الاحتلال صانع الازمات الحقيقي ، هو وحده من يسيطر على مقدراتكم ، يسلب ارضكم مياهكم ،سماؤكم ، بحركم ، ومسؤول مسؤولية مباشرة عن فقركم وفرقتكم ،لذلك ينبغي صبّ جام غضبكم نحوه ،فلا تمنحوه نشوة الانتصار بالانحراف عن اتجاهكم الصحيح ..
من يتابع مسار الاحداث المتلاحقة في الساحة الفلسطينية ، لم يفاجأ بما آلت اليه الاوضاع الراهنة نتيجة مفاعيل عوامل عديدة يأتي في مقدمتها انسداد الافق السياسي الذي وصل مرحلة الاستعصاء التام جراء الاصطدام بلحظة الحقيقة الواضحة وضوح الشمس وهي ان حكومات الاحتلال السابقة واللاحقة على مختلف مشاربها لم تكن مؤهلة في يوم من الايام للتوصل الى حل عادل للقضية الفلسطينية يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية والسياسية المشروعة واقامة دولته الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران كما نصت عليه قرارات الامم المتحدة ذات الصلة ، وكذا الاتفافيات الموقعة معه ثم مباردة الجامعة العربية بالرغم من الظلم الجائر الذي وقع على حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية ، اضافة الى ان حكومات الاحتلال المتعاقبة ليست في وارد حساباتها على الاطلاق البحث عن حلول جادة للقضايا الجوهرية تستند الى القرارات الاممية خاصة حق عودة اللاجئين الى ارضهم وديارهم التي طردوا منها والحدود والقدس لسبب بسيط يردده دائما قادة ومنظري الفكر الصهيوني ينسجم مع محددات الاستراتيجية التوسعية وليس العكس ، التي تقول " ان وجود اي كيان فلسطيني مستقل بين النهر وكيان الاحتلال سيكون بداية نهاية اسرائيل " اي السقوط المدوي للنظرية الصهيونية الناشئة على انقاض القضية الفلسطينية ، وبالتالي فان محصلة السياسات التي حطّت رحالها في مؤتمر مدريد الشهير اعقاب حرب بوش الاب الخليجية الاولى ثم الولادة السرية لاتفاق اوسلو من رحم العملية التفاوضية المشوّهة ، أملتها ظروف معقدة اشبة ما تكون بالمقامرة السياسية غير محسوبة النتائج اذ تركت الباب مفتوحا على مصراعية للطرف الاقوى كي يفرض تفسيره الخاص وترجمة العناوين العريضة للاتفاق على ارض الواقع بما يخدم مخططاته العدوانية ، حيث شكّل الجانب الفلسطيني الطرف الاضعف في المعادلة المختلة الموازين التي احتضنتها الادارة البوشية وشركائها المنحازين لاسرائيل ، الامر الذي منح الاخيرة حق الافضلية لفتح الاتفاق كلما اقترب موعد تنفيذ بند من البنود واعادة التفاوض عليه من جديد بما يؤكد استقراء " اسحق شامير " رئيس حكومة الاحتلال السابق للعملية التفاوضية حيث قال " سنبقى نفاوض ثم نفاوض مائة عام دون تنازل عن اهدافنا لا ضير في ذلك " وبالتالي مرّ استحقاق انتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999 بشكل طبيعي مثلة مثل اي يوم اخر من ايام المعاناة الفلسطينية ثم اخذت الازمة التفاوضية في كامب ديفيد منحى ادى الى اندلاع الانتفاضة الثانية كان لها اثارها التي لا زالت ماثلة بما في ذلك اعادة احتلال مراكز المدن الرئيسية مرة اخرة بعد انسحابه منها بشكل تدريجي ، وباتت الجهود الفلسطينية تتمحور حول الرجوع الى اوضاع ما قبل 28 / 9 / 2000 تاريخ اندلاع الانتفاضة الثانية ، بعبارة اوضح فان جذور الازمة
ارتبطت بما لا يدع مجالا للشك بالعملية السياسية الفاشلة حيث وصلت الى ذروة الازمة الراهنة من خلال ملاحق الاتفاقيات الامنية والاقتصادية المتمثلة باتفاقية باريس الاقتصادية لكونها الحقت الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاحتلالي وكبلته من اي محاولات لتطويره واستقلاليته ، دون اخذ مستويات المعيشه ودخل الفرد الفلسطيني الهابط الى ادنى المستويات بعين الاعتبار بالمقارنة مع الدخول المقابلة له ، وبالتالي اضحى المشروع الوطني الفلسطيني رهينة المساعدات الخارجية وعوائد الضرائب التي تجبيها اسرائيل من العوائد الفلسطينية بنسبة 75 % المرهونة ايضا بيد حكومة الاحتلال تستخدمها للابتزاز السياسي وقت ما تشاء .
ان عدم وضع الحلول المناسبة للخروج من الازمة ادى تراكم الازمات الفرعية المتلاحقة مما جعل الامر اكثر صعوبة في المعالجات وبدل ذلك انتقلت الازمة من الصراع مع الاحتلال الى مواجهات داخل الصف الوطني تجلت ارهاصاته بوضوح شديد بعد الانتخابات التشريعية الثانية التي فازت بها حركة حماس اقصي بموجبه مبدأ الشراكة الوطنية والعملية الديمقراطية برمتها من سلوك التجربة الفلسطينية .
لقد شكل الانقسام الفلسطيني الداخلي بداية مرحلة وعرة لم تشهدها الساحة الفلسطينية من قبل بالرغم من وجود التناقضات في اطار البيت الفلسطيني على مدى سنوات الصراع الطويل من عمر الثورة الفلسطينية شهدت محاور متعددة في مراحل مختلفة لكنها لم تحرف الصراع مع الاحتلال عن مساره الطبيعي تركزت جل الخلافات حول الطريقة او السبل التي من شأنها الاقتراب من تحقيق الاهداف الوطنية ، بينما انحرفت البوصلة الفلسطينية عن اتجاهها الصحيح بعد اتفاق اوسلو وتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية ثم انتخاب السلطتين التنفيذية والتشريعية لغرض وظيفي تنفيذي يتمثل بتطبيق ما تم الاتفاق عليه برعاية امريكية اوروبية مشتركة من منظار منحاز للاحتلال ومخططاته التوسعية العدوانية ، الامر الذي احدث ارباكا شديدا في عمل هذه المؤسسات الانتقالية القليلة الخبرة ادت الى الخلط العشوائي بين مهمات الثورة الوطنية التحررية ومهمات الدولة المؤسساتية غير الناجزة بسبب القيود المفروضة عليها وتدخل سلطات الاحتلال بكافة تفاصيل الحياة اليومية وحرصه على افشال عمل السلطة واظهارها مظهر العاجز امام شعبها وبالتالي اتخذت السلطة سياسة الهروب الى الامام سبيلا للحلول الجزئية لم تسفر عن معالجات حقيقية لأي من الازمات المتتابعة .
لا يستطيع المواطن الفلسطيني ان يكون خارج التداعيات الناجمة عن عدوان الاحتلال من جهة واغراقه بثقافة الانقسام والاصطفاف مع التمحور الفصائلي ، واللامبالي الذي يشكل الاغلبية الصامته من جهة اخرى ، لذلك نرى تراجع الاداء الحماهيري في مواجهة الاحتلال وتصعيد المقاومة الشعبية ضد عدوانه واجراءاته العنصرية في القدس وبناء الجدار وانشاء المعازل بينما تقتصر الفعاليات على جزء من المنتمين الى الفصائل الذين اصابهم الوهن وعدوى اللامبالاة ايضا ، في حين تتصاعد وتائر الغضب الشعبي ضد السلطة والفصائلية بشكل عام تأخذ اشكالا شتى اهمها موجة الغلاء وارتفاع الاسعار وعدم قدرة السلطة على تقديم الحلول المناسبة وكذلك فقدان
المصارحة مع الشعب في الوقت المناسب واذا حصلت متأخرة تكون غير مقنعه للانسان العادي ، البسيط الذي ينتظر اجابات تعالج مشاكله الحياتية وهمومه المركبة ..
لعل ما يصبوا اليه الجميع ضرورة المراجعة الجريئة لجذر المشكلات جميعها التي تتفرع من فشل العملية السياسية وادواتها والعمل الجاد على استنباط استراتيجية وطنية نابعة من الفهم الوطني التحرري الذي يستنهض كافة الطاقات والمقدرات الكامنة لدى شعبنا في مواجهة الاحتلال والاعتراف بان الصراع على السلطة تحت الاحتلال ما هو الا صناعة اسرائيلية ، كل من يسعى اليها على حساب اهداف وثوابت شعبنا ما هو الا متواطئ مع مخططات الاحتلال ، لا بد من اعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني برؤيا جديدة ومناهج جديدة تجعل الاحتلال يدفع ثمن احتلاله .
لم نكن ندرك ان اليوم الذي يأتي فيه مستوطن مستعمرقادم من اصقاع الارض يعتدي على شعبنا في بيته ومقدساته ورزقه قد اتى ، بعد ان تعلمت شعوب الدنيا من الفلسطيني ابجديات الكفاح الوطني تعلم الصبر والجلد والمواجهة مع الاحتلال ، فلنخرج من هذه المتاهة قبل فوات الاوان ...
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت