انتقام مخابراتي إسرائيلي

بقلم: توفيق أبو شومر

إليكم هذين الخبرين:
الأول:
"أجبرتْ إسرائيلُ وكالة البي بي سي العالمية أن تعيد صياغة الشعار الرئيس المخصص لدولة إسرائيل في أولمبياد لندن في صفحة الوكالة، وأن تجبرها على استبدال الشعار الذي اختارته الوكالة!!
فقد اختارت البي بي سي شعارا لدولة إسرائيل، هو ( حاجز عسكري)!!
لأن إسرائيل هي بالفعل دولة الحواجز والجدران، وليس لها منافس في هذا المضمار!! فقد نجحتْ إسرائيل في فرض إملاءاتها على الوكالة، ولم تغير البي بي سي الشعار السابق فقط وتستبدله بأثر تاريخي من آثار مدينة تل أبيب فقط، بل إنها أجبرت الوكالة كذلك على تغيير عاصمة إسرائيل وتجعلها( القدس) بعد أن كانت الوكالة ترفض اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وتعتبر القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين!!
الخبر الثاني:
إن أكثر دول العالم يعتبرون إسرائيل (ربيبة) أمريكا، ويعُدونها (وتد) الإمبريالية في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه يشتكي الأميريكيون(سرا) منها
ويعتبرونها معوقا رئيسا لتمرير سياستهم، وحجر عثرة في طريق منافعهم، بالأمس 28/7/2012 نشرت يديعوت أحرونوت تحقيقا غريبا، نشره الصحفي يتسحاق بن أهارون، بالتزامن مع وكالة الإي بي الأمريكية جاء فيه:
"يشتكي عملاء السي آي إيه، العاملون في تل أبيب من عملاء إسرائيل الذين يقتحمون مقراتهم ويعبثون بأجهزتهم الجاسوسية الخاصة، حتى أن كبير عملاء السي آي إيه (مجهول) الاسم قال:
تمَّ العبثُ بالأجهزة الاستخبارية الخاصة بي، والتي أتصل بها مع مسؤوليَّ في (فيرجينيا) لذا فإن هذا العميل يعتبر أفعال الإسرائيليين محبطة لأنه يعرف بأن إسرائيل هي أهم محطات التجسس التي يجري التعامل معها بصفة استثنائية!!" انتهى الخبر!!
لم تعد هذه العربدة خافية على كثير من المتابعين، فإسرائيل قادرة على(حلب) كل الفرص واستثمارها، مهما كانتْ، وهي الدولة الوحيدة التي نجحتْ في مُراكمة تجاربها، باعتبار التجارب مخزونا استراتيجيا وطنيا مُربحا، فقد جربتْ إسرائيل أسلحة الخطف وتنفيذ عمليات الاغتيال في كل دول العالم، ونجحتْ في طمس معالم جرائمها، لأنها تملك مبيدا سحريا قادرا على إيقاف أية متابعة لأعمالها، وهو سلاح الدمار الشامل (اللاسامية)!!.
كما أنها حولتُ قطاعَ المخابرات في إسرائيل، إلى قطاع استثماري، فأمريكا في إعلام إسرائيل، هي الرائد والأب الكبير، ولكنها في علم المخابرات الإسرائيلية عدوا لدودا، ينبغي أن يطلب وُدَّ إسرائيل، وأن يُنسق معها إذا أراد أن ينجح، كما أن حجم عملاء إسرائيل في أمريكا أكبر من حجمهم في كل دول العالم!!
كما أن إسرائيل تنافس أمريكا في سلاح الاستخبارات، وهي لا تكتفي بالتنسيق والتدريب، بل إنها تقوم بسرقة التكنولوجيا الأمريكية في هذا المجال، فقد أنشأت أحدث محطات التجسس العالمية في مستوطنة(أوريم) المحاذية لغزة، وهي تستعد لإقامة محطة جديدة في بئر السبع، قادرة على التقاط كل الاتصالات والشيفرات، من قارات العالم الثلاثة، ويُقال بأن هذه المحطة تنافس أضخم محطات أمريكا للتجسس التي تُسمى (أيكلون)!!
يضاف إلى ذلك، أن دخل إسرائيل من (التدريب) في مجال الاستخبارات، هو دخل كبير جدا، فهي رائدة في مجال تدريب مكافحة الإرهاب في المطارات والطائرات،وبيع السلاح، وتفضل معظم دول العالم إسرائيل على أية دولة أخرى، لأنها (ضالعة) في هذه المجالات!!
ولعل هناك سببا آخر للعربدة الإسرائيلية الجاسوسية على أمريكا، وهي قضية الجاسوس الإسرائيلي الشهير جدا (جونثان بولارد) ، وهو مواطن أمريكي محكومٌ عليه بالسجن مدى الحياة عام 1986، وكان بولارد عميلا للسي آي إيه، قبل أن يلتحق بسلاح البحرية كخبير معلوماتي، ويبعث برسائل جاسوسية لإسرائيل، وكان مسؤولا عن ملف روسيا الاستخباراتي، ولم تتمكن كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من إطلاق سراحه، حتى بعد منحه جواز سفر إسرائيلي عام 2008 ، وهذا بالطبع يبعث على الغيظ من أمريكا، فلينتقم مخابراتيو إسرائيل من عملاء السي آي إيه!!
وهذا بالطبع أعادني إلى أشهر قصص الجاسوسية في تراث إسرائيل ، وهي قضية
الجاسوس الضابط اليهودي في سلاح المدفعية الفرنسي عام 1895 (ألفرد درايفوس) الذي اتهم بأنه السبب في هزيمة فرنسا واحتلال ألمانيا للألزاس واللورين الإقليمين الفرنسيين، وأنه قام بتسليم وثائق عسكرية لسفارة ألمانيا في باريس، واتضح بعد أن جُرد من رتبته العسكرية وحُكم بالسجن والنفي إلى جزيرة الشيطان في غينيا، بأن هذا المتهم بريء مما نسب إليه وأن ضابطا فرنسيا اسمه( فردناند استرازي) قام بتزوير الوثائق من منطلق أن الضابط لا سامي، كاره لليهود!!
ويعود الفضل في كشف الحقائق إلى مقال كتبه الأديب الفرنسي إميل زولا لرئيس الجمهورية الفرنسي بعنوان (إني أتَّهم)!!
وقد استخدم القصة مؤسس الصهيونية الصحفي النمسوي اليهودي هرتسل عام 1896 جعلها أحد معاول بناء الصهيونية، وطالب لحل أزمة اللاسامية ضد اليهود بأن يؤسسوا وطنا لهم!!
إذن فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي نجحت في جني ثمار(الاستخبارات) فهي الدولة التي بناها وما يزال يُسيِّرها رجالُ الجيش والعسكر والمخابرات!!
وهي ليست على شاكلة برامج وآليات كثيرٍ من منسوبي الجيش العربي وعملاء مخبراته، ومديري مراكز أمنه، الذين هدموا معظم دول العرب، وما يزالون عازمين على هدم ما بقي منه!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت