في زحمة الحرب الاعلامية الشرسة والمهينة التي تشنها ولا تزال غالبية وسائل الاعلام المصرية وبعض القوى والشخصيات السياسية بتوجيه أصابع الاتهام للفلسطينيين بأنهم من نفذوا المجزرة التي ارتكبت بحق الجنود المصريين في رفح، لا احد باستثناء عدد قليل من المصريين يريد السماع والانتظار نتائج التحقيق والتأكد من صحة المعلومات الكثيرة المتناثرة والمتضاربة. المجزرة ادمت الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة ومن دون مبالغة اكثر من المصريين لأنهم يدركون ثمن الدم الذي يدفعوه يوميا من خيرة ابناءهم، وان كل قطرة دم مصرية هي فلسطينية.
اعتبر نفسي متابع لما يجري في مصر وللشأن الفلسطيني الداخلي خاصة ما تسمى الجماعات الاسلامية السلفية الجهادية، والانسجام مع بعض منها مع الجماعات الجهادية المتواجدة والناشطة في شبه جزيرة سيناء منذ 10 سنوات وازداد نشاطها خلال السنوات الاربعة الماضية وتركز معظم نشاطها في تهريب السلاح واعتبار سيناء مكانا للاختباء والتدريب للقيام بعمليات عسكرية ضد دولة الاحتلال للانطلاق من سيناء.
بعد المجزرة ضد الجنود المصريين كان خلط واضح ومتعمد للأوراق من وسائل الاعلام وبعض القوى السياسية والشخصيات المحسوبة على النظام القديم والمعروفة بعدائها التاريخي للفلسطينيين، وكالوا التهم بالمجان لهم ونجحوا في الايقاع بين الشعبين المصري والفلسطيني وزعزعة الثقة بينهم التي تعززت بعد الثورة وصدقوا انفسهم بان الثورة أصبحت سند لهم، وظهر يحميهم من العدوان الاسرائيلي المستمر.
وتناسى هؤلاء بشكل متعمد ان سيناء هي مرتع لجهات عديدة سلفية وسلفية جهادية وتكفيريين نفذوا عمليات ضد قوات الجيش والشرطة، وتجار سلاح ومهربين وأجهزة امن محسوبة على دول عديدة معادية وصديقة وتعمل بحرية والأجهزة الامنية المصرية تعلم بذلك، ونجحت مرات وفشلت مرات اخرى بالحد من تعاظم تلك الجهات التي قويت شوكتها خلال العام ونصف العام الماضيين.
ووقعت عدد من العمليات الارهابية التي استهدفت منشات عسكرية مصرية او نقاط للشرطة، وقتل في العام 2003 لواء في الشرطة المصرية من قبل جماعات متطرفة أثناء مطاردة الشرطة لهم، وقتل واختطف عدد من الجنود والضباط المصريين ولا يزال مصيرهم مجهول حتى الان، ووجهت اصابع الاتهام لجهات فلسطينية ولم تتم إدانة أي فلسطيني بقتل أي جندي او شرطي مصري في سيناء على خلفية سياسية، وقتل عدد اخر من المصريين وألقت أجهزة الامن المصرية القبض على الجناة وكانوا من المصريين.
في ضوء ما جرى خلال السنوات الماضية وما يجري منذ عام ونصف، المجزرة لم تكن مفاجئة، وإسرائيل معنية بما يجري في سيناء، ولا أستبعد الاختراق الاسرائيلي لبعض المجموعات الجهادية، وبالرغم من تحذيراتها وتهديدها المتكرر للسلطات المصرية بأنها مقصرة وعاجزة عن فرض الامن في سيناء التي اصبحت ساحة للإرهاب يهدد الامن الاسرائيلي، أعتقد جازما انها تعمل بحرية في سيناء لحماية امنها وخلق البلبلة والفتنة وإظهار ضعف الدولة المصرية.
لكن المفاجأة كانت بسرعة تنفيذها وبحجم الضحايا والدم الذي سال من جنود ابرياء مهمتهم حفظ الامن والنظام والدفاع عن حدود مصر وفرض السيادة على ارض منتهكة حدودها وأرضها من جهات عدة عرب، ليبيين وسعوديين ويمنيين وأجانب ومن يوفر لهم الحماية والملاذ مصريين، والفلسطينيون بينهم قلة.
المجزرة في اسمها، وهي قاسية وضربة موجعة للدولة المصرية التي تضررت هيبتها وتم الاعتداء على سيادتها، كما طالت المجزرة الفلسطينيين بضرر كبير من خلال الشك والاتهام بالدم المصري العزيز الذي سال على ارض سيناء، والأمل ببدء علاقة جديدة على اساس الدعم والمساندة من مصر الجديدة مصر الثورة.
الفلسطينيون اتهموا أكثر من مرة بأنهم نفذوا عمليات عسكرية من داخل سيناء، ولم يثبت ذلك ودفعوا ثمن ذلك خيرة شبابها عندما اغتالت قوات الاحتلال الاسرائيلي العام الماضي وفي مثل هذه الايام من شهر رمضان، الامين العام للجان المقاومة كمال النيرب (ابو عوض) والقائد العسكري للجان عماد حماد وآخرين، بعد اتهام قوات الاحتلال لهم بتنفيذ عملية إيلات انطلاقا من سيناء، ولم يثبت مقتل أي فلسطيني من المنفذين.
وحاولت وتحاول جماعات جهادية تنفيذ عمليات وكان من بينهم فلسطينيين كما ادعت دولة الاحتلال، و كانت اخرها في شهر يوليو/ تموز الماضي، إلا ان هناك شبه اجماع فلسطيني من بينهم جماعات سلفية جهادية على استنكار وإدانة المجزرة التي نفذت بحق الجنود المصريين الستة عشر.
ومع ذلك هذا لا يعفي الفلسطينيين خاصة حركة المقاومة الاسلامية حماس والحركات الاسلامية الاخرى والفصائل الفلسطينية من المسؤولية الاخلاقية تجاه ابناء الشعب الفلسطيني وتجاه مصر الثورة، والعمل بسرعة وبشكل جدي مع بعض الجماعات الاسلامية السلفية وخاصة معظمهم من الشباب صغير السن، والذي يتم التأثير عليهم وتغيير اتجاهاتهم تجاه المجتمع، وزرع افكار تكفيرية خطيرة تتناقض مع الدين وقيم المجتمع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت