستوى الدولي والرسمي والشعبي وعلى كافة المستويات والمجالات، وكذلك مواصلة حملة مقاطعة المنتجات الاسرائيلية بشكل شامل وعدم اقتصارها على منتجات المستوطنات .
ان التاريخ يصنعه ابطال المقاومة وتضحيات الشعوب سيبقى عنوان التحدي والإرادة التي تهزم الاحتلال ، والشعب الفلسطيني قادر على الانتصار من خلال إصرار وإرادة شعب قدم قوافل كبيرة من الشهداء وخاض اعنف المعارك من اجل نيل الحرية والتصدي للمحتل، من خلال مسيرة نضالية لم تتوقف حتى تحقيق النصر قي هذا الزمن العربي الرديء .
ان انتصار تموز بالنسبة لنا يشكل نقلة نوعية باستمرار النضال لان إرادة شعبنا وأمتنا لم ولن تنكسر ولن تضعف ولن تؤثر فينا ولا في قناعاتنا وطريقنا ومبادئنا واستعدادنا للتضحية والفداء مهما بلغت الإجراءات التعسفية والممارسات الارهابية بحقنا، ما دام هناك فرسان المقاومة ورموز للتضحية والفداء والعطاء من أجل حرية وعودة واستقلال شعبنا ، وإننا على ثقة أن ليل الاحتلال زائل وأن فجر الحرية آت لا محالة.
إن صمود أبناء شعبنا في فلسطين ، والتضحيات الجسام الذي يقدمها وصمود الاسرى البواسل في سجون الاحتلال تضيء لنا الطريق من جديد حتى ننهض من كبوتنا من خلال وحدتنا قبل ان نغرق في بحر الظلمات لفترة طويلة.
نحن اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة للنهوض والتمسك بكافة اشكال النضال، ونتطلع الى قيام أوسع جبهة شعبية عربية وعالمية، تجمع القوى الحية لجماهير أمتنا العربية من أحزاب، ونقابات، واتحادات، وممثلي المجتمع المدني ومن احرار العالم من مثقفين وشخصيات ، لتشكيل حاضنة، ودعم لرأس الحربة التي تتجسد بنضال شعبنا ومقاومته الباسلة، لتتحرك كل الطاقات الكامنة، والإبداعية لدى جماهير أمتنا العربية واحرار العالم في كل مكان بأوسع حراك شعبي للدفاع عن فلسطين والقدس وعزتها في مواجهة المخطط الأمريكي- الصهيوني الظالم.
ختاما :لا بد من القول سيبقى شهداؤنا عنوان تاريخنا و طليعة انتصاراتنا ،وهم الجزء الأكثر إشراقاً في هذا التاريخ ، وان انتصاراتنا تشكل علامة فارقة في تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني الذي أصبح عاجزاً عن تحقيق أي هدف وبات همه محصوراً في كيفية الحفاظ على كيانه المهدد بالزوال.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت