في عام 2020 غزة إلى أين/أشرف أبوندا



منذ زمن بعيد و الإنذارات تصلنا من الخبراء الأجانب و المؤسسات الدولية عن أوضاعنا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، وكثيرا ما تكون هذه التحذيرات حقيقية و قائمة على معلومات و بيانات علمية دقيقة ، في عام 1995 حذرتنا البروفيسور و الباحثة في جامعة هارفارد سارى روي في دراستها عن التنمية في غزة ، أن اسرائيل تعمل على تدمير مقومات التنمية في الأراضي الفلسطينية بشكل عام و في قطاع غزة تحديدا، و أن اتفاقية غزة أريحا أولا لن يحقق تنمية مستدامة طالما أن الفلسطينين لم يحصلوا على حق تقرير المصير و السيادة الكاملة على الأرض و الموارد، و طالما إستمر الاحتلال الاسرائيلي في إعاقة تطور وتنمية الاقتصاد و المجتمع الفلسطيني. جاءت تقارير التنمية الفلسطينية منذ عام 1997 لتؤكد هذه الحقيقة.

في عام 2004 جاءنا إنذار آخر من الأمم المتحدة صدم فيه القيادة و الشعب الفلسطيني، ، أنذرنا من أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يتجه نحو قتال داخلي بين التنظيمات المسلحة الفلسطينية ، و جاءت أحداث الإقتتال الداخلي لتؤكد أن الإنذار لم يكن فاسقا و لا كاذبا إنما صحيحا.
اليوم نتلقى إنذارا جديدا من مسؤول أممي في الأمم المتحدة و من مدير عمليات الوكالة في قطاع غزة روبرت تيرنر يحذرنا من أن كارثة إنسانية تلوح في أفق قطاع غزة، و ستحل فيه في الأعوام القليلة القادمة ما لم يكن هناك تدخل سريع و مبكر و فعال لتفادي تلك الكارثة الانسانية و يدعو فيه الى معالجة الأسباب الجذرية لهذه الكارثة.

السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا الإنذار و التحذير الجديد هل سنتجاهله كأنه لم يذكر أمامنا و لم نسمعه ، أو سنتعامل معه على أنه نبأ فاسق و فيه رائحة مؤامرة فلا نعيره اهتمام ، أم إننا سنعمل على الأقل بالآية الكريمة " إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" . مع اعتقادي أن هذا الإنذار صحيحا و ليس كاذبا و يصدر من جهة مهنية و إن كانت تعمل اتجاه الشعب الفلسطيني ضمن أهداف سياسية تبتعد في بعضها و تقترب في بعضها الأخر من الأهداف السياسية للشعب الفلسطيني .

التبين و التأكد من حقيقة الإنذار و الهدف منه خطوة لا بد منه لإدراك حجم خطر الكارثة ، و ليكون حجم العمل يتناسب مع حجم الخطر، و من ثم العمل بمسؤولية و بمشاركة الكل الفلسطيني و بمساعدة الجهات العربية و الاسلامية و الدولية في وضع خطة عمل لتفادي الكارثة و جعل عام 2020 عام الاستقلال و التنمية. هذا ما يتمنا كل فلسطيني من أن تعمله قيادته السياسية الواقعية و الرشيدة، لكن ما يشهده الواقع السياسي و الاقتصادي الفلسطيني من انقسام سياسي و جغرافي ، و رؤى و مشاريع وهويات سياسية متناقضة، و عدم القدرة على وضع حد لإستمرار الإحتلال الاسرائيلي في سياسة الحصار و التجزئة و التهويد و الاستيطان ، و عدم رفض التدخل الدولي في التأثير على الشؤون السياسية الداخلية ، كل ذلك لا يؤشر و لا يبشر على إستعداد القيادة الفلسطينية المنقسمة و المنشغلة بمصالحها على التدخل في مواجهة الكارثة القادمة ، و تفادي الشعب الفلسطيني ويلاتها. و قد سبق أن القيادة الفلسطينية المنقسمة اختلفت و فشلت في ملف إعادة إعمار غزة بعد الحرب على غزة ، و وضع الملف جانبا و بقيت غزة تنظر إلى أطلالها .

يبدو أن هذه الكارثة ستضرب بقوة المجتمع الفلسطيني الهش في قطاع غزة ، مما سيزيد من حجم الطبقة الفقيرة فيه ، و مضاعفة اعتماد الشعب الفلسطيني في توفير حاجاته الأساسية على الدعم و المساعدات الخارجية التي تتناقص تدريجيا مع عدم استقرار الاوضاع المالية في العديد من الدول المانحة للشعب الفلسطيني. عدم القدرة على توفير الحاجات الأساسية من مياه و غذاء و سكن و تعليم و صحة ، و مع تقلص فرص العمل و زيادة نسب البطالة و الفقر في أوساط الشباب و أرباب الأسر سيخلق احتقان داخلي اجتماعي و سياسي و اقتصادي شديد ، يزيد من تفسخ المجتمع و تباعد شرائحة و طبقاته .

تهدد الكارثة المستقبل التنموي و السياسي الفلسطيني، خاصة مع استمرار الإنقسام و الاستقطاب السياسي و سياسة التهميش لفئات المجتمع الأخرى ، و مع تراجع المقاومة الى أدنى مستوياتها و إقتصارها على " اثبات الذات بأني أقاوم" ، و ربط المقاومة بأجندة حزبية أكثر منها بإستراتيجية وطنية شاملة.

ان استمرار المجتمع الدولي في اطلاق الانذارات دون التدخل بشكل جدي في وضع حد لممارسات الاحتلال الاسرائيلي المسؤول الأساسي عن الكوارث التي تحول و تحل و تحيط بالمجتمع الفلسطيني ، لن تحقق عندها المساعدات و الفواتير المالية الخارجية الى الشعب الفلسطيني هدفها في التغيير المنشود و تحقيق الاستقرار و التنمية في المنطقة. بل لن تقدر على الاستمرار في اغاثة الشعب الفلسطيني في المرحلة القادمة لتفادي آثار الكارثة الانسانية.

إن سيناريو السعي إلى فتح معبر تجاري عبر مصر، و تصويره بأنه الحل السحري لجميع مشكلات غزة ، قد يؤدي إلى نتائج سياسية و اقتصادية عكسية في حالة عدم وجود اتفاق فلسطيني داخلي ، و إذا أقدم الاحتلال الاسرائيلي على إغلاق المعابرالتجارية مع غزة بشكل كامل . و إن أي خطة من قبل المجتمع الدولي توضع لتفادي تدهور الأوضاع المعيشية في قطاع غزة من الضروري أن تقوم على معالجة الأسباب الجذرية و ذلك بإنهاء الاحتلال و إنهاء الانقسام ، و ليس على تعزيز الأسباب بتجذير الانقسام و إقامة دولة غزة الكبرى.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت