الأسباب الثقافية لفشل اللجنة التنفيذيه!

بقلم: د.اياد السراج


مرة اخرى يثير اخي غازي حمد في نفسي الرغبة في الجدال والكتابه بحديثه عن ضرورة وضع استراتيجيات العمل الوطني والا نبقى رهائن للمناورات وأسرى للتكتيك وردات الفعل( سما الاخباريه 22/7/2012).

ويدفعنا نداء بل صيحة أخونا ابو عمر للسؤال عن الأجسام المنوط بها وضع استراتيجيات العمل الوطني . وعلى الفور يخطر على البال القيادة العليا للشعب الفلسطيني وهي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والتي لا مفر من سؤالها عن طريقة تشكيلها وشروط عضويتها وصلاحياتها ودورها في التخطيط للعمل الوطني. سنكتشف سريعا ان عضوية اللجنة المذكورة بالتعيين وان متوسط العمر فيها هو ستون سنه وان وجودها اصلا كان لإظهار وحدة الشعب الفلسطيني في تأييد قيادة عرفات وان بعض أعضاؤها لا يمثلون اي احد سوى أشخاصهم و يبقى ان نعرف ان كان لهذه اللجنة علاقة بالتخطيط الاستراتيجي.

ان اللجنة التنفيذية هذه ربما تلخص لنا مأساة الشعب الفلسطيني ففيها ومنها نكتشف غياب بعض المكونات الثقافية الضرورية للتخطيط والتقدم والانتصار.

وأول هذه المكونات الغائبة عن اللجنة التنفيذية وغيرها من الأجسام السياسة هو ثقافة القانون والنظام واحترام حقوق الانسان او بمعنى أوضح واكثر شمولا غياب ثقافة المواطنه. المواطنة تعني المساواة امام القانون، يعني مساواة كل الناس امام القانون ويعني احترام رأي المواطن ويعني انتخاب القيادة ويعني محاسبتها. فالجسم الذي تتوفر فيه هذه المكونات الثقافية سيعمل بالضرورة على القيام بمهماته والاضطلاع بدوره غير خائف من قيام صاحب الفضل في تعيينه بقطع راتبه ومخصصاته ذلك لانه سيقدم عمله للناس الذين انتخبوه ولا يجرؤ حينها رئيس او زعيم باستعباد الاعضاء لغرض مصالحه الشخصية دون معارضة او كما قال اخي غازي عن مزاج الزعيم الفرد وكيف يتحكم في القرار.

فهل قامت اللجنة مثلا بنقد موقف السلطة من حصار غزة ودلالات ضلوعها فيه؟ وهل قامت بمتابعة مأساة الانقسام وفشل المصالحة؟ ان مثل هذه المراجعة تتطلب سؤال الرئيس والمسؤولين بل ومحاسبتهم!

وفي هذه الايام طغى على السطح مجددا موضوع غزه واعلانها محررة ولا شك ان لاسرائيل مخطط للضفة الغربيه ( والشرقية) وغزه فما هي خطة منظمة التحرير؟

القدرة على النقد الذاتي ومراجعة النفس هو مكون ثقافي اخر حيوي واساسي للافراد والأجسام الجماعية كاللجنة التنفيذية او الاحزاب والفصائل باشكالها او غيرها لضمان التقدم والتعلم من الأخطاء والاطلاع المستمر على التجارب المماثلة. الا ان القدرة على النقد الذاتي تحتاج للشجاعة وتعتمد على وجود تقليد منظم للبحث العلمي ، مثل العالم الذي يراجع نظرياته في اسباب السرطان ويسترشد بخبرته وما استجد من أبحاث. فهل تستطيع اللجنة التنفيذية او (اي قيادة حزبية )بمراجعة نقدية جدية للعمل المسلح بأشكاله مثلا بجرأة لا تختبئ خلف الشعارات وتحتمل كل الاراء؟ وهل تستطيع مراجعة اتفاق أوسلو وتبعاته حتى نصل الى قصة التنسيق الأمني مع اسرائيل دون خوف او حذر وعن دور اللجنة التنفيذية في كل ذلك ؟

وربما سؤال اشد الحاحا هو أين كانت اللجنة من قصة رحيل عرفات وهل لها ان تسأل وتحقق في موت رئيسها ام ان ذلك لقناة "الجزيرة " فقط؟

ان غياب هذا المكون الثقافي يدفعنا الى الاستنتاج ان التحليل القائم على المعطيات الواقعية والمنطق العلمي وهو ابرز واهم مكونات التقدم الحضاري يكاد يكون منعدما في البيئة والثقافة الفلسطينية والعربية. واذا ما اتفقنا على ان الصراع بيننا وبين أعداء امتنا هو صراع حضاري فإنه يسهل الوصول الى النتيجة التي نعيشها وهي الهزيمة والفشل. فهل تقوى اللجنة التنفيذية وغيرهاعلى اعتراف مثل هذا؟

ويجرنا الحديث عن المكونات الثقافية اللازمة للتطور الى مكون ثقافي سلبي وهو الاستسلام السهل لنظرية المؤامرة حيث يصبح تفسير ما يحدث للفرد بأنه ضحية لمن حوله من الحاسدين او المغرضين او السحرة وكذلك الجماعة التي تؤمن باننا عاجزون امام قوة أعدائنا وان كل ما حولنا يؤكد على المؤامرة حتى انه صار الكثيرون في شك من ان الربيع العربي مؤامرة وان حماس والاخوان مؤامرة وان ياسر عرفات وعباس مؤامره بل وتكاد الحياة ذاتها ان تكون مؤامره.

وهناك بالطبع ثقافة الإشاعة التي تأخذ حيزا هاما من الوقت والمجهود العقلي والتي تنتج عن الخوف من تبعات المواجهة مع النفس والآخرين حيث يلجأ الضعيف اليها للانتقام او التفريغ مثل الشخص الذي يتعذب لعدم استطاعته المواجهة فيلجأ الى بث الأقاويل التي تروي بطولته وتلعن الأقوياء وتصبح مصدرا للاشاعة التي تنتقل كالنار في الهشيم نقلا عن مصادر عليا!

ان غياب ثقافة المواطنة واحترام القانون والقدرة على النقد الذاتي والشفافية وغياب مبدأ المراجعة والحساب وانعدام العقل العلمي هم بعض اسباب عدم القدرة على النجاح وقد اتخذنا من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نموذجا ينطبق عليها ما ينطبق على كثير من الأجسام "الوطنيه"!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت