نفاق أميركي وابتزاز إسرائيلي

بقلم: غازي السعدي


من يتابع النقاش الدائر في إسرائيل والآخذ بالارتفاع، وبخاصة في وسائل الإعلام الإسرائيلية يتوصل إلى قناعة بأن الضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران- رغم تحفظات عدد من كبار القادة الأمنيين الإسرائيليين- أصبحت حقيقة لا رجعة عنها، فرئيس أركان الجيش الإسرائيلي "بني غينتس"، أصدر تعليماته للجيش بأن يكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أية سيناريوهات محتملة، ويوحي نقاش "الأركان" والساسة في إسرائيل- حسب "هآرتس5-8-2012"- أن الضربة باتت قاب قوسين أو أدنى، مع أن رئيس الوزراء "نتنياهو"- حسب "يديعوت 5-8-2012"- كان يفضل قيام الولايات المتحدة بشن الحرب على إيران، لكنه أخذ يقتنع بأن احتمالات ذلك ضئيلة، ومع أن الولايات المتحدة تخشى إقدام إسرائيل على هذه الضربة قبل الانتخابات الأميركية، إلا أن النوايا الإسرائيلية بتوجيه الضربة قبل الانتخابات الأميركية التي ستجري في مطلع تشرين ثاني القادم- "يديعوت 5-8-2012"- تهدف لجر أميركا وتوريطها في هذه الحرب، مع أن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية يشكو من عدم إطلاعه على المداولات الجارية حول الموضوع الإيراني.

مصادر أميركية اتهمت وزير الجيش الإسرائيلي "ايهود باراك"- الذي كان يعتبر "حبيب أوباما"- أنه وبتحريض من "نتنياهو" يسعى لزج أوباما في مغامرة عسكرية ضد إيران فوراً ودون تأخير، فـ"باراك" الذي انتهى سياسياً على الصعيد الإسرائيلي، يعرف أنه لن يكون وزيراً للجيش في أية حكومة مستقبلية، بعد أن أخذ حزبه بالتفكك، فشن الهجوم على إيران قد يمنحه النجاة سياسياً، طبعا إذا نجح الهجوم فانه سيعيد له تقديره كصاحب سمعة وخبرة أمنية عالية.

خمسة من كبار القادة الأمنيين الإسرائيليين، قلقون من تصميم "نتنياهو" و"باراك" على ضرب إيران، فرئيس الموساد السابق "مئير داغان" أول من أعلن جهاراً عن معارضته لهذه الحرب، طبقا لحجم الخسائر والدمار الذي سيحل بإسرائيل، دون تحقيق أهداف الضربة بالنسبة للنووي الإيراني، واللواء احتياط " اهرون زئيفي فركش"، رئيس شعبة الاستخبارات السابق، يعتبر أنه من الخطأ القيام بها وعلى الأقل في الوقت الحاضر، واللواء احتياط "عاموس يادلين"، رئيس الدائرة السياسية في وزارة الدفاع، لا يعتقد أن هناك ضرورة ملحة لقيام إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، ورئيس الموساد سابقاً "افرايم هليفي"، يعبر عن خوفه من الأسابيع الإثنى عشر القادمة ، ورئيس مجلس الأمن القومي السابق اللواء "غيورا آيلاند" يؤكد أنه لا يمكن القيام بهذه الحرب دون
موافقة أميركية، ويقول:" إذا نظر رئيس الولايات المتحدة إلى البياض في عيني "نتنياهو" فإن النقاش حول الحرب سينتهي على الفور، ولا يمكن لإسرائيل القيام به في ظل المعارضة الأميركية.

"نتنياهو" يتحدى الموقف الأميركي، ففي مقابلة تلفزيونية مع القناة الإسرائيلية العاشرة "31-7-2012"، كشّر عن أنيابه حين قال بأن المستوى السياسي "أي الحكومة" هو صاحب قرار الحرب، وأن على المستوى العسكري التنفيذ فلماذا يطرح "نتنياهو" الآن ما هو معروف؟، لكن هناك جهتين مقصودة بهذه الأقوال، الأولى: رداً على رسالة رؤساء قادة الجيش والأمن الذين يعارضون الضربة، وفي طليعتهم رئيس الأركان، وقائد سلاح الجو، ورئيس الموساد، ورئيس الشاباك، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، آخذا من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن مثالاً، حين قام بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، رغم معارضة الجيش والأجهزة الأمنية، والثانية: الإدارة الأميركية للتأكيد لها بأن أحداً لن يستطيع منع إسرائيل من توجيه الضربة لإيران، وأن إسرائيل ستبقى الوحيدة صاحبة القرار في كل ما يتعلق بأمنها.

إن الابتزاز الإسرائيلي، والنفاق الأميركي أديا إلى قيام وزير الدفاع الأميركي "ليون بانيتا"بـ "بق الحصوة" من فمه حين قال في أعقاب اجتماعاته مع كل من "نتنياهو" و "باراك"، إنه محبط من قلة الثقة التي يبديها "نتنياهو" و"باراك"، بالالتزامات الأميركية، حيال وقف النووي الإيراني، معتبراً أن ذلك نكران للجميل، إثر الدعم الأميركي غير المتزعزع لأمن إسرائيل، فإدارة "أوباما" دعمت إسرائيل مادياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، حتى وقع "أوباما" على قانون الأول من نوعه، يحمل عنوان:"تعزيز التعاون العسكري مع إسرائيل"، وتزويد إسرائيل بالقنابل الخارقة للحصون، وطائرات لتزويد الطائرات الحربية بالوقود جواً، وهذا يشجع إسرائيل على العدوان، بدلاً من ثنيها، من جهة أخرى، جاء في موقع "قضايا مركزية 3-8-2012" الناطق باللغة العبرية، بأن "نتنياهو" نجح في إثارة غضب وسخط اوباما عليه لتدخله في الانتخابات الأميركية لصالح صديقه الجمهوري "ميت روميني"، وأن "نتنياهو" بات يلعب بشكل مكشوف وعلني ضد عودة "أوباما" لولاية ثانية للبيت الأبيض، ووفقاً لوسائل الإعلام، فإن "أوباما" يرى بأن "نتنياهو" شخص ناكر للجميل ويتصرف بطريقة غير منطقية قد تعرض مصالح إسرائيل القومية للخطر، في ضوء التزام الإدارة الحالية بشكل غير مسبوق بأمن وسلامة إسرائيل، ونحن نقول "صح النوم" إذاً حقاً اكتشفوا هذه الحقيقة ولو متأخراً.

إن زيارة المرشح الجمهوري "ميت رومني" لإسرائيل كانت تهدف إلى دق إسفين بين إسرائيل والإدارة الأميركية من جهة، وللحصول على المزيد من أصوات وأموال اليهود من جهة أخرى، والأهم الحصول على تأييد المسيحيين الإنجيليين المتدينين المؤيدين لليهود، لإقصاء الديمقراطيين، وليصبحوا أكثر موالاة لإسرائيل، إلى درجة امتناعهم عن توجيه أية انتقادات لإسرائيل، و"نتنياهو" يعتقد أن الضربة لإيران ستؤدي لإسقاط نظام الحكم الحالي فيها، فتقليص الموازنة الإسرائيلية، ووضع ضرائب جديدة لتوفير مبلغ (14) مليار شيكل، يندرج في خطط الاستعداد للحرب، ومع وجود توافق إسرائيلي-أميركي لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية، إلا أن الخلاف حول توقيت الضربة ومعالجتها دبلوماسياً، لكن هناك شيئاً مهماً، عندما يقول "نتنياهو" أنه يتحمل مسؤولية تداعيات الهجوم، ومن الآن يتحدث أنه على استعداد للمثول أمام لجنة تحقيق إسرائيلية مستقبلية، على شكل اللجان التي شكلت في أعقاب العدوان على لبنان عام 2006، ومجزرة صبرا وشاتيلا عام 1983، إضافة إلى لجان تحقيق تعودت عليها إسرائيل مثل لجنة اغرانات وغيرها، فإن "نتنياهو" يقامر بمستقبله السياسي من خلال هذه الضربة، بتوقعه أنه سيمثل مستقبلاً أمام لجنة تحقيق قد تحمله مسؤولية عدوان متوقع، وأنه سيفشل في هذا العدوان، ويسبب الأذى للمنطقة بكاملها، دون تحقيق أهدافه المعلنة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت